الالتزام باتباع نظام غذائي قد يضر بصحتك أكثر مما يفيد.. كيف ذلك؟

منذ 9 أشهر 142

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لا تلُم نفسك إن كنت تواجه صعوبة في الالتزام بالقرارات الغذائية التي اتخذتها للعام الجديد.

هذه النصيحة قدّمتها أوونا هانسون، وهي معلمة واختصاصية في دعم الوالدين بعملية تربية الأطفال، موضحة أنّ عقولنا وأجسادنا تكافح بنشاط أنواع القواعد الغذائية التقييدية التي يُروَّج لها بقوة خلال شهر يناير/ كانون الثاني.

وقالت هانسون: "علّمني خبراء في علم النفس والتغذية أنّ منح نفسك نعمة التخلي عن عقلية النظام الغذائي تمامًا، قد يكون أفضل طريقة لقضاء وقت جيد على مرّ أشهر السنة".

القيود الغذائية تأتي بنتائج عكسية

لقد عرفنا منذ عقود أنّ الأنظمة الغذائية لا تعمل على المدى الطويل. والسبب وجيه بالنسبة لشارلوت ماركي، أستاذة علم النفس في جامعة روتجرز بأمريكا، إذ يتمثّل بأنّ تقليل تناول الطعام "غير قابل للتكيّف من منظور تطوري". 

وماركي هي مؤلفة كتاب "صورة الجسم لدى الفتيات: أحبّي نفسك واكبري بلا خوف"، والمؤلفة المشاركة لكتاب "أن تكون أنت: كتاب صورة الجسم للأولاد"، 

في الإطار عينه قالت شانا ميني سبنس، اختصاصية التغذية المسجّلة التي تكتب النشرة الإخبارية لـ"The Nutrition Tea" إنه من غير المرجح أن يلتزم كثير من الناس بنظام غذائي، ومردّ ذلك ليس بسبب بعض الإخفاقات الشخصية بل "لأنّنا بشر".. ببساطة.

وأوضحت ماركي أنه عندما نبذل الكثير من الجهد والتركيز لمنع أنفسنا من تناول نوع طعام ما، تقضي أدمغتنا الكثير من الوقت بالتفكير فيه، ما يجعلنا أكثر عرضة للرغبة به تحديدًا. وتُعرف هذه الظاهرة الشائعة في علم النفس باسم "المعالجة الساخرة"، لأنّه كلّما حاولنا فرض المزيد من السيطرة على ما نستهلكه من طعام، ينتهي الأمر بسيطرته علينا. 

ولفتت سبنس إلى أنّ الضغوط المحيطة بقرارات شهر يناير/كانون الثاني تدفع العديد من الناس إلى وضع أهداف غير واقعية منذ البداية

الأنظمة الغذائية تقدم وعودًا كاذبة

هذا الشعور بالذنب لا يجب أن يصيب من يتخلّى عن اتّباع نظام غذائي، ومن يشعر بالحماقة لمحاولة اتباع نظام غذائي أيضًا. 

ولا تؤدي جاذبية البداية الجديدة لشهر يناير/ كانون الثاني إلا لزيادة الرسائل المغرية حول إعادة الابتكار وتحسين الذات. وأشارت ماركي إلى أنّ الإيمان بالتغيّر، والاندفاع الواثق هذا، والتفاؤل الذي نشعر به عندما نشرع باتخاذ قرار، قد يقودنا إلى "التفكير السحري".

وأوضحت سبنس لـCNN: "نحن كمجتمع نميل إلى اتباع مقاربة كل شيء أو لا شيء". وتابع أن "العام الجديد هو الوقت المخصص من السنة لوضع الأهداف أو اتخاذ القرارات، لذلك نريد التغيير نحو ما نعتقد أنه للأفضل ونريد أن نفعل ذلك فورًا".

وقالت ماركي إنّ التعاطف مع أنفسنا قد يساعدنا في معرفة مدى قدرتنا على تقبل أنّ "النظام الغذائي لن ينجح أبدًا".

تحسين التغذية من دون اتّباع نظام غذائي

أما إدراكك بأنّ الأنظمة الغذائية غير فعّالة، لا يعني أنه لا يمكنك أبدًا تحسين نوع الغذاء الذي تستهلكه. غير أنّ هذا الأمر يتطلّب أن تكون واقعيًا. وأشارت ماركي إلى أن "لا خطأ بالرغبة في تناول المزيد من الفاكهة والخضار"، لافتة إلى أنّ "كيفية التعامل مع ذلك مهمّ كي يصبح هذا السلوك عادة، من خلال إجراء تغييرات صغيرة وتدريجية".

وأوصت سبنس بالتفكير في الجمع عوض الطرح عندما يتعلق الأمر بتحسين التغذية. وشددت على أنه من الضروري جعل هذه التغييرات ممتعة والقيام بذلك على نحو متنوع عوض تقليله.

وقالت: "إذا كان هدفك الحصول على مزيد من الخضار، فهذا لا يعني أنه يتعيّن عليك تناول السلطات فقط، وعدم الاستمتاع بالأطعمة الأخرى. هذا يعني أنه يمكنك التفكير بكيفية إضافة الخضار خلال اليوم، في العصائر أو مع البيض صباحًا. وفي السندويشات عند الغداء، ولتزيين البيتزا أو في الصلصات.

رفض الوجبات الغذائية يتمتع بفوائد

يعتبر اتّباع نظام غذائي أحد أشكال اضطراب الأكل، وقد يزيد من خطر اضطرابات الأكل والأمراض العقلية الخطيرة الآخذة بالارتفاع. لذا فإن ضبط مقولة "كل شيء أو لا شيء" المرافقة للنظام الغذائي، قد يحسّن تغذيتنا ويفيدنا بطرق أعمق.

ولفتت ماركي إلى أنه "ليس فقط أن اتباع النظام الغذائي غير فعّال، بل يُعتبر في الواقع سلبي جدًا لجهة الصحة العقلية والجسدية". وأوضحت أنّه "عندما تتعامل مع الطعام على اعتباره أمرًا يجب تجنبه أو حتى الخوف منه، فنحن تتوقف عن الاستمتاع به، ويمكن أن يكون لذلك بعض العواقب المدمرة حقًا، ليس فقط على عاداتك الغذائية، بل على صحتك العقلية أيضًا".

وهذه المقاربة الضيقة في التعامل مع التغذية معيبة ولها نتائج عكسية: "لا يجب أن نشعر بالذنب إذا كنا نستسيغ أطعمة معينة. لأن يفترض أن يكون الطعام ممتعًا وجيد المذاق، إلى جانب توفير العناصر الغذائية". وأشارت سبنس إلى أن الأطعمة الوحيدة التي يجب عليك تجنبها هي "تلك التي لديك حساسية تجاهها، وتلك المتصلة بأسباب طبية، وتلك التي لا تستمتع بها".

وقد ينعكس رفض مشاعر الذنب والقيود إيجابًا على علاقاتنا ومجتمعنا أيضًا. ولا تؤثر الطريقة التي نتحدث بها ونتصرف بها مع الطعام على رفاهيتنا فحسب، بل على رفاهية من حولنا أيضًا، مثل أطفالنا أو أصدقائنا أو زملائنا. وأكدّت ماركي: "من خلال التصدي لكل رسائل ثقافة النظام الغذائي هذه، يمكننا المساعدة على تغيير المعايير".