الاعلان عن إصابة الملك تشارلز الثالث بالسرطان يُحطم قروناً من التقاليد الملكية

منذ 9 أشهر 91

تحطمت سرية صحة الملك التي كانت سائدة في التاريخ البريطاني، حين أعلن قصر باكنغهام عن تشخيص إصابة الملك تشارلز الثالث بالسرطان.

بعد الصدمة والتمنيات التي أعقبت البيان الرسمي للقصر، الاثنين، حصلت المفاجأة حين صدر الاعلان خالياً من التفاصيل، حيث جاء في  الرسالة أن  تشارلز، 75 عاماً، بدأ يتعالج من نوع من السرطان :"خلال التدخل العلاجي الأخير الذي خضع له الملك في المستشفى لعلاج تضخم البروستاتا الحميد، ظهرت مسألة منفصلة مثيرة للقلق. وقد حددت اختبارات التشخيص اللاحقة نوعاً من أنواع السرطان. ورغم أنه سيوقف فعالياته العامة مؤقتاً، فإن الملك سيواصل دوره الدستوري كقائد للدولة".

أعلنت صحيفة  التايمز اللندنية في عنوان مقتضب، الثلاثاء  أن"الملك مصاب بالسرطان"، إعلان يخالف ما كان سائداً في التاريخ البريطاني، حيث كانت تقول  والدة تشارلز الراحلة، الملكة إليزابيث الثانية: "لا تشتكي أبداً، ولا تشرح أبداً، كما كانت.

 لقد حجب تشارلز تفاصيل مرضه وعلاجه، وبهذه الطريقة يواصل نهجها، لكن مع هذا انفصل الملك عن والدته والتقاليد الملكية.

لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه عن صحة العائلة الملكية البريطانية

في الواقع، لا يزال العالم يجهل سبب وفاة إليزابيث عام 2022 عن عمر يناهز 96 عاماً، ففي السنوات الأخيرة من حياتها، لم يصدر عن القصر سوى أن الملكة كانت تعاني من "مشاكل في الحركة"، وذكرت شهادة وفاتها أن السبب هو "الشيخوخة".

ولم يتم إخبار البريطانيين بأن جد تشارلز، الملك جورج السادس، كان مصاباً بسرطان الرئة قبل وفاته في شباط/ فبراير 1952 عن عمر يناهز 56 عاماً، وادعى بعض المؤرخين، عدم إخبار الملك نفسه بأنه مصاب بمرض عضال.

وقالت سالي بيديل سميث، مؤلفة كتاب "تشارلز: عواطف ومفارقات حياة غير محتملة"، إنه بالنظر إلى أن تشارلز يحكم في عصر مشبع بوسائل الإعلام، "أعتقد أنه يتعين عليه أن يكشف أكثر مما كشف عنه".

وأضافت: "لقد كان صريحاً بشكل مثير للإعجاب فيما قاله عن علاج تضخم البروستاتا، وكان دافعه هو أن يكون منفتحاً وأن يشجع الرجال على إجراء الفحوصات اللازمة أيضاً". "لكنه عاد بعد ذلك إلى الشكل الملكي التقليدي، وهو الغموض والسرية ".

وقال السكرتير الصحفي الملكي السابق سيمون لويس لراديو بي بي سي 4، الثلاثاء، إن صراحة تشارلز بشأن تشخيص إصابته بالسرطان كان أسلوبه كملك.

وأفاد "أعتقد أنه قبل 20 عاماً كنا سنحصل على بيان قصير ومفاجئ للغاية، وهذا كل ما في الأمر". 

وذكر بيان القصر أن أحد أسباب الكشف عن مرضه هو "على أمل أن يساعد ذلك في التفهم العام لجميع المصابين بالسرطان في جميع أنحاء العالم". 

ولكن كان هناك سبب عملي آخرهو الحفاظ على السيطرة على المعلومات في عصر وسائل الإعلام الاجتماعية السريعة والمعلومات المضللة. وقال بيان القصر إن تشارلز "اختار مشاركة تشخيصه لمنع التكهنات".

يميل القادة إلى الاحتفاظ بالمعلومات المتعلقة بالصحة بشكل وثيق للغاية

في سجلات السلطة، يسعى القادة ومستشاروهم إلى الحفاظ على عدم تقويض تصور كونهم أقوياء ومسيطرين، لأن السماح بأي تصور للضعف يمكن أن يثير صراعاً أو يشجع على الانقلاب.

كان الاتحاد السوفييتي السابق معروفاً بعدم ذكر مرض قادته وموتهم، مثل ليونيد بريجنيف، ويوري أندروبوف، وكونستانتين تشيرنينكو، الذين كانوا مرضى سراً وسرعان ما توفوا واحداً تلو الآخر في الثمانينيات، وأثار كل حدث السباق على الخلافة.

وفي الولايات المتحدة، لا يوجد أي جدل حول حق الجمهور في معرفة الحالة الصحية لقادتهم. إنها سمة رئيسية للمعركة الرئاسية لعام 2024 بين الرئيس جو بايدن، 81 عاماً، والرئيس السابق دونالد ترامب، 77 عاماً، مع متنافسين آخرين، مثل نيكي هيلي، المرشحة للحزب الجمهوري، بحجة أنهما أكبر من أن يتولا الرئاسة.

وفي الأول من شباط/فبراير، اعتذر وزير الدفاع لويد أوستن عن إخفاء تشخيصه بالسرطان وجراحته. وفي مؤتمر صحفي نادر، أقر بضياع فرصة رئيسية لاستخدام هذه التجربة كلحظة تعليمية لأولئك الذين يقودهم في وزارة الدفاع، والأهم من ذلك، للأميركيين السود.

إلى أي مدى يحق للشعب البريطاني أن يعرف؟

أفراد العائلة المالكة مواطنون عاديون، لكنهم أيضاً، إلى حد ما، جزء من ثقة العامة، نظراً لأنهم مدعومون من قِبَل دافعي الضرائب البريطانيين ويلعبون دوراً دستورياً مهماً، وإن كانوا عاجزين إلى حد كبير. ولأنهم غير منتخبين، فهم يرثون ثرواتهم في ظل نظام ملكي عمره 1000 عام، حاول الناشطون الجمهوريون إزاحته منذ فترة طويلة.

وعلى الرغم من أن بعض استطلاعات الرأي تظهر أن الجمهور ودود تجاه تشارلز، إلا أن المعارضة واللامبالاة تجاه النظام الملكي آخذة في التزايد. 

وفي دراسة حديثة أجراها المركز الوطني للبحوث الاجتماعية، يعتقد 29% فقط من المشاركين أن النظام الملكي "مهم للغاية"، وهو أدنى مستوى خلال 40 عاماً من أبحاث المركز حول هذا الموضوع. وكانت المعارضة أعلى بين الشباب.

إن الحفاظ على مظهر الحيوية،على الأقل، يمكن أن يكون عاملاً أساسياً في سعي القادة إلى السلطة والتمسك بها. 

لذلك، حرص القصر على الإشارة إلى أن الملك سيتنحى عن واجباته العامة أثناء علاجه، لكنه سيستمر في إدارة واجبات الدولة الأخرى.

وفي حالة تشارلز، فإن الخلافة كانت محددة منذ فترة طويلة: فالتالي في الترتيب هو ابنه ويليام، أمير ويلز. لكن مرض الملك يجعل استعدادات ويليام أكثر أهمية في الوقت الذي يعتني فيه أيضاً بزوجته كيت، أميرة ويلز، التي تتعافى من جراحة في البطن.

استقبلت أخبار تشارلز بتعاطف كبير في بلد يعيش فيه 3 ملايين شخص مع مرض السرطان، وفقا لما ذكرته مؤسسة ماكميلان لدعم مرضى السرطان، وهي مؤسسة خيرية مقرها لندن. 

متوسطياً، يتم تشخيص إصابة شخص واحد بالسرطان في المملكة المتحدة كل 90 ثانية. وهذا يعني أنه يتم اكتشاف حوالي 1000 حالة سرطان جديدة كل يوم، وفقاً لخدمة الصحة الوطنية.

كان الإعلان عن مرض ملك بريطانيا، بمثابة إعلان عن حقبة جديدة من الشفافية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة.