الاصطياف بالجزائر... حضور سياحي وعوائق بيروقراطية

منذ 4 أشهر 88

ملخص

بدأت السلطات الجزائرية استعداداتها لموسم الاصطياف منذ نوفمبر الماضي، بدعوة القطاعات والهيئات العمومية المكلفة بالملف إلى اتخاذ تدابير ملائمة للتكفل بالصعوبات والنقائص ومعالجتها، مع المبادرة بإجراء التحسينات اللازمة انطلاقاً من تقييم حصيلة الموسم الماضي.

في يونيو (حزيران) من كل عام يتكرر مشهد افتتاح موسم الاصطياف في الجزائر الذي تسعى من خلاله السلطات إلى تحريك النشاط الاقتصادي والتجاري في المدن الساحلية التي تستقبل ملايين المصطافين سنوياً ويقصدونها للاستجمام، فيما تطرح تساؤلات حول غياب استراتيجية واضحة تمكن البلاد من استغلال الموسم بصورة فعالة لتحقيق عائدات مالية معتبرة.

استعدادات مبكرة

وبدأت السلطات الجزائرية الاستعدادات لموسم الاصطياف منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 حين اجتمع الأمين العام لوزارة الداخلية العربي مرزوق بأعضاء اللجنة الوطنية لتحضير موسم الاصطياف ومتابعة سيره، ودعا القطاعات والهيئات العمومية المكلفة بالملف إلى اتخاذ تدابير ملائمة للتكفل بالصعوبات والنقائص ومعالجتها تحسباً لموسم الاصطياف لعام 2024، مع المبادرة بإجراء التحسينات اللازمة انطلاقاً من تقييم حصيلة الموسم الماضي.

وفي خطوة نحو تخفيف كلف الإقامة في الفنادق والمنتجعات السياحية في الجزائر أعلن عن مبادرة خاصة بموسم الاصطياف نظمها مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري (هيكل يضم رؤساء المؤسسات الاقتصادية) بالتنسيق مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية، تحمل شعار "هذا الصيف في الجزائر تلقى روحك" (هذا الصيف في الجزائر ستجد نفسك) بهدف الترويج للوجهة السياحية الجزائرية، عبر تقديم عروض لفائدة العائلات الجزائرية والمغتربين وحتى الأجانب بأسعار تنافسية.

وقال وزير السياحة والصناعة التقليدية مختار ديدوش إن الجزائر أصبحت من الوجهات السياحية الرائجة وذلك وفقاً لمؤشرات السياحة الداخلية وتدفق السياح الأجانب، مذكراً بأن دائرته الوزارية بادرت إلى تخصيص أوعية عقارية على مستوى مناطق التوسع السياحي لإنجاز هياكل سياحية موسمية، وذلك بهدف الرفع من طاقة الإيواء على مستوى المناطق الساحلية.

ومن جهته قال رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري كمال مولى إن "التوقيع على هذا الاتفاق جاء بعد مشاورات مع أبرز الفاعلين في قطاع السياحة"، لافتاً إلى أن الهدف منه الحفاظ على القدرة الشرائية للعائلات الجزائرية من خلال إتاحة أسعار "جذابة" في الفنادق، وكذلك تمكينها إلى جانب الجالية الوطنية المقيمة بالخارج والأجانب من اكتشاف التراث السياحي للجزائر، مشيراً إلى أن هذه المبادرة تشمل 1600 فندق ومجمع سياحي ومتنزه ترفيهي وأن الانضمام إليها "سيبقى مفتوحاً لجميع الفاعلين في قطاع السياحة".

0005.jpg

يبلغ طول الشريط الساحلي في الجزائر 1600 كيلومتر (مواقع التواصل)

وبعد تحضيرات حثيثة وانتهاء فترة الاختبارات المدرسية النهائية أعلن وزير الداخلية إبراهيم مراد خلال الـ22 من يونيو الماضي عن الافتتاح الرسمي لموسم الاصطياف لعام 2024، وصرح بأن "كل القطاعات والمصالح العمومية على أتم الاستعداد لتقديم أحسن الخدمات لكل المواطنين وبخاصة أولئك الذين ينتظرون هذه العطلة لقضائها مع عائلاتهم واكتشاف بلادهم".

ولم ينس الوزير التذكير باحتياطات أمنية اتخذت تحسباً لأية طوارئ تحدث وتعكر على المصطافين قضاء عطلهم السنوية في الشواطئ والفنادق والإقامات، في إشارة إلى الأحداث المأسوية التي تسببت فيها حرائق الغابات صيف 2023، إذ حاصرت النيران العشرات من المصطافين الجزائريين والأجانب في ولايات ساحلية قبل أن يتم إنقاذهم من طرف فرق الدفاع المدني.

وقال مراد "لقد أعطينا توصيات لكل الولايات الساحلية الـ14 بما في ذلك التعليمات المتعلقة بتسهيل وصول الجالية الوطنية المقيمة بالخارج التي ستكتشف خلال قضائها العطلة الصيفية إمكانات وقدرات بلادها"، مشيراً إلى أن "الرئيس تبون وجه تعليمات إلى كل مصالح الدولة للعمل الدؤوب وعلى جميع المستويات لإنجاح هذا الموسم الذي نتمنى أن يكون من دون أخطار وحوادث تذكر".

حصيلة وأرقام

وفي عام 2023 تجاوز عدد السياح الأجانب الذين زاروا الجزائر 1.6 مليون سائح حسب تصريح لوزير السياحة والصناعات التقليدية مختار ديدوش أدلى به خلال الـ25 من يونيو الماضي، وأكد فيه أن "قطاع السياحة أصبح يسهم في إحداث حركية اقتصادية نشيطة في كل الولايات، خصوصاً في المواسم الصحراوية والصيفية، من خلال توافد نحو 3.3 مليون سائح منهم 2.2 مليون سائح أجنبي وارتفاع الحظيرة الفندقية إلى 1650 وحدة بـ152 ألف سرير، وبلوغ عدد وكالات السياحة والأسفار أكثر من 5000 وكالة، وكذا إحصاء أكثر من 200 دليل في السياحة وطني ومحلي".

وأشار ديدوش إلى أنه "تم الانطلاق في إنجاز 800 مشروع سياحي يمكنه توفير 90 ألف سرير و45 ألف فرصة عمل"، معرجاً على المقومات الطبيعية والحافظة العقارية للقطاع والتي "تضم 1600 كيلومتر من الشريط الساحلي، ومناطق طبيعية مصنفة مع تراث مادي ولا مادي و249 منطقة توسع سياحي مصنفة"، لافتاً إلى أن هذه المقدرات "قابلة لتعزيز الوجهة الجزائرية واحتضان الاستثمارات في المجال السياحي".

وحسب أرقام وزارة السياحة سجلت الجزائر 33 مليار دينار (245.4 مليون دولار) كمداخيل خلال موسم الاصطياف لعام 2023 بعد أن استقبلت الشواطئ 140 مليون مصطاف بين شهري يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب) من العام نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يخف مديرو السياحة الولائيون في لقاء عمل جمعهم بوزير القطاع حزمة النقائص والمعوقات التي سجلت خلال المواسم الماضية في بعض الشواطئ، التي لا تزال تعاني نقص الإنارة العمومية والنظافة وغياب بعض المرافق التجارية وقلة وسائل النقل.

وأشاروا إلى "أهمية تسطير برامج ثقافية وترفيهية وإقامة معارض للصناعة التقليدية لجلب السياح والمصطافين، مع تأكيد أهمية إشراك كل الفاعلين في وضع مخططات ترويجية واتصالية من أجل تحسين الوجهة السياحية الجزائرية".

خطوات وتحديات

وبدوره يرى المتخصص الاقتصادي الجزائري إيدير ساسي أن الجزائر اتخذت خلال الأعوام الأخيرة خطوات لتطوير القطاع السياحي، باعتباره أحد محركات النمو الاقتصادي للبلاد عبر مبادرات لتطوير البنية التحتية.

ويقول ساسي في حديث إلى "اندبندنت عربية" إنه على رغم الجهود المبذولة لا يزال قطاع السياحة في الجزائر يواجه تحديات كتطوير البنية التحتية التي تبقى محدودة بالنظر إلى المساحة الجغرافية ونقص المرافق وجودتها في بعض المناطق البعيدة التي يصعب الوصول إليها، إذ يجب تحفيز أكبر للنشاط السياحي خصوصاً في المناطق المعزولة لتوفير يد عاملة وخلق حركية اقتصادية لدى السكان المحليين.

وأوضح المتخصص الاقتصادي أن مشكلة البيروقراطية لا تزال قائمة في طريق تطوير قطاع السياحة، مما أدى إلى ضبابية وعدم وضوح الرؤية بالنسبة إلى المستثمرين الذين يبحثون عن مصدر القرار هل هو حكومي أم وزاري أم محلي؟ بسبب غياب نظرة استراتيجية حكومية واضحة لتسيير القطاع.

وأعطى المتحدث مثالاً على ذلك بالقول إنه على رغم انطلاق موسم الاصطياف فإن عدداً من المرافق في بعض الشواطئ لم تحصل على التراخيص لبدء النشاط، وهنا يجب معالجة هذه التحديات عبر تبسيط إجراءات الاستثمار السياحي ومحاربة البيروقراطية والتنسيق أكثر بين الإدارة المتدخلة في القطاع، علماً أن بعض النشاطات موسمية ويتطلب الأمر التحضير لها بصورة مسبقة من طرف الإدارات المعنية.

0002.jpg

وأفاد ساسي بأن بيئة الأعمال المتحررة في القطاعات الأخرى لا تزال غير واضحة المعالم في قطاع السياحة مما يجعل التردد السمة البارزة لدى المستثمرين، إضافة إلى هشاشة مجال السياحة الذي يتأثر بأبسط أزمة صحية مثلما حدث مع جائحة كوفيد-19 أو تهديدات أمنية وحتى كوارث طبيعية وغيرها من المؤثرات التي تتحكم به بصورة مباشرة.

وهنا يقول محدثنا "يجب إيلاء عناية خاصة بقطاع السياحة لأن التمويل يكون صعباً بالنظر إلى الأخطار العديدة مما يؤدي إلى بطء في تنفيذ الاستثمارات، كما يجب على الحكومة التركيز على الترويج لوجهة الجزائر التي تبقى غير معروفة لدى السياح الأجانب، على رغم المقومات الجغرافية والطبيعية والثقافية التي تزخر بها البلاد".

وأبرز ساسي إيدير دور الإعلام في تسليط الضوء على التراث التاريخي والثقافي للبلاد، مشيراً إلى أن بعض دول الجوار تحكمت في قطاع السياحة عبر الترويج للوجهات، بينما أمام الجزائر عمل أكثر ومجهود مضاعف للتعريف بالمادة السياحية المحلية التي تقدم طبقاً متنوعاً يلبي جميع الرغبات للسائح الأجنبي والمحلي على حد سواء.

وذكر بالمبادرة التي أطلقتها الجزائر لمنح التأشيرات عند الوصول الخاصة بزيارة المناطق السياحية في الجنوب، داعياً إلى ضرورة التفكير في ميكانيزمات جديدة لمنح التأشيرات الإلكترونية لرجال الأعمال، ضمن مقاربة الخطوات المشجعة للتأسيس لنظرة واضحة لتحسين القطاع.