الإيطاليون في الأرض

منذ 2 أشهر 52

يترقب الشارع الرياضي في السعودية قراراً من اتحاد كرة القدم المحلي، بشأن مستقبل المدرّب روبرتو مانشيني مع المنتخب الوطني المتعثّر بعد انتهاء 4 جولات من تصفيات كأس العالم 2026، في انتظار إقالة المخضرم الإيطالي، أو تجديد الثقة بقدراته، مع تحمّل مجلس الإدارة المسؤولية كاملة عن المحصلة النهائية.

ويواجه مانشيني ومعه رئيس الاتحاد السعودي مأزقاً حقيقياً، بعدما خاض المنتخب 3 مباريات على أرضه، وحصد نقطتين من أصل 9 كانت متاحة، ما جعله أمام مهمة صعبة الشهر المقبل، تتطلب العودة من أستراليا وإندونيسيا بالعلامة الكاملة لتعويض ما فاته، خصوصاً بعد استعادة «الكنغارو» عافيته، ودخوله على خط المنافسة مجدّداً.

وتسبّب تعادل السعودية أمام البحرين في فتح باب السخط على مانشيني، حتى وصل الأمر إلى مطالبة شبه جماعية بضرورة إبعاده خطوةً أولى لتصحيح مسار المنتخب في التصفيات، بل ومحاسبة مسؤولي الاتحاد السعودي على عدم اتخاذهم قراراً مبكراً يحفظ فرصة المنتخب في التأهل إلى كأس العالم، ويكاد الشارع الرياضي أن يُجمع على صعوبة مهمة المدرب الإيطالي في حال استمراره، بعدما بات مطالباً بالتصدي للمنتخب الأسترالي والياباني خارج الديار، والعمل على جمع النقاط من ملاعب المنافسين بعدما أضاع ما كان قريباً.

ويمكن القول إن روبرتو مانشيني فقد فرصةً متاحة لقلب الطاولة على منتقِديه، وحسم الجدل الدائر بشأن جدوى استمراره في منصبه؛ إذ برهنت الخسارة أمام اليابان، والتعادل أمام البحرين خلال أسبوع، وعلى الملعب نفسه، أن العلاقة بين المدرب الإيطالي والمنتخب السعودي أصبحت غير منتجة، واستمرارها يعني بالضرورة عدم حصول المنتخب على بطاقة التأهل إلى المونديال، حتى لو أُتيحت 10 مقاعد للقارة الآسيوية.

بلا شك، أصبح مسؤولو الاتحاد السعودي يُدركون أن التعاقد مع مانشيني كان قراراً يفتقد إلى المنطق، وليس له ما يبرّره إلا الجانب الإعلامي من الصفقة، وهذا الأخير لا يُسمِن ولا يُغني من جوع، بل إنه سينقلب وبالاً على المنتخب في حال عدم تأهّله؛ كونَه سيضع كرة القدم السعودية في خانة الفشل، بداعي أنه حتى مانشيني «الرهيب» عجز عن إنعاشها وتأهيلها إلى المونديال، ولن يلتفت المتابعون في العالم إلى أن هذا الرجل فشل قبلها في تأهيل منتخب بلاده إلى النهائيات!

لم يأتِ التعاقد مع مانشيني بتوصية فنية، أو قراءة متأنية، أو دراسة لحاجة المنتخب، بل من أجل جذب «فلاشات» الإعلام، واستقطاب الأضواء إلى المنتخب الذي يدرّبه هذا الإيطالي، ومن هنا بدأت الأخطاء تتوالى، كما حدث بالتعاقد مع الهولندي فرانك ريكارد، والفشل في بلوغ مونديال 2014، ثم دفع الشرط الجزائي وتأمين تقاعُد كريم لمدرّب جاء من أجل مكافأة نهاية مسيرته الرياضية، ولا أعلم مبرّر اللجوء إلى التعاقد مع مانشيني وفرْض مدرسة جديدة على المنتخب، خصوصاً مع تكرار فشل أصحاب القبّعات من خريجي هذه المدرسة فنياً في الملاعب السعودية والعربية.

تجارب المدربين الإيطاليين السابقة مع المنتخبات العربية لا يمكن أن تبعث على التفاؤل؛ إذ لم يحقّق هؤلاء ما يمكن أن يوازي نجاح نظرائهم من البرازيل والأرجنتين والبرتغال وألمانيا وفرنسا، وحتى المحليين من المدرّبين العرب، بفعل عدم قدرة أكثرهم على بناء علاقات جيدة مع اللاعبين، وهذه لعنة أصبحت تطارد المدرسة الإيطالية خارج بلادها، مع استثناء بعض التجارب اللافتة على مستوى الأندية الأوروبية.

وتحمل ذاكرة أنصار المنتخبات العربية تفاصيل إخفاق الطليان، من أمثال ماركو تارديلي «مصر»، وفرانشيسكو سكوليو «تونس وليبيا»، وألبيرتو زاكيروني «الإمارات»، وأنطونيو أنجليلو الذي خاض تجربة في المغرب جعلت أصحاب الدار يزهدون في خدمات المدرّبين الإيطاليين حتى الآن، بل بلغوا درجة من الزهد جعلتهم يختارون وليد الركراكي على حساب والتر ماتزاري، قبل أن تبرهن الأيام على صحة قرارهم.

ويعود عدم نجاح المدربين الإيطاليين خارج بلادهم غالباً إلى تأثرهم بفكر العرّاب هيلينيو هيريرا، صاحب طريقة «كاتيناتشو» الشهيرة، ومن عقيدة هذا المدرب التعامل بالشك مع الجميع، والدخول إلى حياة اللاعبين، والبحث في تفاصيلها للتحكم بمستوى العلاقة بينهم، من خلال التجسّس على أحاديثهم وأخبارهم عن طريق مساعديه، أو أفراد الفريق الطبي، ومع أن سلوك هيريرا هذا منحه المجد في إسبانيا وإيطاليا، إلا أنه خلق أجيالاً من المدرّبين التعساء الذين ساروا لاحقاً على طريقه، قبل أن يفقدوا ولاء اللاعبين واحترامهم في أكثر من مكان، وربما فات على هؤلاء أن عصر هيلينيو هيريرا انتهى، وأدواته أصبحت غير صالحة للاستخدام، في زمن تحوّلت فيه كرة القدم إلى صناعة تستثمر باللاعب، وتهتم بتأهيله فنياً ومعنوياً.