الإنسان قبل "سبايدر مان" وبعده 

منذ 1 سنة 169

جسدت حكاية الرجل العنكبوت تطويراً حديثاً مهماً لمسألة حاجة الإنسان للتحول إلى صيغة أكثر قوة من صيغة الإنسان العادي، والتي ظهرت باكراً عند الروائي التشيكي فرانس كافكا في قصصه الشهيرة، فالرجل عنده يتحول إلى كائن قادر على الالتصاق بالأشياء والمشي فوق الأسطح مثل السقف والجدران، وهي أول صيغة هجينة للإنسان بصيغة الرجل العنكبوت مأخوذة من العوالم الأقرب إلينا حينها وهي عوالم الحيوان، وذلك قبل معرفتنا بالشبكة العنكبوتية والتطور التقني والذهني الهائل الذي وصلنا إليه اليوم. 

ولعل الرجل العنكبوت الذي حلم به كل من ستان لي وستيف ديتكو في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى لحظة ابتكار شخصية "بيتر باركر" الشهيرة، ما هو إلا نسخة شبه حرفية لكائن كافكا الخيالي الذي تنبأ من خلالها قبل عقود سبقت هذا التاريخ بولادة كثير من البشر الخارقين ونهاية عهدنا بالإنسان التقليدي العادي.

زمن "سبايدر مان"

أدرك الإنسان قبل زمن "سبايدر مان" أنه بحاجة ماسة إلى التطور السريع لمجاراة المحيط حوله، فقد لاحظ العلماء والأدباء والمفكرون أن كائنات صغيرة "مستحقرة" حولنا تمكنت من التطور ذاتياً بشكل مثير للدهشة، فخاف هؤلاء أن يفقد الناس مكانتهم على أعلى قمم التطور الحيوي التي وصلنا إليها بين الكائنات. 

توم هولاند في هوليوود لحضور العرض الأول لفيلم "سبايدرمان" الذي لعب فيه دور البطولة (غيتي)

وقد لفت "العنكبوت" انتباهنا كثيراً لأنه تميز بصفتين أساسيتين أراد الإنسان أن يتمتع بهما، وهما الخفة والقدرة على استشعار الخطر، إلى جانب تمكن هذا الكائن الصغير من تطوير شبكته الصغيرة ذاتياً والتي تحولت إلى أشهر فخ طبيعي في الحياة البرية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي خمسينيات القرن الماضي كان الإنسان على عتبات صناعة شبكة إلكترونية خاصة من خلال ربط عدد من الحواسيب الرقمية ببعضها، إذ تمكن باحثون في الولايات المتحدة من إرسال أول رسالة بين جهازين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس إلى معهد ستانفورد للأبحاث، بإشراف البروفسور ليونارد كلينروك لتعلن بعد ذلك ولادة الشبكة العنكبوتية الافتراضية (الإنترنت) رسمياً. وفي عام 1962 ظهرت شخصية الرجل العنكبوت لأول مرة على غلاف العدد الخامس عشر من مجلة مارفل كومكس الشهيرة.

شخصية الرجل العنكبوت

في فترة الستينيات من القرن الماضي كان الإنسان لا يزال غير واثق بقدراته الذاتية كلياً، وكان لا بد من وجود الخوارق في حياته، إذ احتاج التطور دائماً إلى مبرر خارجي مثل تعويذة أو عصا سحرية أو أي عامل آخر. 

لذلك ابتكر كل من ستان لي وستيف ديتكو فكرة اللدغة التي تعرض لها بيتر باركر من العنكبوت المهجن، لتكون بمثابة العامل السحري الذي يتحول من خلاله الفتى اليتيم الذي يعيش حياة حزينة وتراجيدية إلى بطل خارق يجابه المسوخ والوحوش. 

وقد نتج عن هذه اللدغة وفق ستان وستيف تطوير الفتى سلاحاً رئيساً ضمن ترسانته الحربية وهو الشبكة التي تخرج من بدلته وتلتصق بالأسطح والجدران. وبطريقة ما تمكن مبتكرا الشخصية الشهيرة من دمج كل هذه المعطيات الرئيسة في حياة هذا البطل بصورة ذكية ودقيقة. فالشبكة التي طورها الرجل العنكبوت التي يعبر عنها بالبدلة ما هي إلا شبكة الإنترنت التي تحول هذا الفتى الصغير إلى إنسان خارق يواجه المصاعب والتحديات بحنكة ودهاء.

بدلة بيتر باركر

تتعرض بدلة "باركر" في كل جزء من أجزاء الفيلم للتلف أو التمزيق من قبل الأعداء، وتكمن المفارقة الكبرى للعمل في تلك البدلة الشهيرة المزركشة والتي تغطي جسد بيتر بالكامل، لتظل شخصيته مجهولة طوال العمل. 

"أتعلمين من كان على الملصق الترويجي للجزء الثاني من الفيلم؟" (أفلام كولمبيا)

وفي كل جزء من أجزاء الفيلم المصور سواء كان بصيغة الرسوم المتحركة أو الصورة الذكية يتمثل التحدي الكبير أمام هذا الفتى في فكرة الخروج من البدلة نهائياً أو البقاء فيها، وذلك لأنها جرت عليه الويلات وعرضت أسرته وأحباءه للخطر. مع ذلك ومع نهاية كل جزء وبداية آخر تكون المفارقة التي تؤكد استمرار العمل، إذ تستبدل البدلة التالفة أو المتضررة بشدة والتي ترمز هنا أيضاً إلى الحياة العملية في زمن بيتر الشاب الواقعي ببدلة أخرى أقوى وأمتن من سابقتها، ثم يستأنف "باركر" نشاطه ليخوض جزءاً آخر من مغامراته ضد الأشرار.

تطوير شخصية البطل الخارق

يعبر التطوير الذي يطرأ على الصورة والأحداث في فيلم الرجل العنكبوت عن أقسام من التطور التقني والذهني الذي تصل إليه البشرية في الواقع الافتراضي والواقع المادي معاً، إذ تنعكس تلك المؤشرات على شخصية البطل ضمن العمل بخفة واقتدار. 

وليس من الصعب الربط بين شخصية البطل الخارق وتحولاتها الرئيسة وما يحدث في الواقع على الشبكة العنكبوتية والتقنيات، إذ يمكن القول إن شخصية البطل تختزل كل ذلك التطور السريع الذي يحصل في الواقع بين لحظة وضحاها من خلال الصورة التي تتفاعل بشكل حيوي يوازي ذلك، لترتفع بذلك وتيرة العمل على جميع الصعد بدءاً من الحكاية والعقدة والحدث وصولاً إلى كل مناحي الدراما والإنتاج السينمائي، مما جعل العمل مرآة تنقل لنا تفاصيل دقيقة وحاسمة من خلال صيغة بصرية مميزة. 

على مدى عقدين من الزمن تقريباً، ومنذ 2002 تحديداً يعرض "سبايدر مان" على الشاشات الكبرى، محققاً أرقاماً قياسية في المشاهدة، لدرجة أنه وصف بالعمل الذي أنقذ السينما من الركود، وبدأ الفيلم من خلال أجزاء الرجل العنكبوت الأول والثاني والثالث، ومن ثم جاء الرجل العنكبوت المذهل بجزأيه الأول والثاني، إضافة إلى "سبايدر مان" عالم مارفل بأجزائه الممتدة من 2017 -2021 حيث العودة إلى الوطن.