"الإنجاب فوق الخمسين" ولادة تصطدم بجودة البويضات

منذ 1 سنة 166

في عام 2015 رزقت ثلاثون سيدة سويسرية أطفالاً بعد أن جاوزن عامهن الخمسين، بل إن ثلاثاً منهن تجاوزن الستين، وعلى رغم أن معظم حالات الإنجاب كانت عبر شراء بويضات، إلا أن هذه الحالات أثارت جدلاً في هذا البلد الأوروبي حينها بين مؤيد ومعارض آنذاك، وعلى رغم الفروقات الفيزيولوجية بين الرجل والمرأة، إلا أن غالبية المجتمعات لا تعارض أن يصبح لدى الرجل في سن متأخرة طفل طالما يسمح له جسده بذلك، دون الأخذ بالاعتبار تحذيرات الطب من هذه الخطوة بعد عمر معين، وذلك خوفاً من مجيء طفل يحمل بعض الأمراض نتيجة حيوانات منوية ذات جودة أقل مما لو كان الأب شاباً.

ولعل هذا ما حدث مع الممثل العالمي روبرت دي نيرو منذ مدة، حين أعلن أنه رزق بمولود جديد وهو في عمر 79، وعليه فقد خرجت الأصوات بين مباركة وأخرى منتقدة، فهل الإقدام على هذه الخطوة في مثل هذه السن تتعلق فقط بالقدرة على الإنجاب أم بتحمل مسؤولية تربية طفل في العمر الافتراضي الأنسب للأهل؟

مصلحة الطفل أولاً

يرى نائب رئيس تحرير موقع "swissinfo"، ريتو جيزي فون فارتبورغ، أن "الحرية الشخصية في إنجاب الأطفال متى ما رغب المرء مسألة لا تقدر بثمن، ومن البديهي أن يحظى الإنسان بظروف تجعل من تكوين أسرة في النصف الثاني من العمر شيئاً منطقياً ومعقولاً، فغالباً ما يقف التدرج الوظيفي الذي يسعى إليه الشخص عائقاً في وجه هذه الخطوة، إضافة إلى طول الانتظار بهدف البحث عن الشريك أو الشريكة المناسبة، كما أن الرغبة في إنجاب طفل قد لا تظهر إلا متأخرا".

ويتابع "مع ذلك، يجب أن توضع مصلحة الطفل في المقام الأول، فالطفل لديه الحق في أن يكون له أبوان، وفي الحالة الأمثل تكون لديهما الكفاءة للقيام بمهمتهما والقدرة على أن يكونا مع أبنائهما ولو إلى حد ما من حيث مستوى النشاط، أما إذا كان الأبوان قد تخطيا الـ50 عند إنجاب طفلهما، فإنهما سوف يحالان إلى التقاعد قبل أن تغادر ابنتهما أو ابنهما المدرسة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "احتمال أن يحتفل طفل لأبوين تخطيا الـ50 عند ولادته بعيد ميلاده الـ20 وحده من دون أب أو أم، هي خمسة أضعاف ما إذا كان ولد لأبوين في سن الـ30 عند الإنجاب".

يقول فارتبورغ إن "الخطر الأكبر ليس في أن يصبح الطفل يتيماً في وقت مبكر، وإنما المخاطرة الحقيقية بأن تصاب الأم أو الأب بمرض عضال أو يصبح أحدهما محتاجاً للرعاية الصحية، بينما الطفل لا يزال صغيراً، وهذا ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ضياع جزء كبير من سنوات الطفولة التي من المفترض أن تكون بلا أعباء، كما يسلب الصغار في جميع الأحوال إمكانية التعرف على أجدادهم، الذين يشكلون في كثير من الأحيان أشخاصاً في غاية الأهمية من حيث الرعاية التي يقدمونها لهم".

مانع فيزيولوجي

أما من الناحية الفيزيولوجية، فمع التقدم في العمر تقل فرص الحمل، وعلى رغم انخفاض الخصوبة عند الرجال والنساء مع تقدمهم في العمر، إلا أن هذا يحدث بشكل أكبر عند النساء، حين لا يحصلن على عدد أقل من البويضات مع تقدمهن في السن فحسب، بل تنخفض أيضاً جودة البويضات المتبقية.

كما تنخفض خصوبة الرجل كلما تقدم في العمر بسبب انخفاض هرمون التستوستيرون، ويقول الاختصاصي في علم الوراثة الألماني توماس هاف "إن الحيوانات المنوية لدى الرجل لا تكون بحالة جيدة مع التقدم في العمر". ويرجع العلماء السبب في ذلك إلى التغيرات الطارئة على المادة الوراثية لدى الرجال بدءاً من بلوغهم 45 عاماً.

وقد برز منذ عقود مصطلح تأثير العمر الأبوي (paternal age effect)، الذي يشير إلى العلاقة الإحصائية التي تربط بين العمر الأبوي عند حدوث الحمل والتأثيرات البيولوجية اللاحقة على الطفل، إذ يمكن أن تظهر هذه التأثيرات في شكل تغيرات في وزن الولادة، أو متوسط العمر المتوقع، أو على شكل اضطرابات خلقية أو عواقب نفسية.

وقد اقترح تأثير العمر الأبوي ضمنياً لأول مرة بحلول عام 1912 من قبل الطبيب ألماني فيلهيلم واينبرغ، وهو طبيب متخصص في أمراض النساء والتوليد، لكن يعد البريطاني ليونيل بنروز كان أول من تطرق له بشكل صريح بحلول عام 1955.

وعليه فقد ذكرت عديد من الدراسات أن العمر الأبوي المتقدم مرتبط بزيادة مخاطر جينية وأخرى لها علاقة بالإجهاض، أو بإصابة الطفل بعدد من الأمراض ومنها التقزم والسكري وسرطان الثدي وغيرها من الأمراض غير المثبت أن العمر الأبوي هو سببها الأساسي.

رؤية إيجابية

وعلى رغم ذلك فقد خرجت بعض الدراسات التي تظهر الجانب الإيجابي من قرار إنجاب طفل في سن متأخرة، إذ أوردت بعضها "أن الطفل المولود لأم تكبره في السن يكون لديه احتمالية وفرصة كبيرة للتطور الفكري الجيد والأداء المدرسي المتميز، والتفكير في الأمور بشكل أفضل".

ولكن من الغريب أن يختلف الأمر بين الرجل والمرأة، إذ يقول العلم إن "الزوج والأب الكبير في السن، أي تعدى الخمسين، يكون له تأثير سلبي في معدل ذكاء الأطفال، إضافة إلى وجود أخطار متزايدة على النمو لعقلي".

ومن الشائع أن للآباء المتقدمين في العمر تأثير سلبي في حياة أطفالهم وعلاقاتهم الاجتماعية، الأمر الذي يجعلها أكثر صعوبة وتعقيداً، ولكن العلم هدم هذا المعتقد، فأوضح "أن أطفال الآباء الأكبر سناً يتصرفون بشكل أفضل ويفتعلون مشكلات أقل مقارنة بأقرانهم المولودين لآباء مراهقين، كما أن الأطفال المولودين لأبوين متقدمين في العمر هم أقل عرضة لمخالفة القواعد أو افتعال تصرفات عنيفة جسدياً أو عدوانية".

وأخيراً كشفت الأبحاث العلمية، أن هناك فرصة كبيرة لتعامل الأطفال مع فقدان الوالدين المتقدمين في العمر، بشكل أخف ووقع أقل حزناً على قلوبهم وأنفسهم، من أن يفقد الأطفال آباءهم ذوي العمر الصغير، بخاصة في حالات الوفاة، الأمر الذي قد يؤثر في صحتهم العقلية.