أوضح الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، فى كتابه "الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط"، أنه منذ اللحظات الأولى لبدء إطلاق وبث وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان والملتحقة بهم من خارج مصر والموجهة إليها، وحتى الوقت الراهن، ولأكثر من عشر سنوات، ظل هذا الإعلام بمختلف وسائله مصراً يومياً وعلى مدار الساعة يؤكد على أن كل شيء في مصر، إما أنه انهار بالفعل أو أنه في طريقه للانهيار السريع للغاية. وفي كل حلقة وبث وإذاعة، يستفيض مقدموها ومعدوها من الإخوان والملتحقة بهم في تقديم كل ما يعتقدون أنه يؤكد الانهيار الحاصل أو القادم سريعا من بيانات وإحصائيات وشهادات ممن يعتبرونهم "خبراء" مما يعطي الانطباع في نهاية العرض بأن صباح اليوم التالي أو الذي بعده بحد أقصى، سيشهد الانهيار التام لكل الأوضاع في مصر.
وتابع: ولأن إعلام الإخوان وملتحقتهم لا يعدو أن يكون "رد فعل" مباشر وفوري لكل ما يجري في مصر، فمن الطبيعي أن يبدو كل يوم من أيام بثهم مختلفاً شكلياً عن اليوم الذي سبقه من ناحية الموضوعات التي يتم الحديث عنها واعتبارها في حالة انهيار أو قريبة جداً منه. فبقدر تعدد وتنوع القرارات والإجراءات المتخذة في مصر سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو عسكرياً أو غيره، بقدر ما يلهث وراءها ذلك الإعلام تشويهاً وتعريضاً، واعتبارها دوماً علامة النهاية والانهيار الأكيدين الفوريين. ولأن عديداً من هذه القرارات والإجراءات قابل للتكرار أو للتطوير والتعديل كل فترة، فإن إعلام الجماعة وملتحقيها يبادر فورياً برد فعله المعتاد في تشويهها والتعريض بها، مؤكداً في كل مرة على أنها علامة النهاية والانهيار العاجلين، دون أن ينتبه إلى أنه قد كرر هذا "التنبؤ" الفاشل عدة مرات قبل هذا في كل المناسبات التي كان فيها كعادته مجرد "رد فعل" لما يجري في مصر من مسار وتطورات.
مؤكدا أن ما يقوم به إعلام الإخوان وملتحقتيهم من تكرار - أضحى مملاً للغاية -التنبؤ الانهيار الحال والعاجل، يعكس في الحقيقة أمرين ملفتين. الأمر الأول هو فقدان الذاكرة المرضي الذي يصيب القائمين على هذا الإعلام من مقدميه ومعديه بحيث ينسون يومياً ما سبق لهم ذكره والتنبؤ به عشرات المرات خلال السنوات العشر المنصرمة، حول نفس الموضوعات التي قدموها ومهدوا لتنبؤاتهم حولها تقريباً بنفس الإحصائيات والبيانات والشهادات معدن يعتبرونهم "خبراء"، وأعلنوا في كل مرة أنها ليست بداية النهاية للأوضاع في مصر، بل هي النهاية نفسها. هذا الفقدان المرضي للذاكرة والإلحاف في تكرار نفس الموضوعات وذات التنبؤات، يوضح أيضاً بجلاء أننا لسنا أمام إعلام حقيقي يتسم بالموضوعية وتقديم المعلومات الدقيقة ومختلف الآراء حولها، بل نحن إزاء "آلة" دعاية سياسية كاملة تتسم بكل خصائص مثل هذه الآلات التي عرفها العالم في عديد من بقاعه ومراحل تاريخه المعاصر، وأبرزها وأهمها هو الإلحاح المقصود على موضوعات بعينها ومقولات واستنتاجات محددة ترمي جميعاً إلى تحقيق الأهداف السياسية لمن هم أصحاب هذه الآلات الدعائية، وفي حالتنا هذه جماعة الإخوان وملتحقتهم.
وأضاف: أما الأمر الثاني الملفت، فهو أن نظرة إجمالية شاملة على هذا الإعلام خلال سنواته العشر من زاوية هذا التكرار المشار إليه، توضح بسهولة أننا أمام نص وسيناريو شبه موحدين كتبا لكل البرامج والفقرات والتعليقات على مختلف وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، يؤديه كل مقدميه ومعديه طوال هذه السنوات بالتزام كامل. ولا يعني ثبات وواحدية النص والحوار للجميع، أن هناك واحدية أيضاً في أدائهم جميعاً. فهناك ولا شك تنوع في طريقة أداء كل من مقدمي ومعدي الإعلام الإخواني والملتحق به لأدوارهم في النص والسيناريو الموحدين؛ بحيث يستخدم كل منهم ما لديه من تكوين ووسائل وأدواته سواء كانت أخلاقية أو غير هذا، وبحسب شخصيته وخلفيته، لتوصيل الرسالة الأساسية التي يريد كاتب النص والسيناريو توصيلها للمتابعين.
وتابع: والحقيقة أن هذا الهامش الملحوظ في تطبيق النص والسيناريو الموحدين لإعلام الإخوان وملتحقتهم لم يؤد في أي وقت لأي خروج مقدميهم أو معديهم عن النص أو السيناريو والعودة مثلاً إلى قواعد الإعلام الحقيقي فى الموضوعية وتدقيق المعلومات وتعدد الآراء، فهم جميعاً يجتهدون - وكل بطريقته - في الالتزام التام بأنهم ليسوا إعلاماً حقيقياً، بل "آلة" دعاية سياسية مكتملة الأركان، وربما في واحدة من أسوأ صورها التي عرفتها الخبرة البشرية المعاصرة.