الأمل الخارج من معاناة

منذ 1 سنة 191

ثمة تحركات عربية، تبدو وكأنها خارج المعتاد، إذا اعتبرنا خلاصات العقد العربي الماضي، هي المعتاد بما حملته من وقائع وسياسات ومحن عربية شديدة القسوة، سواء في الواقع الإجمالي للحالة العربية، أو في الواقع الداخلي في أغلب البلدان، وما أصابها، ودفع بسكان بعضها للعيش في ظروف بعضها أكثر مما يستطيع البشر احتماله.

تحركات بعض العرب تتواصل، وهي ما زالت متواضعة في خطواتها، مقارنة بما هو مطلوب، لكنها تلامس الجوهري في الاحتياجات العربية، التي يظهر أبرزها في إعادة ترتيب أوضاع وعلاقات العرب، وتشمل مستويين، أولهما العلاقات مع دول الغير في المستويين الإقليمي والدولي، والثاني، ترتيب العلاقات البينية، التي تصل بين الدول العربية بصورة جماعية أو عبر علاقات ثنائية أو أكثر.

وترتيب العلاقات في المستويين، يتطلب من الحراك العربي الذهاب في سياسات جديدة، جوهرها تواصل مع الجميع على قاعدة تطوير العلاقات وتصفير المشاكل، ووضع ما هو صعب الحل منها على قاعدة البحث المشترك عن حل أو تجزئة المشكلة، وإيجاد حلول لأجزائها، ويضاف إلى تصفير المشاكل، نهج آخر، أساسه الانفتاح المتبادل على البلدان، وخاصة لتطوير مرور الأشخاص والسلع، بما يلبي مصالح مباشرة ومتبادلة للدول والشعوب في الأقل منها الاستفادة من الإمكانات والقدرات المتاحة.

ولا يعني الاعتماد على المصالح المادية المتبادلة سبباً لتقوية العلاقات، تجاهل المشتركات الثقافية والحضارية، التي تقوي وتعزز علاقات العرب مع الآخرين وفيما بينهم. فهذه اليوم صارت بعضاً من بوابات التقارب والتفاعل، التي تشد البشر إلى بعضهم، وتفتح الأبواب على سعتها لمعالجة مشاكل خطرة في عالم شديد الهشاشة.

ولعل نظرة إجمالية للحراك العربي، تبين بعضاً من متغيرات بدأت تظهر في خريطة العلاقات العربية، التي لا شك أنها تحتاج إلى تركيز خاص على سلبيات الواقع العربي، وقد عززت بعضها سنوات العقد الماضية، وجعلتها ظواهر تحتاج إلى علاج جدي لا يمكن تأجيله، أولها ضغوطات ومخاوف أمنية وخنق للحريات وانتهاك لحقوق الإنسان، وقد كانت بين أسباب ثورات الربيع العربي، والثاني ما ترتب على تحول الثورات إلى صراعات داخلية عنيفة، ولها اختلاطات إقليمية دولية في عدد من البلدان العربية، دفعت ملايين النازحين والمهاجرين، وقسمت البلدان العربية قسمين، الأول يصدر لاجئين ومهاجرين، والآخر يستقبل ما استطاع منهم، وهذا ساهم في إذكاء ظواهر الفقر والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في أغلب البلدان بما فيها بلدان البحوحة، التي أصابتها ولو بصورة أقل آثار من نشاطات جماعات التطرف والإرهاب من جهة، ومن تداعيات الصراعات المسلحة، التي اجتاحت بلداناً بينها سوريا والعراق واليمن وليبيا قبل أن تنضم لها السودان.

ولم تكن الوقائع السابقة بعيدة عن ملاحظة الحراك العربي وتدخلاته بصورة ما. فثمة انفتاح محدود على الحريات والحد من انتهاك الحقوق، ومحاولات لوقف الصراعات المسلحة والوصول إلى حلول سياسية، وجهد لعلاج المشاكل والتحديات عبر سياسات تنموية، واستجابات للحاجات الطارئة، ولعل التضامن العربي في مواجهة هجمة تصنيع وتصدير مخدر الكبتاغون السوري مثال حي على حراك عربي، لا يواجه المشكلة فقط، وإنما خلفياتها بطريقة غير مباشرة.

قد يقول البعض، إن الرؤية في الحراك العربي تفاؤلية، وإن الأوضاع تتجه إلى الأسوأ. وإذا كان يمكن رفض الشق الثاني، لأن الذهاب إلى الأسوأ، ليس قدراً مكتوباً، إنما يمكن تغييره إذا رغب العرب، وانخرطوا في عملية التغيير، فإن الشق الأول يحظى بالموافقة جزئياً، لأن الحراك ما زال في مساراته الأولى، ولا حق في تحميله أكثر مما يحتمل، خاصة وأن الخيارات صعبة، وستواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة، ولكن بالإرادة والعمل يمكن الوصول إلى الأهداف والغايات، فقد عانى العرب الكثير، وحان وقت الخروج من المعاناة.