أصدرت وزارة الثقافة والفنون الجزائرية قراراً بمنع بث وبرمجة ما وصفته بـ"الأغاني المبتذلة" في كل الفعاليات الثقافية (موقع الوزارة)
اكتسحت الأغاني المبتذلة المشهد الفني في الجزائر وسيطرت على عقول الشباب، وأصبحت لا تخلو من كلمات خادشة للحياء مبعثرة مجالس العائلات، مع تحول فن الغناء بمرور الوقت إلى آلة اقتصادية تدر مئات الملايين ومصدر دخل للآلاف.
ولم يعد ممكناً اليوم الاستمتاع بالفن والطرب النظيف في الجزائر بعد طغيان موسيقى وأغان كانت حبيسة الملاهي الليلية، واقتحامها كل الفضاءات الثقافية والرياضية، مما يثير استهجان الجزائريين الذين يرون فيها عامل تفريق لأفراد العائلة الواحدة وتحرم عليهم مجالسهم، ويعتبرونها مجالاً لنشر أغاني الكراهية والفساد والرذيلة.
ويعيب متابعون للشأن الفني في الجزائر على مديري الثقافة في بعض المحافظات سماحهم باستضافة مغني الملاهي في حفلات ومهرجانات رسمية تنظمها دور الثقافة بالتالي مساهمتهم في انتشار مثل هذه الأغاني الهابطة.
ومعروف في الجزائر رواج الأغاني الخاصة بمناصري فرق كرة القدم، بخاصة أن المشجعين الجزائريين معروفين بطريقة تشجيعهم المميزة، وبتأليفهم لأغان متعددة وجميلة، إلا أن النقطة السوداء هي الكلمات القبيحة والبذيئة التي يقحمها بعضهم في تلك الأغاني، حيث تحتوي على مقاطع كلامية مخلة. وما يثير الاستياء أكثر هو تفاعل الشباب مع هذه الأغاني وترديدهم إياها من دون خجل أو حياء، والافتخار بها أحياناً ونقلها من مدرجات الملعب إلى الشوارع العامة مع نهاية اللقاءات الكروية، وهو ما يثير حال استنفار قصوى لدى العامة.
خطوة رادعة
واستدراكاً للأمر أصدرت وزارة الثقافة والفنون الجزائرية قراراً بمنع بث وبرمجة ما وصفته بـ"الأغاني المبتذلة" في كل الفعاليات الثقافية، بسبب ما قالت إنها "تساهم في نشر الابتذال والانحراف وتشجع على العنف".
وجاء في بيان للوزارة أن هذا القرار اتخذ "بعد استفحال ظاهرة انتشار التجاوزات اللاأخلاقية في كلمات بعض الأغاني الجزائرية المسجلة والمذاعة بعشوائية، والمضللة لمختلف فئات المجتمع، لاسيما الشباب، من خلال نشر الابتذال والانحراف، وما إلى ذلك من آفات على غرار الأغاني التي تشجع على العنف والجريمة". وتابعت أنه "إضافة إلى التحريض على تعاطي المخدرات والتشجيع على الهجرة غير الشرعية التي أصبحت بوابة للموت، وكذلك الوقوف على عديد من الظواهر السلبية والمشينة ليس فقط للذوق الفني، بل أيضاً لما يرجى من الشباب الجزائري بغية رفع التحديات الكبرى في بلادنا".
وأوضحت الوزارة أن قرار منع الأغاني المبتذلة يتماشى مع "الضوابط القانونية التي تحرص على عدم السماح لكل ما يخالف قيم وثوابت المجتمع الجزائري، وتماشياً مع القانون الذي يعاقب على الاعتداء على الآداب العامة، وما يمس بالقيم والثوابت المعبرة عن الهوية والأصالة".
وأهابت وزارة الثقافة بكل المسؤولين في قطاع الثقافة والفنون "عدم برمجة وبث ونشر هذه الأغاني في الفعاليات الثقافية، قصد وقف هذا الانفلات والحد من انتشاره في أوساط الناشئة والشباب، حماية لهذه الشريحة أولاً، وحرصاً على الارتقاء بالذوق الفني من التشويه والتضليل، ودفعاً بشباب الجزائر نحو المواطنة الراشدة بما يخدم البلاد ويسهم في تنميتها وازدهارها".
وأكدت الوزارة أنها "لن تتهاون في سبيل ترسيخ منع بث الأغاني المبتذلة، وذلك باستعمال كل ما يخوله القانون في هذا الشأن على غرار سحب بطاقة الفنان من طرف المجلس الوطني للفنون والآداب، وتطبيق كل التدابير القانونية السارية المفعول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مسؤولية مشتركة
في السياق قال الإعلامي الجزائري المتابع للشأن الثقافي عبدالمالك بخليلي، "طفت إلى السطح وبشكل متسارع ومخيف خلال السنوات الأخيرة الماضية داخل المجتمع الجزائري موجة من الأغاني الهابطة والمبتذلة الخادشة للحياء".
وأرجع بخليلي سبب رواج هذا النوع من الأغاني إلى "تغير وضع الأغنية الجزائرية، إذ أصبحت تحمل صبغة تجارية في العموم، إضافة إلى تدني المستوى الأخلاقي في المجتمع، وانتشار الرذيلة ومختلف الآفات الاجتماعية والتشجيع عليها نتيجة غياب أجهزة الرقابة". وأضاف أن "رواج ما يسمى بالغناء الهابط هو مسؤولية مشتركة بين المنتج والمطرب والمؤلف في ظل غياب نقابة مهنية فعلية تحد بأدواتها القانونية من استفحال هذه الظاهرة. وما لم تتوفر الإرادة لدى الأطراف الثلاثة بإنتاج فن راق، فستعيش الأغنية الهابطة لسنوات عديدة أخرى".
وأشار بخليلي إلى أن "للعوامل الاجتماعية والسياسية دور أساسي في توجيه الإنتاج الثقافي والفني، فلو كانت الجزائر تضم هيئات تقييم الأغاني المذاعة في التلفزيون والإذاعة ووزارة الثقافة والديوان الوطني لحقوق المؤلف، لما وصل الأمر إلى هذا المستوى المتدني للأغنية الجزائرية".
وخلص إلى القول إن "المسؤولية هنا تقع على عاتق الجهات الوصية ممثلة بالديوان الوطني لحقوق المؤلف، حيث إنه يقوم بمراقبة دورية في نقاط بيع الأشرطة الموسيقية، وتشديد الرقابة عليها، قابلتها فوضى عارمة في الخارج، حيث تتم المتاجرة بكل أنواع الأغاني من دون حسيب أو رقيب"، لافتاً إلى أن "هذه الأغاني يتم تسجيلها مباشرة في الملاهي الليلية، وتنتج بشكل رسمي، مما يعكس غياب الدور الفعلي للديوان الوطني لحقوق المؤلف".
المراهقون فئة مستهدفة
من جهتها رأت أستاذة علم الاجتماع بجامعة البليدة أمينة حريش أن "الملاحظ في السنوات الأخيرة انتشار أغان لا تليق بقيم المجتمع الجزائري للأسف وتحمل ما يشجع على العنف والهجرة غير الشرعية وغيرها من الظواهر السلبية وهو ما يؤثر في تنشئة الشباب بخاصة من فئة المراهقين". وأوضحت حريش أن "من أهم أسباب انتشار هذا النوع من الأغاني هي مواقع التواصل الاجتماعي التي تسهل عملية نشر المعلومات والفيديوهات بالتالي تروج لأكبر عدد ممكن من هذه الأغاني حتى ولو كانت تسوق لمفاهيم خاطئة ومدمرة للفرد في حد ذاته والمجتمع بصفة عامة".
وأكدت أن "معظم هذه الأغاني الهابطة تستهدف فئة المراهقين لأن هذه الفترة العمرية حساسة وانتقالية، وفيها يكون المراهق ذا قابلية لاستهلاك كل ما يوجه إليه في خضم الصراعات الداخلية لديه ورغبته في إثبات الذات، بخاصة إذا لم يجد المرافقة الأسرية اللازمة والتواصل الفعال مع أفراد الأسرة".
وأشارت إلى أن "المراهقين أصبحوا يبحثون عن البديل عبر مواقع التواصل الاجتماعي في حال لم يجدوا من يحتويهم داخل الأسرة وعدم شعورهم بمكانتهم فيها. وهذه الأغاني الهابطة فيها من المفاهيم ما يحفز على ارتكاب الجريمة ويجعل المراهق يشعر بأن العنف هو الوسيلة المثالية لتحقيق أي هدف وهو ما لا يتوافق مع معايير المجتمع وقيمه".
وبخصوص الحلول للحد من هذه الظاهرة، أكدت حريش أنها كثيرة ومتنوعة "بدءاً بتفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني والإعلام، إذ يتوجب على الجميع المساهمة في تنشئة الجيل من خلال زرع القيم والمبادئ منذ الطفولة وتكوين حصانة للأبناء من هذه المفاهيم الخاطئة التي تحاول التسلل عبر الأغاني المبتذلة".
ودعت إلى "حسن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي بنشر كل ما هو إيجابي وإيجاد بدائل ونشر فيديوهات هادفة ومفيدة والمساهمة، كل بحسب تخصصه، في إيصال محتوى هادف للشباب لانتشاله من استهلاك الأغاني الهابطة"، مشيرة إلى أن "خطوة وزارة الثقافة ناجعة وفعالة جداً وتندرج ضمن الجانب الوقائي لردع عديد ممن يروجون للأغاني الهابطة والمبتذلة وتسميم عقول الشباب بهذه الكلمات البذيئة".