الأطباق التقليدية تعود إلى موائد الجزائريين

منذ 11 أشهر 105

مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك لم تجد العائلات الجزائرية وسيلة مواجهة تدهور القدرة الشرائية سوى العودة للأطباق التقليدية التي تدخل في تحضيرها مواد مجانية، وبقدر ما أسهمت الفكرة في إحياء التراث المطبخي فقد أنقذت الجزائريين من مخالب غلاء المعيشة.

انتعاش الأطباق التقليدية والشعبية

وفي الجزائر تتواصل أسعار المواد الغذائية في الارتفاع بصورة أثقلت كاهل أرباب العائلات مادياً وربات البيوت نفسياً، بعد أن أصبحن يفكرن في طريقة لتدبير شؤون المطبخ الذي مسه الفقر جراء غياب مستلزمات الأطباق الشهية الغالية، ولقد وجدن في العودة للأكلات التقليدية التي لا يتطلب تحضيرها مواد مرتفعة الثمن، وسيلة ذكية لتجاوز تدهور القدرة الشرائية.

وبعد أن كان انتعاش الأطباق التقليدية والشعبية مرتبطاً بالمناسبات الدينية مثل رأس السنة الهجرية والمولد وشهر رمضان وغيرها، أصبح الوضع يمتد على مدى الأشهر بسبب الارتفاعات المستمرة لمختلف المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع من الدقيق والبقوليات على اختلاف أنواعها، والخضراوات واللحوم والأسماك وغيرها من المستلزمات مثل الطماطم والقهوة، إذ عادت بعض الخضراوات والنباتات للظهور بقوة في الأسواق مع ارتفاع الإقبال عليها لأسعارها المنخفضة، وإن كانت بدأت في التصاعد على غير عادة، وهي التي تدخل في إعداد أطباق الجزائريين خلال أعوام الاستعمار وما بعد الاستقلال.

الفقيرة والغنية والصحية

الدوارة، العصيدة، قرنينة مفورة، السلق بالبيض، شكشوكة الخبز، الفليو بالبطاطا، الرشتة، التريدة، ليزابا، القرنطيطة، وغيرها من الأطباق الفقيرة من حيث المواد المكونة والغنية لجهة خلوها من المواد الاصطناعية والملونات والصحية لجهة طبيعتها، باتت لا تغيب عن موائد الجزائريين خلال الفترة الأخيرة.

والعصيدة أكلة يطهى فيها الدقيق ويضاف إليه زيت الزيتون أو السمن والسكر، وتطبخ في الأواني الطينية، أما الدوارة فهي أحشاء البقر أو الأغنام تقطع إلى أقسام صغيرة وتطبخ مع بعض التوابل والنباتات الطبيعية، في حين أن شكشوكة الخبز مؤلفة من بقايا الخبر اليابس المبلل بمرق أحمر يتم تحضيره من الطماطم والتوابل والحمص أو الفاصولياء، أما ليزابا فهي أحشاء الدجاج الذي يتم قليها او اعتمادها كطبق مرقي، بينما القرنطيطة فهي حمص مرحية ممزوجة بالبيض والملح والماء وتوضع في الفرن، والأمر يشمل باقي الأكلات التي كانت ترمز إلى الحاجة والعوز.

رئيس عمادة الأطباء الجزائريين محمد بركاني اعتبر أن الأكل التقليدي المحلي صحي لاعتماده على تنوع الخضراوات، واستعمال زيت الزيتون وهو أفضل أنواع الزيوت وأجودها، وهو من أسباب خلو المجتمعات التقليدية من الأمراض العصرية مثل السرطان والبدانة وأمراض القلب والسكري وضغط الدم والكولسترول وأمراض الكبد، داعياً المواطنين إلى العودة للأكل التقليدي الصحي وتناوله حتى داخل مراكز العمل نظراً لفوائده الكثيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ارتفاع الأسعار غيّر نمط المعيشة

في المقابل يرى أستاذ الاقتصاد جمال مناصري أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك غيّر نمط معيشة الجزائريين بصورة لافتة، بعد أن مس الغلاء كل القطاعات والمجالات والمستويات، وقال "كان الأمر يتعلق باللحوم الحمراء والكماليات لكن بات الوضع يتعلق بالبقوليات والدقيق والقهوة ومشتقات الحليب والخضراوات والفواكه"، مضيفاً أن الارتفاعات المستمرة للأسعار أضرّت كثيراً باستقرار العائلات بعد أن وجدت صعوبات في تسيير موازنة رواتب بقيت على حالها في حين تضاعفت الحاجات مادياً، مما جعلها تعود للأطباق التقليدية التي لا تتطلب كثيراً من المكونات.

ويتابع مناصري أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لضبط السوق ومتابعة الفرض القانوني لأسعار المواد الأساس ودعم المواد الاستهلاكية لم تأت بنتائج ملموسة ولم تحقق أهدافها، مما يوحي بأن المشكلة أكبر من قرارات تتخذ وراء المكاتب، موضحاً أن توسيع دائرة دعم المواد الاستهلاكية ومضاعفة المراقبة الميدانية على مدار العام من شأنهما تخفيف الضغط على المواطنين وإعادة الأمور لنصابها.

رفع الإنتاج المحلي

من جانبه أبرز أستاذ الاقتصاد علي حاجي أن مواجهة تدهور القدرة الشرائية لا تمر من خلال توسيع دائرة الدعم بل عبر توقيف الدعم وفق المنظور الحالي وتحويله إلى نقدي موجه مما يعيد الحقوق لأصحابها، لكن يجب ضبط قائمة المستهدفين من فئات المجتمع، ثم أن يكون المقابل المادي مقبولاً وليس شحيحاً للحفاظ على كرامة المواطنين، محذراً من أن المشكلة الأساس التي تعترض نجاح هذه الخطوة تتمثل في عدم وجود أدوات إحصائية للتعرف على الفقراء، إذ من الممكن أن يستمر الميسورون في الاستفادة من حقوق لا يستحقونها.

وواصل حاجي أنه مع بداية الألفية وارتفاع أسعار البترول اعتمدت الدولة الجزائرية خياراً اقتصادياً يعتمد على الإنفاق العمومي لتحريك عجلة التنمية، كما اعتمدت سياسات لدعم أسعار بعض المواد الاستهلاكية، إضافة إلى خفض نسب الضرائب وتعويضات في نسب الفوائد وتمويل مختلف البرامج السكنية، وغير ذلك من صيغ الدعم المباشر وغير المباشر.

لكن يبدو أن الأمور لا تسير وفق المرجو مع استمرار ارتفاع الأسعار وتوسع دائرة العائلات المتضررة من ذلك، وختم بأن رفع الإنتاج المحلي لمختلف المواد الغذائية والمراقبة الدائمة من المنبع إلى المستهلك من شأنهما تثبيت الأسعار ومنح الأسواق بعض الاستقرار.