الأشجار التي نجت من هيروشيما

منذ 1 سنة 187

«الجنكة»؛ هي شجرة موطنها الصين وتتميز بأوراق على شكل مروحة تتحول إلى ذهب نابض بالحياة في الخريف، وهي واحدة من أقدم الأشجار وأكثرها مرونة على وجه الأرض.

جدتي لا تتحدث عن القنبلة، وكلما سألتها عنها تدعي أنها لا تعرف ما حدث لعائلتها، وإن كنت أعتقد ببساطة أنها لا تريد التفكير في الأمر لا أكثر.

كانت في العشرين من عمرها وتعيش في هونولولو صبيحة 6 أغسطس (آب) 1945، عندما أسقطت الولايات المتحدة قنبلة نووية على هيروشيما. انفجرت مباشرة فوق الحي الذي تعيش فيه عائلتها - بما في ذلك جدتها وخالاتها وأعمامها وأبناء عمومتها. دمرت القنبلة المدينة وقتلت أكثر من 100 ألف شخص. قيل لها إن أحد أعمامها فقط نجا من القنبلة.

بحسب تقديرات العلماء، تراوحت درجة حرارة الأرض اثناء الانفجار ما بين 3000 و4000 درجة مئوية - وهي درجة حرارة كافية لتحويل جسم الإنسان إلى غبار أسود ناعم. ولذلك، عندما أفكر في ذلك اليوم، أتخيل عائلتنا تتجمع حول طاولة لتناول الإفطار وينتهي بها الأمر بالتناثر مع الريح.

لم أزُرْ هيروشيما مطلقاً، لكنني شعرت لفترة طويلة برغبة قوية في التواصل جسدياً مع هذا الجزء من تاريخ عائلتي. كنت أبحث عن أشياء نجت: إرث، رسالة، سوار، إلخ.

لكن الأمر غير المتوقع أن أكثر الأشياء التي قربتني من هيروشيما لم تكن جماداً على الإطلاق، بل أشياء حية تتنفس، الأشجار. أقصد أشجار الجنكة على وجه التحديد.

«الجنكة» نوع من الأشجار موطنه الصين يتميز بأوراق على شكل مروحة تتحول إلى ذهب نابض بالحياة في الخريف. وهي واحدة من أقدم الأشجار وأكثرها مرونة على وجه الأرض. نجت هذه الأشجار من الكويكب الذي قتل الديناصورات وكانت من الكائنات الحية التي نجت من القنبلة، وذلك بفضل جذورها العميقة الممتدة لقاع التربة، وهو ما وفر لها حماية من الاحتراق.

في اللغة اليابانية، يطلق على الناجين من القنبلة الذرية اسم «هيباكوشا»، والأشجار الناجية يطلق عليها اسم «هيباكوجوموكو». لا تزال بعض الأشجار الأصلية على قيد الحياة حتى اليوم، وشأن كثير من الناجين من البشر، فهي وأحفادها منتشرون في جميع أنحاء العالم.

كانت هيديكو تامورا سنايدر، وهي «هيباكوشا» (ناجية) من هيروشيما، تبلغ من العمر 10 سنوات عندما قتلت القنبلة والدتها وصديقتها المقربة وكثيراً من أقاربها. في عام 2003، انتقلت إلى ولاية أوريغون، وفي عام 2017 دخلت في شراكة مع «غرين ليجاسي هيروشيما» - وهي منظمة تهتم بشجرة هيباكوجوموكو - لجلب بذور أشجار الجنكة الباقية إلى الولايات المتحدة. زرعت سنايدر بذور 51 شجرة ووصفتها بأنها «أشجار سلام هيروشيما».

في مقابلة عام 2019 مع محطة «كلاماث فولز» على شبكة «إن بي سي»، قالت سنايدر: «لا يمكنني أن أزرع والدتي، ولا أن أزرع ابن عمي. لكنني أستطيع زراعة شجرة».

خلال الأشهر القليلة الماضية، كنت أزور أشجار السلام حول ولاية أوريغون وأرويها بالماء، وألتقط الصور، وأتلمس أوراقها، وأشكرها على وجودها هنا وأخبرها أنني هنا أيضاً.

كان انفجار القنبلة ساطعاً لدرجة أنه حول الأسطح الخرسانية في هيروشيما إلى ما يشبه الصور الفوتوغرافية السلبية.

فكرت في علاقة القنبلة بالضوء والظل والتصوير الفوتوغرافي ككل عندما صورت هذه الأشجار، وغالباً ما تتضمن ظلي داخل إطارات الصور.

يروي كل ظل قصة جسد: جسد يستريح، جسد يرقص، جسد يسقي النباتات المنزلية، جسد عصبي، جسد يتألم، جسد يعانق جسداً آخر، فصل دراسي للأجساد، سوق للأجساد التي تشتري الخضار والزيت وورق التواليت والأحذية، شارع مزدحم بالجثث في طريقها إلى المنزل، حي من الجثث التي تعيش بالقرب بعضها من بعض لدرجة أن الجميع يعرف بعضه جيداً.

كانت جدتي، البالغة من العمر 97 عاماً، تعتزم العودة إلى هيروشيما هذا الخريف، لكن يبدو الآن أنها قد لا تتمكن من ذلك. كنت أحب الذهاب إلى هناك معها، لكن إذا لم تستطع القيام بالرحلة، فسأذهب وحدي.

سأزور المكان الذي عاشت فيه عائلتنا ذات يوم، وسأزور «هيباكوجوموكو»، أمهات وجدات الشتلات التي عرفتها جيداً. سأتلمس أوراقها وأقول لها إننا نجونا وبقينا على قيد الحياة.

* خدمة «نيويورك تايمز»