ملخص
ينظر سكان الشرق الموريتاني إلى الأسواق الأسبوعية المتنقلة بين مدنهم وبلدياتهم كإرث اقتصادي واجتماعي يجب المحافظة عليه.
تنعش الأسواق الأسبوعية المتنقلة في أقصى الشرق الموريتاني الحياة الاقتصادية لآلاف الأسر التي تعتمد عليها في التزود بالمواد الغذائية بشكل أساس، مما يعرض في هذه الأسواق الشعبية الضاربة في تاريخ ثقافة سكان الأهالي في هذه المناطق النائية التي تبعد أزيد من 1000 كيلومتر من العاصمة نواكشوط.
قرن من البيع والشراء
ويعود تاريخ أقدم سوق شعبية في منطقة الحوض الشرقي بموريتانيا لعام 1902، وبحسب المهتم بتاريخ المنطقة السيد محمد فاضل الذي يدير منصة أخبار الحوض الشرقي، فإن مدينة ولاته التاريخية شهدت احتضان أول سوق أسبوعية متنقلة في موريتانيا مطلع القرن الـ20، لتنضم بعد ذلك مدن ومقرى أخرى في منطقة الحوض الشرقي إلى تنظيم هذه الأسواق، ومنها تمبدغة وباسكنو وعدل بكرو وآمرج.
ويقول عمدة السوق المتاخمة للحدود الموريتانية المالية محمد سيدي حنن "في كل سبت يتبضع سكان البلدية في سوقهم الأسبوعية، حيث ستضيف السوق البلدية المركزية في المدينة هذه التظاهرة الاقتصادية والثقافية التي ينتظرها بشغف سكان القرى المجاورة للمقاطعة".
ويضيف العمدة، "في كل أسبوع تنشط الحياة التجارية في هذه البلدية التي يوفر لها سوقها الأسبوعي مختلف أنواع المواد الغذائية، كما يُعطي اللقاء فرصاً اقتصادية حقيقية للتجار الذين يبرمون الصفقات على هامش السوق المفتوحة في المدينة".
وفي حيز من السوق يفسح المجال لتجار الصناعات التقليدية الذين يعرضون بضاعتهم في الهواء الطلق، وهي أنواع من الجلود والزرابي التي طرزتها أنامل سيدات يأملن بأن تجد بضاعتهم في سوق السبت بمدينة باسكنو فرصتها المنتظرة.
ويعلق محمد المختار، وهو تاجر في سوق المدينة، بأنه تزامن آخر يوم منظم في هذا السوق مع الاستعدادات لشهر رمضان المبارك، وشهد السبت الذي سبق بداية رمضان حركة تجارية فاجأت الجميع .
بضاعة من كل نوع
ويمنح الموقع الجغرافي لمدن الشرق الموريتاني ميزة تفضيلية، حيث يوفر له قربه من المعابر الحدودية على دولة مالي، ومن ثم على باقي دول أفريقيا جنوب الصحراء، فرصة التبادل التجاري مع هذه الدول التي يشتري معظم تجار مدنها من هذه الأسواق الأسبوعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينبه المدير الناشر لمنصة الشرق الموريتاني سيد محمد أحميدو إلى خصوصية تتمتع بها السوق الأسبوعية لمدينة عدل بكرو، وهي أن "الأسعار قد تكون أقل من أسعار العاصمة نواكشوط، والإقبال عليها مقبول مقارنة بأسعار المناطق الأخرى، فسوق المدينة هنا مفتوحة على دولة مالي مما يمنحها هذه الديناميكية".
وتُعرض في هذه الأسواق مختلف البضائع التجارية من مواد غذائية وفرش وحاجات منزلية.
وترى فاطمة عمر فال، وهي من سكان مدينة عدل بكرو، أن أهم ما يميز هذه الأسواق هو اختلاف أيام تنظيمها بحيث تمنح الفرصة لمن لم يستطع الحضور في أحد الأيام أن يحضر في يوم آخر ومن مدينة أخرى.
فرص اقتصادية واجتماعية
وينظر سكان الشرق الموريتاني إلى الأسواق الأسبوعية المتنقلة بين مدنهم وبلدياتهم كإرث اقتصادي واجتماعي يجب المحافظة عليه.
وعن هذه النقطة يرى المهتم بالتاريخ الشعبي لمنطقة الحوض الشرقي النعمة مختار أن "هذه الأسواق لها خصوصية في شرق موريتانيا، فهي لا تنظم بهذا الشكل في أي مكان في البلاد سوى هذه المنطقة".
ويضيف النعمة، "ارتبط في أذهان الجميع الذهاب إلى هذه الأسواق مع استحضار الجانب الاجتماعي الذي يربطنا من ناحية بدولة مالي، كما أن علاقاتنا الوطيدة مع المجتمعات والقبائل التي تسكن في الجوار تؤمن لها هذه الأسواق فرصة للتلاقي ولم الشمل وتعزيز العلاقات الاجتماعية الضاربة في العمق".
وقال الشاب الخضر، وهو أحد المشرفين على هذه الأسواق، "يعمل كثير من الشباب الموريتاني في هذه الأسواق، حيث ينشط في مجال السمسرة والبيع بالتجزئة، كما توفر له البضائع التي يستوردها من مالي هامشاً كبيراً من الربح".
وتُعطي هذه الأسواق لمجتمعات الرحل من سكان البادية فرصة لبيع مواشيهم وشراء حاجاتهم من بضاعة المدينة التي يصعب الحصول عليها في مجالهم الجغرافي الذي يتحركون فيه عادة.
ويقدر النعمة القيمة الأسبوعية لمجمل أيام الأسواق الشعبية المتنقلة شرق موريتانيا بنحو مليون دولار، إلا أن غياب أرقام رسمية حول الموضوع تجعل من الصعب التحقق من هذه التقديرات، غير أنه من الثابت أن هذه الأسواق تلعب دوراً تجارياً كبيراً في حياة سكان هذه المنطقة في موريتانيا.