تأتي اليابان وتايوان والسويد والنرويج في لائحة الدول الأكثر تقدماً في مستويات عدة، ومنها الأمن والطمأنينة والرفاهية، إلا أن شعوبهم تعاني في الوقت نفسه بمستويات أعلى من الشعوب الأخرى مرض الأرق وقلة النوم وعدم انتظامه، بحسب مراقبة كلمات البحث التي يستخدمونها على محركات شبكة الإنترنت، مثل "لا أستطيع النوم" أو "كيف أتمكن من النوم".
سنغافورة التي أثبت تقدمها وتطورها السريع توصف بأنها الدولة ذات التركيز الأعلى للتلوث الضوئي في العالم، وما لهذا النوع من التلوث من تأثيرات على نوم وأرق مواطنيها، ويجري النرويجيون أيضاً عدداً كبيراً جداً من عمليات البحث مقارنة بالدول الأخرى حول العالم، إذ يبحثون 18 مرة لكل 100 ألف شخص عما يفيدهم في مقاومة الأرق بحسب إحصاءات عامي 2021 و2022.
علاقة متبادلة
ويبحث النرويجيون عن كلمة "ميلاتونين"، أي الدواء الطبيعي لمكافحة الأرق والإسهام في تسريع النوم، 67 مرة أكثر من السويد التي تأتي في المرتبة الثانية، ويعاني 13 في المئة من البالغين في اليابان من صعوبة النوم ليلاً.
ووفقاً لجمعية القلق والاكتئاب الأميركية، فإن القلقين تواجههم مشكلات في النعاس، ويمكن أن يسبب الحرمان من النوم اضطرابات قلق للشخص، أي أن التأثير المتبادل معاكس بين القلق والتأرق.
أما في إحصاءات الولايات المتحدة الأميركية فيعاني ما بين 50 مليون و 70 مليون شخص من اضطرابات النوم المستمرة، ومقارنة بين النساء والرجال فإنهنّ أكثر عرضة بنسبة 40 في المئة للإصابة بالأرق من الرجال.
وبحسب الإحصاء نفسه فإن 80 في المئة من الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة يعانون كوابيس في غضون ثلاثة أشهر من التعرض للصدمة النفسية أو العاطفية، أو لحادثة ذات تأثير في مجرى حياتهم.
وفي الدراسات التي أجراها طبيب تدريب النوم بجامعة "ستانفورد" ترونج مازو فإن الأشخاص الذين يشاهدون التلفزيون قبل نومهم يحصلون على راحة أقل من سبع ساعات، وترتفع نسبة المصابين بالأرق لدى البالغين الذين يمضون وقتهم أمام شاشات الكمبيوتر والتلفون لما يزيد على ثلاث ساعات قبل النوم.
وعادة ما يكون الأرق المزمن نتيجة القلق من أحداث الحياة والمواجهات اليومية التي يعيشها الشخص محاولاً تفادي التوتر أو العوز والفاقة، في شأن العمل أو الدراسة أو الصحة، وكذلك المال أو العائلة أو الوفاة، أو حتى مرض أحد الأحباء أو الطلاق أو فقدان الوظيفة، وفي بعض الأحيان تستمر المشكلة لأعوام تحت تأثير الضغط النفسي.
والأرق لا يكون مصدره القلق دائماً بل أنماط معينة من الحياة، فمثلاً تبديل إيقاع الساعة البيولوجية الداخلية بسبب تغير مكان النوم والاستيقاظ المتكرر وتبدل حرارة الجسم والشعور بالجوع، والرحلات الجوية الطويلة عبر مناطق زمنية عدة، أو العمل في وقت متأخر ليلاً أو في وقت باكر جداً تؤدي جميعها إلى الأرق بطيعة الحال، ولا علاقة للقلق بأي أرق ناشئ في هذه الحالات.
وتضاف إلى هذه الأمثلة أسباب أخرى أقل تأثيراً مثل مواعيد النوم غير المنتظمة، وتوقيت القيلولة خلال النهار ومدتها والبيئة غير المريحة في مكان النوم، مثل استخدام السرير كمكان للعمل وتناول الطعام ومشاهدة التلفزيون، وبات معروفاً منذ أعوام تأثير استخدام أجهزة الكمبيوتر أو أجهزة التلفزيون أو ألعاب الفيديو أو الهواتف الذكية أو الشاشات الأخرى قبل النوم مباشرة، إذ تتداخل الأحلام بمشاهد تلقاها الدماغ من الشاشة.
ومما توصلت إليه الدراسات الحديثة فإن اضطرابات الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة تلعب الدور الأكبر في انتشار مرض الأرق حول العالم، وتؤدي مشكلات انقطاع النفس أثناء النوم بشكل متكرر طوال الليل إلى حدوث أرق، ويموت عدد كبير من الناس سنوياً بسبب انقطاع التنفس واختناقهم أثناء النوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهناك متلازمة تململ الساقين المؤرقة، وهي التي تدفع إلى الشعور برغبة لا تقاوم في تحريك الساقين، وهذه الأمراض النفسية والجسدية تؤدي إلى الإصابة بمرض العصر الذي ينتقل بين الناس في عتمة الليل ليعكر عليهم صفو نومهم، وكلما طال مكوثه أدى إلى تدهور صحة المصاب الجسدية والنفسية معاً.
أدوية أكثر
يستخدم كبار السن الأدوية الموصوفة أكثر من الشباب، مما يزيد فرصة حدوث الأرق المتعلق بالأدوية، وحين تسير الأمور بشكل طبيعي فإن كل شخص تقريباً يعاني ليلة واحدة في الأقل بلا نوم، فيما يعد النعاس أمراً مهماً للصحة الجسدية والنفسية، تماماً كأهمية النظام الغذائي الصحي وممارسة النشاط البدني بانتظام.
ويصبح الأرق وقلة النوم عاملين ذا خطورة عندما يبدأ الأداء الضعيف في العمل أو الدراسة، أو تباطؤ رد الفعل أثناء القيادة وزيادة خطر التعرض إلى الحوادث، أو في ارتفاع منسوب اضطرابات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب أو اضطرابات القلق أو تعاطي المواد المخدرة، وهذه الإشارات تؤدي بدورها إلى زيادة خطر التعرض للإصابة بأمراض طويلة الأمد، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
وتشير الأبحاث إلى أن الأرق لدى كثير من الناس ينتج من أنواع معينة من الإثارة الفسيولوجية في أوقات غير محددة، مما يعطل أنماط النوم الطبيعية، ويمكن أن تشمل أمثلة هذه الإثارة ارتفاع معدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم وزيادة مستويات هرمونات معينة مثل الـ "كورتيزول"، بحسب دراسات الأكاديمية الأميركية لطب النوم (AASM).
وترى الأكاديمية أن علاج الأرق يعتمد على المدة التي يعانيها الشخص من مشكلات في النوم، فلا يحتاج الأشخاص المصابون به على المدى القصير إلى أي علاج على الإطلاق، أو يكون الاستخدام الموقت لوصفة طبية للمساعدة في النوم خياراً إذا كان أرقهم يسبب مستويات عالية من القلق أو الضيق، وربما يهتم بعض الأشخاص باستكشاف خيارات أخرى مثل الـ "ميلاتونين" أو المكملات الغذائية أو اليوغا أو التنويم المغناطيسي أو العلاج بالأعشاب العطرية.
مرض معاصر
ليس هناك شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت العالم الذي نعيش فيه، وسواء كان ذلك للعثور على المعلومات أو الدردشة أو مشاركة الصور فإن غالبية الناس يتحققون منها مرة واحدة في الأقل يومياً.
ويمكن للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وقت النوم أن يقلل من جودة النعاس ويزيد من أخطاره ومشكلاته، لأن الاستخدام الليلي للإلكترونيات يمكن أن يؤثر في النوم من خلال التأثيرات المحفزة للضوء من الشاشات الرقمية، مما يجعلنا نشطين في وقت الإغفاء، بينما يجب علينا أن نهدأ ونسترخي.
وتأثيرات التعرض للضوء الأزرق أسوأ للذين يستيقظون للتحقق من هواتفهم بعد النوم، إذ يقول ما يقارب 21 في المئة من البالغين في الدول التي أجريت فيها الإحصاءات أنهم يستيقظون للتحقق من هواتفهم أثناء الليل.
ووجد استطلاع للرأي لموظفي المستشفيات وطلاب الجامعات أن 70 في المئة منهم استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي بعد النوم، وفق ما نشره موقع "ميديكال نيوز".
أحد أسباب الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم هو الخوف من الضياع، والذي يشار إليه عادة باسم FOMO، أي الشعور برغبة كبيرة في البقاء على اتصال بما يفعله الآخرون في كل الأوقات من دون تنظيم لها، ولو كانت تتعلق بصحة النوم بحسب موقع "ساينس دايركت".
وما يسهم في انتشار ظاهرة الـ "فومو" أن نحو 95 في المئة من المراهقين في الولايات المتحدة واليابان وتايوان والدول الاسكندنافية لديهم إمكان الوصول إلى هاتف ذكي، وأن حوالى 45 في المئة يتصلون بشبكة الإنترنت "باستمرار تقريباً"، كما وجد هذا البحث أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه المراهقون أمام الشاشة لتفحص وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الويب ومشاهدة التلفزيون والألعاب، زادت المتاعب التي يواجهونها في النوم لتؤدي إلى زيادة أعراض الأرق والاكتئاب.