الأردن.. أزمة وفيات الحجّاج تتواصل والأهالي يطالبون بمعرفة مصير "المفقودين"

منذ 5 أشهر 117

عمّان، الأردن (CNN)-- لليوم السادس على التوالي، تصدرت قضية الحجاج الأردنيين بين وفيات ومفقودين اهتمامات الرأي العام الأردني ومواقع التواصل الاجتماعي، وسط تضارب المعلومات والأرقام بشأن الأعداد النهائية لهم. وتسلّمت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين إدارة "الأزمة" والبيانات الرسمية، إذ أعلنت مساء الخميس عن تسجيل 68 وفاة حتى الآن تم إصدار تصاريح دفن لهم، والعثور على 91 حاجا من بين 107 بُلّغ عن فقدانهم.

ونشر أردنيون عشرات الصور والبيانات عبر عدة صفحات تواصل اجتماعي أُنشئت خصيصا "للحجاج المفقودين"، واحتدم الجدل في الأيام السابقة حول تركيز التصريحات الرسمية على وصف هؤلاء الحجاج "بغير النظاميين".

من جهتها، قالت وزارة الخارجية في بيانها الأحدث الذي تلقت CNN بالعربية نسخة منه، إن الأعداد المحدثّة أعدتها مديرية العمليات في وزارة الخارجية بالتنسيق القنصلية العامة الأردنية في جدة ومع الجهات السعودية، حيث يرقد 22 حاجا على أسرّة الشفاء من بينهم 7 حالات حرجة يجري التنسيق لنقلهم إلى الأردن فور تحسن حالتهم الصحية، فيما بدأت إجراءات دفن المتوفين.

وبحسب الخارجية، قال الناطق باسمها سفيان القضاة، إن البحث ما زال جاريا عن 17 حاجا مفقودا، مثمنا في الوقت ذاته جهد السلطات السعودية المختصة في البحث عن المفقودين وتقديم العلاج للمرضى.

في الأثناء، نقلت الإذاعة الأردنية، الخميس، عن وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية محمد الخلايلة قوله إن الوفيات للحجاج غير النظاميين، ليست معروفة لدى الوزارة لأنهم غير مسجلين في البعثة، وأضاف: "بعد النفرة من عرفات تلقينا بلاغات عن عدة وفيات، بعد أن سجّلت أولى الوفيات لامرأة على عرفات وتابعنا حالتها حتى الدفن"، وأشار إلى أن الوزارة لا تملك قائمة مسبقة بأسماء ولا أعداد هؤلاء الحجاج.

وردا على الانتقادات التي وجهت للخلايلة حول تمسك الحكومة بتسمية الحجاج "بغير النظاميين"، قال: "إننا نسمي الأشياء بمسمياتها"، مضيفا أن ذلك لا يعني أنهم ليسوا أردنيين أو لن تكون هناك متابعة لأوضاعهم.

كما أكد الخلايلة، أن تشخيص الطب الشرعي للوفيات هو "الإجهاد الحراري"، مبينا أن هؤلاء الحجاج تركز تواجدهم في منطقة المزدلفة، التي تبعد عن مشعر عرفات نحو 20 كيلومترا، وأن السير على الأقدام لهذه المسافة في درجات حرارة وصلت إلى نحو 51 درجة مئوية لا يمكن تحمله.

وترصد وزارة الخارجية بالتنسيق مع الأوقاف تطورات الملف، من خلال مكتب متابعة خصص في مدينة مكة لقضايا الحجاج سواء من الوفيات أو المفقودين، وبدأت مطالبات أهالي حجّاج في الأردن لم يتم العثور عليهم للآن، بمعرفة مصيرهم ومحاسبة المسؤولين عما اعتبروه "تقصيرا" في الرقابة على سلامة "مواطنين أردنيين".

وفي السياق ذاته، تحدث موقع CNN بالعربية إلى بعض عائلات حجاج أردنيين من غير حملة "تصاريح الحج"، كما تم رصد عشرات الصفحات التي تدعو إلى التعرف على المفقودين مع إشارات عدة حول عدم امتلاك عدد منهم وثائق ثبوتية.

ويطالب أهالي ونشطاء الحكومة الأردنية بفتح تحقيق موسع في القضية، وإعادة النظر في أسس اختيار الحجيج التي تعتمد على العمر سنويا للحج العادي، وفق حصة محددة بلغت هذا الموسم نحو 8 آلاف في البعثة الرسمية.

وحمّل البعض مسؤولية ما جرى، لشركات الحج والعمرة التي أطلقت مئات الحملات بتأشيرات زيارة متعددة المرات، مع إبرام تعهدات بتوفير كل خدمات الحجيج مقابل مبالغ مالية مختلفة، وقال مصدر مسؤول أردني في وقت سابق إن "تحريّات بدأت" حول كيفية خروج هؤلاء الحجاج عبر هذه الشركات.

وقال الشاب الأردني سلطان علي 34 عاما، إنه كان واحدا من بين نحو 400 أردني ممن تعاقدوا مع إحدى شركات الحج والعمرة في محافظة مادبا مع والدته الستينية، أملا في تأدية فريضة الحج عبر استخدام تأشيرة زيارة وعقد مبرم مع الشركة.

وأضاف أن الشركة تعهدت لهم بـالدخول إلى مدينة مكة المكرمة قبل الإغلاقات بـ25 يوما من يوم الوقوف بعرفات، و"تأمين المواصلات إلى مكة ذهابا وإيابا" عدا عن تأمين التفويج الكامل للحملة إلى جبل عرفات ومن ثم إلى المزدلفة والجمرات والإقامة في فندق بمنطقة "العزيزية".

ومنعت السلطات السعودية الدخول إلى مناطق الشعائر المقدسة ومدينة مكة المكرمة كاملة، لحاملي تأشيرات الزيارة بكل أشكالها قبل نحو 23 يوما من بدء مناسك الحج.

وبحسب صيغة العقد الذي حصلت CNN بالعربية على نسخة منه، فهو لم يشتمل على أي أحكام قانونية ولا شروطا ملزمة للشركة، بل اشتمل على توقيع وختم لشركة باسم آخر دون إدراج أي معلومات لرحلة الحج لطرفي التعاقد، رغم إدراج 18 بندا بشأن مسير رحلة الحج.

ويقول علي في حديثه: "توجهنا للشركة قبل أشهر من موعد الحج، لنسأل عن إمكانية التسجيل للحج بشكل نظامي وإصدار تأشيرة حج، لكن الشركة قدمت لنا عرضا مفصلا للانضمام إلى رحلة حج مبكّرة قبل شهر من بدء المناسك بأداء العمرة، ومن ثم أداء الحج داخل الأراضي السعودية مع التأكيد على توفير كل الضمانات وخدمات الحجيج من سكن وإقامة وتنقلات، وتوفير مرشد وطباخين للرحلة وسوار إلكتروني مقابل دفع مبلغ نحو 1200 دولار عن الشخص".

ويشير علي الذي زودنا بجميع المراسلات والوثائق لرحلته مع الشركة في حديثه، إلى أن الاتفاق كان مع الشركة على الدخول للأراضي السعودية، قبل الإغلاقات بـ25 يوما، وتم تسيير الحملة في 12 مايو/أيار بنحو 420 فردا وزعوا على عدة حافلات صغيرة، وتم التسجيل عبر منصة "نسك" لأداء العمرة لإظهار سلامة إجراءات الرحلة.

ويضيف علي: "وافقنا على الاتفاق بموجب تجارب سابقة لحجاج سابقين، وبالفعل وصلنا إلى مكة ونزلنا في عمارة بمنطقة العزيزية وأدينا العمرة بالرغم من مخالفة بنود الاتفاق في الفندق الذي اتضح أنه عمارة سكنية وتأمين المرشد والمشرفين على الطبخ". وأوضح أن حقيقة تفاصيل الرحلة وخدماتها، بدأت تتكشف بعد الأسبوع الأول، عندما بدأت "الحملات الأمنية" من السلطات السعودية للتفتيش على غير حاملي "تصاريح الحج".

وأعلنت المملكة العربية السعودية هذا الموسم تطبيق إجراءات مشددة على الحج "دون تصريح"، مع فرض عقوبات تشتمل على غرامة مالية بمقدار 10 آلاف ريال سعودي لكل من يتواجد من الزوار أو الوافدين في أي منطقة من مناطق الشعائر المقدسة من غير حملة التصريح.

وتابع علي حديثه عن تطورّات رحلته: "بعد مرور نحو 10 أيام بدأت تنشط حملات التفتيش في المنطقة، وأبلغنا عدم الخروج من السكن حتى اقتراب موعد الحج تجنبا للعقوبات. ومكثنا لمدة دون خروج في ظروف صعبة لنحو أسبوعين ودون تحريك ساكن من الشركة، بل دعتنا الشركة للتحمل في سبيل أداء الفريضة. وفي 22 مايو/أيار تم تفتيش السكن وطلب إخلائه على الفور دون اصطحاب أي مقتنيات حتى الوثائق وتم نقلنا إلى جدة".

وبحسب شهادة الأردني علي، فقد واجه الأردنيون في حملته أوقاتا صعبة من "المصير المجهول"، في حين لم تتجاوب الشركة الأردنية معهم لمساعدتهم، ودعتهم إلى العودة إلى مكة بعد أن تهدأ حملات التفتيش.

وعن هذه المرحلة قال علي: "اضطررنا للعودة إلى العزيزية لأخذ أمتعتنا ووثائقنا التي تركناها في السكن، وفاوضنا أحد السائقين لنقلنا بمبلغ 400 ريال عبر طرق وعرة بالتهريب والبعض لم يتمكن من العودة".

وفي 29 مايو/أيار نفذت السلطات السعودية بحسب الشاب الأردني، حملة ثانية على السكن والمواقع المجاورة، حيث تجمّع من بقي فيه للإبلاغ عن المسؤول عن الشركة، وسارع البعض بمحاولة العودة الفورية إلى الأردن رغم اقتراب موعد الحج.

ويشير علي هنا، إلى أن هذه اللحظة الفارقة التي قرر بها مع مجموعة من الأردنيين الاتفاق مع أحد السائقين، إيصالهم إلى ما يعرف بشارع الحج، ليستقلوا من هناك إحدى حافلات السفريات العائدة إلى الأردن ومغادرة الأراضي السعودية دون إتمام الحج، ليتحقق لهم ذلك بتاريخ 11 يونيو/حزيران الماضي الذي وافق الخامس من ذي الحجة، أي قبل بدء مناسك الحج بثلاثة أيام.

من جهته، قال الأردني "محمود" ابن أحد الحجاج المتوفين طالبا عدم الكشف عن اسمه الكامل، إن والده 57 عاما توفي خلال الوقوف بعرفات، بعد أن عانى من حالة إعياء شديدة ولم تقدم له الرعاية لتصنيفه كحاج بدون تصريح، بحسبه.

وتحدث الابن بحسرة على ما جرى مع والده لموقع CNN بالعربية، قائلا: "خرج والدي قبل 25 يوما من موعد الحج مع حملة إحدى الشركات وكانت أموره على ما يرام إلى أن فقدنا الاتصال به يوم السبت مع يوم الصعود إلى عرفات، ولم نبلغ بوفاته سوى يوم الثلاثاء أي بعد 4 أيام. خلال تلك الأيام حاولنا الاتصال مرارا بوزارة الأوقاف الأردنية وبالوزير شخصيا دون جدوى".

وأضاف: "أنا شخصيا أحمّل الأوقاف الأردنية المسؤولية كاملة، أنا مواطن أردني والوزير مسؤول مكلف بخدمة أي مواطن... حتى لو كان حاجا غير نظامي، هناك مشكلة وقعت. قُبضت روح والدي ملبيا ومكبّرا".

وحاولت CNN بالعربية الحصول على تعليق من مسؤولين في وزارة الاتصال الحكومي والأوقاف الأردنية حول آخر التحريات بشأن شركات الحج والعمرة وتطورّات القضية، دون رد بعد.

أما الأردني محمد الخوالدة، فقد أشار إلى أن الحديث الأهم اليوم يتعلق بمصير "الحجاج المفقودين والمتوفين ممن فقدوا وثائقهم"، مبينا في حديث لموقع CNNبالعربية إلى أن ابن عمته قد توفي بعد نحو ساعتين من الصعود إلى عرفات، وكانت برفقته زوجته وبعض أبنائه وتم نقله على الفور إلى أحد المستشفيات في منطقة عرفات، إلا أن العائلة حتى يوم أمس الأربعاء لم تبلّغ بدفنه".