الأبيض والأسود لا يلتقيان في زواج الأمازيغ

منذ 1 سنة 167

لا تزال بعض الأعراف المجتمعية تفرض نفسها في عدد من المناطق بالمغرب، والتي تحصر زواج الأمازيغ ذوي البشرة البيضاء في ما بينهم، وكذلك الأمازيغ من أصحاب البشرة السمراء، وعدم تبادل المصاهرة بينهما.

ويعزو نشطاء أمازيغ استمرار هذه الأعراف القبلية التي تصل إلى حد حظر مصاهرة قبيلة أمازيغية مع قبيلة أمازيغية أخرى إلى الموروث التاريخي لمنطقة الجنوب الشرقي في المغرب، خصوصاً ما يتعلق بماضي الرق والعبودية الذي أفرز هذه السلوكات التي توصف بالعنصرية.

يقر محند العطاوي أحد أبناء "آيت عطا"، التي تعد اتحادية لقبائل أمازيغية في الجنوب الشرقي للمغرب، بأن هناك بالفعل عادات وأعرافاً اجتماعية قبلية تحظر منذ أمد بعيد وإلى اليوم الزواج "مختلط اللون"، أي زواج رجل ذي بشرة سمراء من امرأة بيضاء، والعكس أيضاً لدى أمازيغ هذه القبائل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستطرد محند أنه من النادر جداً أن يشاهد زوجان أمازيغيان من مناطق الجنوب الشرقي للمغرب، والتي تضم زاكورة والرشيدية وفجيج وورززات وغيرها، أحدهما أسمر اللون والثاني أبيض البشرة، وإذا حصل ووقع ذلك فإن الزواج لا يسلم من المنغصات والتشبيهات.

ويكمل حديثه بالإشارة إلى أن هناك أمازيغ في الجنوب الشرقي ما زالوا يوصمون بكونهم عبيداً أو "إسمخان" أو "كناويين" أو "حرناطيين"، بالنظر إلى لون البشرة السوداء أو أقل سواداً وتميل إلى السمرة، وهي نعوت تقوم على اللون وتمنع إبرام عقود الزواج مع أمازيغ بيض اللون.

انحسار المصاهرة

من جهته يرى الناشط المغربي المنحدر من أمازيغ الجنوب الشرقي، عسو حنصال، أن انحسار المصاهرة وعدم ربط علاقات الزواج بين أصحاب البشرتين البيضاء والسمراء في مناطق أمازيغية "ظاهرة لا تتعلق باللون كما قد يبدو للبعض، أو بالعنصرية القائمة على البشرة، بل هي عادات قبلية تاريخية ظلت مستمرة بسبب سطوة هذه الأعراف على قبائل أمازيغية".

ووفق المتحدث ذاته، فإن "هذا الواقع المتمثل في تحريم المصاهرة بين الطرفين حاولت الأجيال الناشئة تكسير طوقه الاجتماعي، فعمد شباب من بشرة سمراء إلى الزواج من أمازيغيات من بشرة بيضاء، لكنها تظل زيجات قليلة تحاول الحد من هذه الأعراف التي باتت غير مقبولة في مجتمع القرن الحادي والعشرين".

خلفيات قبلية

المتخصص في الشأن الأمازيغي لحسن أمقران، يعلق بدوره على هذه الزيجات "الممنوعة" بقوله إنها "سلوكات تنهل من الموروث التاريخي لمنطقة الجنوب الشرقي للمغرب، بكل ما يحمله من تناقضات وشوائب واختلالات متراكمة يصعب إخضاعها لميزان العقل".

وأوضح أمقران أن "هذه العادات والأعراف تنتعش أكثر لدى الفروع الصنهاجية بخاصة في سفوح الأطلس الكبير الشرقي، حيث توجد حدود عديدة تجعل الزواج من خارج العشيرة المتمركزة يدخل ضمن دائرة الممنوع والشذوذ الاجتماعي والقبائلي".

ولفت إلى أن "الزواج المختلط المحظور لا يهم فقط مختلفي لون البشرة، بل يتعداه إلى تمركز غير مفهوم على العشيرة الصغرى داخل القبيلة نفسها، فهناك فروع لا يمكن أن يجمعها الزواج ولو كانت تنتمي إلى القبيلة نفسها، وهو ما ينتشر في اتحادية آيت عطا أو اتحادية آيت يافلمان".

7RF6L3MTKNWA4TBUSCG2HVMWEU.jpg

واسترسل "يتراوح التفسير بين الصراعات القديمة أحياناً، والائتلافات التي كانت توقع بحرمة الدم، عطفاً على سلطة الأعراف"، مشيراً إلى أن اللون ليس هو المانع الوحيد، فبعض القبائل تقبل بالزواج من الكناويين (العبيد أو إسمخان)، لكن لا تقبل الزواج بقبائل من بشرة أقل سمرة بل وحتى من بيض البشرة أنفسهم.

وخلص أمقران إلى أنه يجب ألا يفهم من هذه المواقف "الانغلاقية" كونها عنصرية بقدر ما هي استمرار لسلوكات ذات خلفية قبلية متحجرة ومتجذرة تتجاوز لون البشرة وخصوصية اللسان وغيرهما، مكملاً بأنها "مواقف يفترض ألا تعطى أكثر من وزنها في عالم مقبل منخرط في تيار العولمة الجارف".

تدخل الدولة

إذا كان أمقران يرى أن هذه السلوكات لا يتعين رؤيتها من زاوية العنصرية، فإن المفكر والكاتب الأمازيغي أحمد عصيد يعتبرها "عادات سلبية نشأت عن بعض ترسبات الماضي البعيد، وبقيت كامنة بين تلافيف العقل الجمعي، تؤطر العلاقات الاجتماعية في بعض المناطق الأمازيغية، على رغم أن الدولة لها منطق مغاير تماماً سواء في ترسانتها القانونية أو في ثوابتها ومبادئها، والتي منها الخيار الديمقراطي والمساواة على أساس حقوق المواطنة كما ينص عليها الدستور".

ويرى عصيد هذه السلوكات "عنصرية أصلها ماضي الرق والعبودية الذي كان يعتبر نظاماً شرعياً في الإسلام، إلى أن تجاوزته المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وأبطلته بشكل نهائي، غير أن إبطال نظام الرق لم يرافقه إبطال القيم والأفكار التي ترسخت في عقلية الناس عن الإنسان ذي البشرة السمراء".

وعدد العوامل التي أسهمت في تكريس هذه الثقافة العنصرية، منها غياب حملات وطنية لتوعية الناس ضد عنصرية اللون، حيث سكتت الدولة عن ممارسات بقيت متداولة في المجتمع، وغضت الطرف عن الكلام العنصري الذي ظل متداولاً في منطوق الناس ولغتهم وحتى في أهازيجهم وأغانيهم.

ومن العوامل الأخرى - وفقاً لعصيد - عدم تحمل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية نصيبها من المسؤولية في محاربة تقاليد التمييز بسبب اللون، وتأطير المجتمع في قيم المساواة، بغض النظر عن المعتقد واللون والجنس والعرق والنسب العائلي.

وزاد عاملاً آخر يتمثل في عدم استحضار قيم المساواة وعدم التمييز، في الكتب والمقررات الدراسية منذ سنوات التعليم الأولى، وعدم استحضار الشخصيات من ذوي البشرة السمراء في الصور والحوامل البيداغوجية والبرامج المتلفزة، علاوة على المناصب السامية في المغرب وغيرها.

أما العامل الأخير، يورد عصيد، فهو نشر ثقافة تراثية تحفل بعنصرية اللون وتقديمها على أنها أدب وشعر من دون التفات إلى خطورتها على وعي الناس، خصوصاً أطفال المدارس، ومثال ذلك قصيدة المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي وتحقير لونه، والتي كانت مدرجة في المقررات الدراسية المغربية.