اكتشاف آثار لوجود بشري قبل 450 ألف عام داخل كهف إيراني

منذ 5 أشهر 88

ملخص

من كان يستخدم هذا الموقع؟ هل هي مجموعات من إنسان "نياندرتال" مثل جيرانها الذين كانوا يعيشون على بعد بضع مئات من الكيلومترات إلى الغرب؟ أم هي مجموعات من إنسان "دينيسوفان" من آسيا؟ أو ربما حتى أنواع أقدم عاصرت إنسان "توتافيل" من جبال البيرينيه الأوروبية؟

عثر في كهف داخل الهضبة الإيرانية الوسطى على آثار للوجود البشري يعود لما بين 452 ألف و165 ألف عام، بينها أدوات حجرية منحوتة وعظام خيول وأسنان لبنية، وهي الأقدم على الإطلاق مما عثر عليه في هذه المنطقة الشاسعة الواقعة على مفترق طرق بين المشرق العربي وآسيا.

وأوضحت دراسة نشرتها في نهاية مايو (أيار) الجاري مجلة "جورنال أوف باليوليثيك أركيولودجي" أن هذا الاكتشاف يعني أن أول دليل مؤرخ على استيطان المنطقة بات أقدم بـ 300 ألف عام مما كان يعتقد سابقاً.

وأوضح الباحث التابع لـ"المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية" في متحف الإنسان جيل بيريون الذي شارك في إعداد الدراسة لوكالة الصحافة الفرنسية، أن المواد الأثرية القديمة إلى هذا الحد نادرة في هذه المنطقة.

وكان علماء ما قبل التاريخ يعرفون أن الهضبة الإيرانية الوسطى كانت مأهولة بالسكان منذ مئات آلاف الأعوام، نظراً إلى تعدد المواقع في المناطق المحيطة بها، وهي المشرق العربي والقوقاز في الغرب وآسيا الوسطى في الشرق، حيث عاش بشر من أنواع عدة من جنس الإنسان، مثل الإنسان المنتصب والبدائي وإنسان الـ "دينيسوفان" والإنسان العاقل، وكذلك شكل دليلاً على الوجود البشري مجموعة اكتشافات لأحجار منحوتة في إيران، بعضها على سطح الأرض وبعضها الآخر أظهرته حفريات نادرة في أماكن محددة.

لكن أية حفرية لم تكن قد أتاحت بعد تحديد تسلسل زمني بهذه الدقة وبهذا النطاق الواسع، وقال العالم الفرنسي إن المعلومات المتوافرة كانت تشوبها ثغرات عدة في ما يتعلق "بالفترات القديمة من عصور ما قبل التاريخ".

وفي عام 2018 أعاد فريق المشروع الأنثروبولوجي الفرنسي الإيراني، بقيادة جيل بيريون وحامد وحدتي نسب، من جامعة "تربت مدرس" في طهران، درس كهف قلعه رد شمال إيران والواقع عند الحد الغربي للهضبة الإيرانية الوسطى التي تشرف عليها جبال زاغروس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقع الكهف على ارتفاع 2137 متراً، وشهد عمليات تنقيب غير قانونية قبل عقود، عثر بنتيجتها على أدوات حجرية منحوتة كانت موجودة على السطح قرب مدخل الكهف.

أما الحفريات الجديدة التي وصلت إلى عمق مترين ونصف المتر على مساحة لا تتعدى 11 متراً مربعاً، فأسفرت عن العثور على "عشرات آلاف القطع الأثرية"، على قول جيل بيريون.

ومن بين هذه القطع عدد كبير من عظام الخيول والحمير البرية تحمل آثار استخدامها للنحر، وأدوات حجرية مقطعة تستخدم في إعداد الأطعمة.

وشكلت هذه الاكتشافات مادة غنية جداً يمكن تحديد موقعها زمنياً لأنها ظلت في مكانها على طبقات عدة، يعود أعمقها لـ 452 ألف عام وآخرها لـ 165 ألف عام.

وتوجت هذه الاكتشافات بالعثور على أسنان لبنية بشرية يستحيل تحديد تاريخها بشكل مباشر، لكنها موجودة في طبقة يراوح عمرها بين ما قبل 165 ألف عام و175 ألفاً، وهي تالياً أقدم أسنان معروفة على الإطلاق في منطقة لم يكن فيها حتى الآن أي أثر بشري مؤرخ بشكل واضح يعود لأكثر من 80 ألف عام، وفق ما أوضح متحف الإنسان في بيان.

وأظهرت الأسنان اللبنية آثار خراج وتسوس وارتشاف لجذرها بالكامل تقريباً، ويحتمل تالياً أن تكون قد سقطت بشكل طبيعي في المكان الذي كانت المجموعة تستوطنه.

وقال الباحث إنه "يمكننا أن نتخيل مجموعات بشرية كانت تستخدم الكهف لتعيش وتأكل فيه من دون أن تشغله بشكل مستمر"، فعلى ارتفاع أكثر من 2000 متر فوق مستوى سطح البحر، في هذه الحقبة الجيولوجية من العصر الجليدي الأوسط التي تميزت بفترات جليدية، لم يكن الوصول إلى الموقع متاحاً على مدار العام طبعاً، لكن من كان يستخدم هذا الموقع؟ هل هي مجموعات من إنسان ’نياندرتال‘ مثل جيرانها الذين كانوا يعيشون على بعد بضع مئات من الكيلومترات إلى الغرب؟ أم هي مجموعات من إنسان الـ ’دينيسوفان‘ من آسيا؟ أو ربما حتى أنواع أقدم عاصرت إنسان ’توتافيل‘ من جبال البيرينيه الأوروبية، وهو من عمر أقدم طبقة في كهف قلعة كرد الإيراني؟".

ونظراً إلى قلة الرفات البشري في الموقع فلا يمكن تحديد النوع أو الأنواع التي كانت تعيش فيه، وشرح جيل بيريون، "نجد أنفسنا في مروحة زمنية تغطي 300 ألف عام من تاريخ التطور البشري، وفي فترة من التنوع الثقافي الكبير فربما كانت كل هذه الأنواع موجودة خلالها، وكان بعضها يحل مكان بعض، وربما تعايش بعضها"، ومنها الإنسان العاقل من الجنس البشري، مشيراً إلى أن "أعمال التنقيب مستمرة في موقع قلعة كرد"، آملاً في أن تشمل "مواقع أخرى من هذه الفترات في هذه المنطقة الشاسعة، بغية تكوين فكرة أفضل عن مدى تعقيد الاستيطان البشري".