أعراض نفسية وبيولوجية فرضت نفسها على المودعين لطقوس رمضانية تدور في فلك السهر والمزاج لتصطدم بواقع جديد في شوال يرتبط بأعباء وظيفية ومالية واجتماعية حجب الصيام مساحة واسعة منها ليتزايد الحديث عن فترة اكتئاب جديدة.
تعليقات هنا وهناك تشير إلى طول شوال وبطء ساعاته، على رغم أنه كأي شهر من شهور السنة العربية لا تتجاوز أيامه 29 أو 30 يوماً، ما دفع أطباء نفسيين لتسميته "اكتئاب شوال"، قبل أن ترد وزارة الصحة السعودية بالرفض القاطع للمسمى.
على رغم رفض الصحة السعودية لربط الاكتئاب باسم شوال لكنها لم تنف مرور البعض بحالة من تقلب المزاج التي تعود في الأساس إلى اضطراب الساعة البيولوجية وتبدل ساعات النوم في هذا التوقيت من السنة، لأنه يتبع شهر رمضان ومناسبات العيد والاحتفالات.
تشاؤم الجاهلية
قبل الإسلام، وفي جاهلية العرب كانوا يتشاءمون من شوال حتى أبطلوا الزواج فيه معتقدين أنه فأل شؤم قد يفسد الزيجة.
وعن سبب تسميته بشهر شوال، يقول الأكاديمي السعودي علي العمري إن الأقاويل تعددت لكن أبرز الروايات ترتبط بتشويل ألبان الإبل، أي نقصانها وجفافها... والتسمية تدل على الجفاف والجدب، لذلك كان العرب في جاهليتهم يتشاءمون منه حتى أبطلوا فيه الزواجات.
ولكن الإسلام يصحح عقائد الناس المنحرفة، ويهدم الاعتقادات الباطلة، وفقاً للعمري، الذي دلل على كلامه بقوله "تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- السيدة عائشة في شوال، وبهذا أبطل هذه العادة التشاؤمية السيئة".
ويستطرد العمري أن "شوال هو الشهر العاشر في التقويم الهجري، وهنا لا شيء مثير للغرابة... ولكن اللافت للانتباه حديث الناس وتناقلهم للرسائل عن طوله، فتلتقي مَن يقول: عيّدنا، واحتفلنا، وبدأ الدوام، وحصل كذا، وصار كذا وشهر شوال لم ينته!".
وقال العمري "الحالة الذهنية والنفسية للشخص لا أقل ولا أكثر... فالناس عاشوا رمضان وفيه السهر والمواصلة، وبعده يبدأون في صراع مرير مع ساعاتهم البيولوجية لتعديل نومهم، ولا شك أن تنظيم النوم أصعب من تنظيم كأس العالم".
ومضى في حديثه "أيضاً الناس ينفقون رواتبهم في مصاريف رمضان والعيد مما يجعل كل أسرة تنتظر الراتب على أحر من الجمر، لذلك وكطبيعة بشرية انتظار شيء بشدة يولّد إيحاءات بطول الوقت".
نفسية شوال
من جانبه، ذكر الباحث المتخصص في المجال النفسي محمد الغوينم، أن هناك اضطراباً شائعاً يسمى "الاضطراب العاطفي الموسمي" وهو نوع من حالات الاكتئاب التي تحدث بسبب التغيرات الموسمية، ويبدأ وينتهي في الأوقات نفسها تقريباً كل عام.
وتساءل "هل هو ما يتحدث عنه الناس وألبسوه عباءة (اكتئاب شوال)؟... لا نستطيع الإثبات أو النفي لتشابه الأعراض من جهة ولعدم وجود دراسات مختصة عن هذا الشهر الهجري القمري والذي يتنقل عبر السنوات بين الفصول الأربعة".
ومضى في سرده "في الحقيقة الاضطرابات العاطفية الموسمية مرتبطة بدرجة الحرارة وأشعة الشمس وانعكاس ذلك على أمزجتنا والناتج من التغييرات الهرمونية بدواخلنا... الاكتئاب المزعوم إن ثبت فهو بسبب عدة عوامل ذات تأثير هرموني صاخب يؤدي لتلك الظاهرة".
وتابع "تتصدر القائمة حالات الفقد وتذكر من اعتاد الفرد قضاء العيد معهم ممن غادروا الحياة ليدخل في حالة حداد تختلف بحسب الأفراد وقد تمتد لأيام أو طوال الشهر... أسباب أخرى كاضطراب الساعة البيولوجية وتبدل ساعات النوم والعودة للعمل والميزانية المنهكة جراء شراء مستلزمات العيد".
شهر شوال دايم طويل
عيدنا وسافرنا وبدت الدوامات وتونا ١٧
ويقول "في شهر رمضان يبدأ سباق ماراثوني في شتى مجالات الحياة وتزدحم الساعات الأربع وعشرين في اليوم بقائمة مهام كلها من نوع (هام ولا يمكن تأجيله)، وتساعد بدورها على تدفق هرمون الإندروفين في الجسم ليشعر بالسعادة والاسترخاء ثم الاجتماع إلى مائدة الإفطار مع العائلة واعتياد ذلك التنوع الكبير في الأطعمة الدسمة والحلوة بعد جوع وصبر".
وبحسب الباحث الغوينم فإن كل ما سبق يتسبب في تفجر هرمون السيروتونين الذي يلعب دوراً محورياً في تحسين مزاج الإنسان وتحفيز الرغبة الجنسية، ولهذا يفسر الانجذاب بين الزوجين خلال شهر رمضان، ثم يبدأ القصف البرامجي عبر شاشة التلفاز من كوميديا وحوار ووعظ، ومسلسلات تاريخية ودراما عربية وخليجية ومباريات كرة القدم وما تتركه هي التالية من آثار على الدماغ وتحفيز هرمونات السعادة بأنواعها".
ثم تأتي "الصدمة عندما يتوقف كل ذلك وبشكل مفاجئ ليلة الإعلان عن انتهاء شهر رمضان، فيمر اليوم الأول المرهق بـ(سهر جماعي) ممهداً الطريق لحالة اكتئاب جماعية حينما يعود كل شيء إلى طبيعته... توقفت معظم الطقوس الدينية والاجتماعية لتحدث ذلك الفراغ الذي يترك الفرد في مواجهة مع نفسه طالما هرب منها بالاختباء وسط ذلك الزحام".
وأضاف "هنا تتوقف جرعات الدوبامين والسيروتونين والإندروفين وعادت لمستوياتها السابقة... عادت الكبسة والسلطة من دون لقيمات غنية بالدهن والسكر كانت بمثابة حبات مضادة للاكتئاب في مفعولها، تقلص حجم السفرة ومرتادوها وخُفضت الأصوات حولها، فالأفراد الأكثر توازناً من الناحية النفسية ستمر بهم أزمة طفيفة لا تذكر، بينما أولئك الواقفون على حافة الجرف فسيبدأون في التساقط في اكتئابنا الجديد أو ما يطلقون عليه (اكتئاب شوال)".
"يبدو لي هذا الاكتئاب أقرب إلى الواقع من المبالغة في وصفه عند أولئك الذين لديهم استعداد مسبق للإصابة بالاضطراب أكثر من غيرهم وفراغ في الداخل وفقدان للمعنى الوجودي في الحياة".
واقترح الباحث المتخصص في المجال النفسي ببعض الطرق للتخفيف من الآثار الانسحابية لطقوس رمضان وأجواؤه الاجتماعية الفريدة والإيمانية كمتابعة الصيام في شوال... على سبيل المثال وجعلها متفرقة... ملء الفراغ الحادث بإدخال ممارسات سلوكية تتناسب مع طبيعة الشهر الجديد والاندماج فيها كممارسة الرياضة والتأمل، ولا ننسى الأطعمة التي تؤدي نفس الدور كالشوكولاتة الداكنة.
قانون النسبية
واقع اكتئابي جديد سحب معه تفكير المتخصصين الفلكيين ومنهم خالد الزعاق الذي ربط بين ما يشعر به الآخرون على مدار أيام السنة وقانون "النسبية" الخاص بالعالم أينشتاين، مبيناً أن الطول والقصر الذي يشعر به الإنسان يرجع إلى نفسيته، ويختلف من شخص إلى آخر.
وقال "كان العالم أينشتاين قد تلقى سؤالاً عن ذلك... فأجاب بطرح سؤال (هل ليلة جميلة مرت بها أحداث سعيدة بالنسبة لك مثل ليلة خلافها؟. ثم طرح الزعاق مثالاً آخر بالاستعانة بقول أحد الشعراء (مرت سنيـن بالوصـال وبالهنـا... فكأنها من قصرها أيـام... ثم انثنـــت أيـام هجـــر بعـدها... فكأنها من طولها أعوام)، ليدلل بها على نسبية الزمن بحسب نفسية الإنسان وقتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع المتخصص الفلكي "مرور الوقت مرتبط بالإحساس النفسي، فالإنسان الحزين يمر عليه الوقت ببطء قاتل بينما السعيد يمر عليه الوقت مثل البرق".
ولفت إلى أن "رمضان نفسه واقع بين أطول وأقصر شهور السنة، ففي شعبان يمر علينا الوقت بسرعة، ولهذا العامة يسمونه بالقصير بينما في شوال يتباطأ الوقت لأننا نودع شيئاً ثميناً عندنا ألا وهو شهر الصوم".
إعادة ضبط النوم
يشير موقع "سليب هيلب سوليشن" الطبي إلى أن عملية تعديل مواعيد النوم وتعديلها إلى مواعيد أكبر تنجح بشكل تدريجي إذا التزم الشخص بخطة، والتي قد تصل من 10 أيام إلى أسبوعين، وبمجرد تحقيق موعد النوم المستهدف، من المهم الالتزام بوقت النوم والاستيقاظ بالأوقات نفسها لتجنب العودة إلى الصفر.
وذكر استشاري طب النوم بجامعة الملك سعود الدكتور أحمد سالم باهمام أن كثيراً من الناس يعانون في شوال من اضطرابات الليل، وهي بالتحديد عدم القدرة على النوم ليلاً، وصعوبة الاستيقاظ صباحاً.
وأوضح أنه كما هو معلوم ومثبت في الأبحاث المحلية فإن المجتمع السعودي وبخاصة فئة الشباب يتغير نظام نومهم خلال شهر رمضان بشكل كبير، حيث يتأخر وقت النوم إلى الساعات الأولى من الفجر ويتأجل الاستيقاظ إلى ساعة متأخرة من نهار اليوم التالي.
وهذه العادة الخاطئة – بحسب باهمام – تسهم فيها عدة عوامل منها المسليات، والتي تزداد بالليل حتى ساعة متأخرة مثل القنوات الفضائية، وتنظيم المسابقات الليلية، وزيادة نشاط الأسواق بالليل، وعشق الناس للسهر مع الأصدقاء حتى ساعة متأخرة، وتزداد هذه الممارسة الخاطئة خلال الثلث الأخير من الشهر الكريم، وخلال إجازة عيد الفطر المبارك، مما ينتج منه تغير في ساعات معينة (عادة الليل) إلى الاستيقاظ والنشاط في ساعات أخرى (النهار في الغالب) فيصبح نهارهم ليلاً، وليلهم نهاراً.
وأضاف "في نهاية الإجازة يفاجأ هؤلاء بأن عليهم النوم في ساعة مبكرة والاستيقاظ في ساعة مبكرة من النهار للذهاب إلى العمل، للارتباط بقضاء بعض الأعمال أو الالتزامات الاجتماعية، وهم بذلك يحاولون أن يستيقظوا في الوقت الذي تطلب فيه أجسامهم النوم".
وعن أعراض الأيام الأولى لما بعد رمضان، قال "مع بدء الدوام قد تظهر قلة النشاط خلال النهار وآلام في الجسم والصداع وتعكر المزاج ونقص في الشهية وآلام في المعدة وحموضة واضطراب الجهاز الهضمي"، مشيراً إلى أنه وللأسف لا توجد أي استراتيجية أو أسلوب علاجي يمكنه التخلص من هذه المشكلة بصورة فاعلة خلال يوم واحد، ولكن لا بد من محاولة الاستعداد للنظام الجديد في النوم والاستيقاظ عدة أيام قبل بدء الدوام.
وقدم استشاري طب النوم بعض النصائح السلوكية التي قد تساعد على سرعة التأقلم وهي تجنب الوجبات الثقيلة والدسمة في الأيام الأولى، والتعرض لإضاءة قوية عند الاستيقاظ لمدة ساعة على الأقل لأن الضوء هو العامل الأساسي في تحديد الساعة البيولوجية، إذ يقوم بخفض مستوى هرمون النوم (الميلاتونين) في الدم خلال النهار، والامتناع عن العمل على الجوالات، والأجهزة اللوحية والكمبيوتر قبل النوم بساعتين على الأقل.
كانت وزارة الصحة السعودية قد ذكرت في تصريحات نُشرت عبر حساب "عش بصحة"، أنه لا وجود "لاكتئاب خاص بشهر شوال"؛ موضحة أن هناك أسباباً عدة لتقلب المزاج في ذلك التوقيت من السنة، أولها النوم غير المنتظم، وسوء التغذية فالأشخاص الذين ينامون أقل من 5 ساعات تسيطر عليهم المشاعر السلبية، فيما يؤدي تفويت وجبة واحدة إلى انخفاض نسبة السكر مما يقود إلى الضعف والتعب.