♦ الملخص:
شاب اقترح خاله على أمه أن تسافر إلى إيطاليا حيث يقيم؛ بحثًا عن عمل، لكن ذلك الشاب قلِق على أمه من ناحية الدين، سيما أنها ستسكن مع أسرة إيطالية، ويسأل: هل يقبل بذلك؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ من العمر 34 سنة، متزوج وأعيش مع أمي وزوجة أبي وإخوتي، منهم المتزوج، ومنهم غير ذلك، ومنهم من هو في الديار الأوروبية، ومع ظروف كورونا اقترح خالي أن يبعث لأمي عقدَ عمل إلى دولة أوروبية (إيطاليا) حتى تتحسن وضعيتها، ويتاح لها الفرصة أن تجتمع مع أختي في فرنسا، وهذه أمنيتها، وقد شُغِلتُ بهذا الأمر من ناحية دينية، كيف ستكون حال أمي هناك؟ حتى ولو كانت مع خالي، فلا آمن عليها دينيًّا، خاصة أنه قال لي: إنها قد تقطن مع أسرة إيطالية، تتكون من رجل كبير في السن، وزوجته، وستساعدهم، حتى تتحسن وضعيتها من ناحية الأوراق، فأصبحتُ في حيرة من أمري، حتى تبادر لذهني قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، فأرشدني المولى عز وجل إلى مجموعتكم النقية التقية، فأتمنى أن ألقى منكم جوابًا كافيًا شافيًا لِما أنا فيه من الالتباس، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك هو:
١- وضعكم المادي غير جيد.
٢- اقترح خالك أن تذهب أمك عنده في دولة أوروبية ليبحث لها عن عمل.
٣- وأخبرها أنها في البداية قد تعيش عند أسرة لتخدمهم ريثما تنتهي أوراق إقامتها وعملها.
٤- وأنت غير آمن على أمك من الناحية الدينية أثناء عيشتها بهذه الدولة وعند أسرة كافرة.
٥- وأمك ترغب في الذهاب لهذه الدولة ولتلتقي بأختك المتغربة هناك.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: لا شك أن عيش المسلم بين المسلمين أفضل بكثير من معيشته بين كفار قد لا يستطيع عندهم إظهار جميع شعائره التعبدية، وقد لا تستطيع المرأة الالتزام الكامل بالستر والحجاب.
ثانيًا: الرزق ليس مقصورًا على الدول الغنية ماديًّا، بل يوجد في غيرها، ورزق قليل مع المحافظة على الشعائر، وتحقيق الأوامر الشرعية أفضل بكثير من رزق كثير قد يحصل بسببه تجاوزات شرعية، وارتكاب بعض التفريط والمنكرات.
ثالثًا: الله سبحانه وعد وعدًا جازمًا بأيسر الرزق لمن اتقاه في طلبه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
رابعًا: الرزق مكتوب قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ولن يجلبه حرصُ حريص، مهما بذل من الأسباب؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
خامسًا: تخوفاتك على أمك لها نصيب من الصحة، خاصة إذا تأملنا في أحوال بعض من ذهبوا لتلك الدول، وتغيرت قناعاتهم الدينية، وتساهلوا بكثير من الواجبات الشرعية.
سادسًا: المجتمع في تلك الدول مادي بحت؛ كما قال سبحانه عنهم: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]، ويقدسون المادة كثيرًا بشكل يؤثر تدريجيًّا على من يمكث عندهم طويلًا، بحيث يصبح همه الأكبر الدنيا، وينسى الآخرة أو يغفل عنها كثيرًا، ومن ثَمَّ يقع التفريط في الواجبات وارتكاب المنهيات الشرعية.
سابعًا: أغلى شيء على المسلم دينه؛ ولذا فعليه أن يكون حازمًا مع نفسه في اجتناب كل ما قد يوقعه في الفتن، ومن ذلك الإقامة الطويلة بين أظْهُرِ المشركين.
ثامنًا: ناصِحْ أمك بودٍّ وحكمة، مبينًا لها فوائد إقامتها بين المسلمين، وسلبيات إقامتها بين غيرهم.
تاسعًا: لا تنسَ أهم شيء وهو الدعاء للوالدة بأن يصرفها الله عما قد يوقعها في الفتن، وأن يحبب لها الإيمان والإقامة في ديار الإسلام.
عاشرًا: عليكم الاجتهاد قدر ما تستطيعون في تيسير أمور الرزق للوالدة ومساعدتها، حتى تستغني ولا يبقى في قلبها رغبة في الذهاب لتلك الدول.
حفظكم الله، ووقى والدتك عن الفتن.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.