استمرار المعارك في السودان و أكثر من نصف السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية

منذ 1 سنة 183

قدّرت الأمم المتحدة الأربعاء بنحو 25 مليون شخص عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية في السودان وبحوالى 3,03 مليارات دولار حجم المساعدات الطارئة الضرورية للبلاد والفارين من الحرب إلى البلدان المجاورة والذين يتوقع أن يتجاوز عددهم المليون هذا العام.

تواصلت المعارك في السودان، بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (احميدتي)، وفي الخرطوم يتردد صوت إطلاق النيران، وتتصاعد سحب الدخان الناجمة عن الانفجارات كثيفة. وقد خلفت المعارك إلى حد الآن حوالي ألف قتيل معظمهم في الخرطوم ومحيطها وفي ولاية غرب دارفور، بحسب مصادر طبية، وأُصيب أكثر من خمسة آلاف شخص بجروح فيما لا يزال الملايين عالقين في منازلهم وعاجزين عن الوصول إلى الخدمات الأساسية والرعاية الصحية، وحوالي مليون شخص شردوا.

في هذه الأثناء تتفاقم الاحتياجات الإنسانية، منذ اندلع النزاع الدامي في 15 نيسان/أبريل، بحسب الأمم المتحدة التي راجعت خطتها من أجل الاستجابة للأزمة.

وقال مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف راميش راجاسينغهام للصحافيين: "يحتاج اليوم 25 مليون شخص - أي أكثر من نصف سكان السودان - لمساعدات إنسانية وللحماية"، موضحًا أن هذا العدد "هو أكبر عدد" محتاجين لمساعدات إنسانية تسجّله الوكالة الأممية في هذا البلد على الإطلاق.

وأفادت الأمم المتحدة بأنها تتوقع أن تحتاج إلى 2,56 مليار دولار لتقديم مساعدات داخل الأراضي السودانية، في مقابل 1,75 مليار دولار وفق تقديرات نهاية العام الماضي. وستسمح هذه الأموال لهيئات الإغاثة بالوصول إلى 18 مليون شخص، يعدّون الأكثر عرضة للخطر داخل البلاد، بحسب راجاسينغهام.

عاصمة مقفرة

الأربعاء بدت أحياء الخرطوم مقفرة وقد تصاعدت أعمدة الدخان من جراء المعارك. ونشرت الوكالة السودانية الرسمية للمرة الأولى لقطات تظهر الجنرال البرهان محاطا بجنود لدى تفقّده مبنى متفحما تابعا للقيادة العامة للجيش في الخرطوم.

ونبّه المسؤول الأممي أيضًا إلى "تقارير مقلقة حول ازدياد العنف الجنسي"، محذرًا من أن "الأطفال ضعفاء بشكل خاص في هذه الفوضى التي تتكشّف". وعمّق القتال الأزمة الإنسانية في السودان حيث كان شخص من كل ثلاثة يعتمد على المساعدات الإنسانية حتى قبل اندلاع الحرب.

1,1 مليون فارّ

وعبّر راجاسينغهام عن أسفه لتعرّض العاملين الإنسانيين لعدة هجمات، منهم من قتل، فيما نُهبت مكاتب ومخزونات. وأعرب عن أمله بأن يلتزم الطرفان المتحاربان قواعد إنسانية توصلا إليها الأسبوع الماضي، بشأن إجلاء المدنيين من مناطق القتال وتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات الإنسانية.

ولفت راجاسينغهام إلى أن المقاتلين انسحبوا من بعض المرافق الصحية، التي كانت محتلة في السابق، مشيرًا إلى زيادة في تسليم المساعدات، لكنه شدّد رغم ذلك على "الحاجة إلى المزيد"، وتابع قوله: "الأزمة في السودان بدأت تتحول بسرعة إلى أزمة إقليمية".

وأشارت الوكالة الأممية في الوقت ذاته إلى حاجتها إلى مبلغ 470,4 مليون دولار إضافية لمساعدة الأشخاص الذين فروا من البلاد، مضيفة بأنها تستعد حاليا لتأمين احتياجات ما يصل إلى 1,1 مليون شخص يتوقع أن يفرّوا من السودان خلال العام الحالي وحده.

قبل أسبوعين فقط، ذكرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أنها ستحتاج إلى 445 مليون دولار، حتى تشرين الأول/أكتوبر لسد احتياجات ما يصل إلى 860 ألف شخص قد يفرّون من البلاد.

وقال مساعد المفوض السامي لشؤون العمليات رؤوف مازو لصحافيين: "حتى الآن، أدت الأزمة التي بدأت قبل شهر فحسب إلى تدفق هائل إلى بلدان مجاورة لنحو 220 ألف لاجئ وعائد يبحثون عن السلامة، في تشاد وجنوب السودان ومصر وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا"، إضافة إلى ذلك، نزح أكثر من 700 ألف شخص داخل السودان نتيجة القتال.

تتوقع الأمم المتحدة أن يكون من بين أكثر من مليون شخص يتوقع فرارهم من السودان، نحو 640 ألف سوداني و204 آلاف شخص كانوا لاجئين في السودان، وقد يعودون إلى وطنهم ربما جنوب السودان بشكل أساسي. وكان نحو 1,1 مليون لاجئ يعيشون في السودان قبل بدء النزاع.

جهود دبلوماسية

في جدة بالسعودية، لا يزال الطرفان السودانيان يجريان محادثات حول وقف إطلاق نار "إنساني"، للسماح للمدنيين بالخروج وإتاحة المجال لدخول المساعدات.

وشدّد المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق إفريقيا مايكل دانفورد على "ضرورة تمكين العاملين في المجال الإنساني من الوصول، وإعطائهم الموارد والضمانات الأمنية، لتقديم الدعم الفعال لأولئك الذين يعتمدون عليهم".

أيضًا في المدينة السعودية التي تستضيف الجمعة قمّة عربية، تطرّق وزيرا الخارجية المصري سامح شكري والسعودي فيصل بن فرحان مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط إلى مسألة النزاع في السودان.

عبّر ثلاثتهم عن تأييدهم لوقف لإطلاق النار، لكن دون اقتراح أي خطوط عريضة له، فيما الدول العربية منقسمة بعمق بشأن السودان، إذ أن دقلو حليف كبير للإمارات في حين تلقي مصر بثقلها خلف البرهان، فيما تسعى السعودية إلى التوسط في مفاوضات بين الجنرالين.

وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود أن "مسلّحين دخلوا الثلاثاء مستودعها في الخرطوم ونهبوا" على الأقل "سيارتين مليئتين بالمواد الغذائية". ودعا رئيس كينيا وليام روتو الأربعاء الجنرالَين إلى "وقف هذه العبثية".

تتزايد الجهود الدبلوماسية في جميع الاتجاهات - وهي متوازية بشكل واضح - في ظل عدم نجاح أحد حتى الآن في إجبار الجنرالَين على وقف القتال، وسط مخاوف في الدول المجاورة للسودان من انتقال عدوى النزاع.

لكن معهد "ريفت فالي" للأبحاث حذر في تقرير من "صعوبة تصوّر كيفية إرغام (الجنرالَين) على وقف العنف" رغم انطلاق المحادثات في جدّة. وأكّد المعهد أن "كلَيهما ينظر إلى وجود الآخر كتهديد".

ويمكن للرجلَين المتحاربَين التعويل على ضغائن قديمة للتعبئة من حولهما، بحسب محللين. فخلف صراعهما الدامي أيضًا منافسة بين سكان يحتكرون تاريخيًا السلطة والموارد، ومكونات أخرى مهمّشة في فسيفساء عرقية في السودان، وأضاف معهد "ريفت فالي" للأبحاث القول: "إذا استمر النزاع، ستزداد فرص تورّط أطراف خارجية".