استراتيجية إدارة التراث

منذ 1 سنة 293

في الماضي القريب كان الأثريون والمعنيون بحفظ التراث الأثري يتحدثون فقط عن الوسائل المثلى للحفاظ على الآثار، وذلك في أي من البلدان الغنية بالآثار. وكانت تلك الوسائل والسبل لحفظ الآثار والتراث الأثري تتلخص في الكشف عن الآثار، ثم نقل الآثار غير الثابتة إلى المتاحف. ومع تطور علم الآثار واستفادته من علوم أخرى، لا سيما علوم الإدارة، أصبحنا نسمع مصطلحات مثل «إدارة الآثار»، وبدأت الدول تتبنى رؤى واستراتيجيات خاصة بها للنهوض بتراثها الأثري، ومنها المملكة العربية السعودية التي كانت سباقة في القيام بنقلة نوعية للنهوض بتراثها الأثري عن طريق هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة.
تحدثنا بشيء من التفصيل في مقالات سابقة عن استراتيجية المملكة العربية السعودية لإدارة التراث الأثري.
وقد لخصت الاستراتيجية رؤية الهيئة في «الاحتفاء بتراثنا كثروة ثقافية وطنية وعالمية»، ورسالة تتضمن «حماية وإدارة وتمكين الابتكار والتطوير المستدام لمكونات التراث الثقافي».
كما حددت الاستراتيجية 8 ركائز تعمل عليها الهيئة؛ من أهمها: «حماية الثروة الثقافية والمواقع التراثية وإدارتها بعناية»، وبنت الاستراتيجية على ما أبرزته وثيقة «رؤية المملكة 2030» من مضامين مهمة متعلقة بالتراث، واعتبار الإرث الثقافي أحد المقومات الأساسية وعناصر القوة التي تتميز بها المملكة.
الاستكشاف والإدارة والتسويق هي المراحل الثلاث التي تمثل منهجية عمل الهيئة في إدارة قطاع التراث، أو ما سمتها الاستراتيجية «سلسلة القيمة»، وعليه فإن أعمال الهيئة تبدأ بالاستكشاف والبحث في أصول التراث من أعمال المسح والتنقيب، ثم تأتي مرحلة إدارة ما تم استكشافه من خلال توثيقه والنشر عنه، وتأهيله وتنميته، وأخيراً تسويق المنتج.
وتشمل كل مرحلة من هذه المراحل أعمالاً ومهام محددة وأكثر تفصيلاً أوردتها الاستراتيجية، مثل التعريف، والتوثيق، والحماية، والترويج، والتوعية، والتفاعل.
وتمثل الاستراتيجية نبراساً يحدد مسارات عمل الهيئة بما يسهل وينظم عملها، ويساعد في تقييم أدائها، وقد حددت الاستراتيجية مهام العمل الرئيسة للهيئة، من أبرزها: المسوحات والتنقيب والدراسات الأثرية، والحماية وإعادة التأهيل، بما في ذلك ترميم وإعادة تأهيل مباني التراث العمراني، والاستثمار وتشغيل مواقع التراث الوطني، وتسجيل وإدارة مواقع تراثية في قائمة «اليونيسكو» للتراث العالمي، وتطوير الشراكات مع مختلف الجهات من القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات والجمعيات الأهلية لتشجيعها على إنتاج وتطوير المحتوى في قطاع التراث، ورفع مستوى الاهتمام والوعي بالتراث الوطني وحمايته من الاندثار، وإقامة المؤتمرات والمعارض والفعاليات والدورات التدريبية الداعمة لذلك.
لقد شهدت المملكة نهضة كبيرة في إدارة تراثها وحمايته، والتي ظهرت في صورة أعمال تطوير المناطق والمواقع الأثرية ورفع كفاءتها لتكون آمنة لاستقبال الزائرين، فأصبح هناك عشرات المواقع التراثية التي تضاف إلى خريطة السياحة بالمملكة التي استطاعت في فترة بسيطة تسجيل العديد من آثارها ومواقعها الأثرية ضمن قائمة منظمة «اليونيسكو» للتراث الإنساني العالمي.