ارتكبت معصية في خلوة، فما النصيحة، وهل لي توبة ؟

منذ 1 سنة 335

ارتكبت معصية في خلوة، فما النصيحة، وهل لي توبة ؟


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/2/2023 ميلادي - 2/8/1444 هجري

الزيارات: 35



السؤال:

الملخص:

شاب كان يمارس العادة السرية، فاختُرِق هاتفه في أثناء ممارستها، وهو يخشى الفضيحة، ويسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

السلام عليكم.

شخص ضعُف بعد مقاومة، وعصى ربه في خلوته، وكنتيجة أيضًا لِما يعانيه من قلقٍ واضطرابات نفسية، وجاء ذلك تزامنًا مع اختراق هاتفه؛ يعني من الممكن أن يكون قد تمَّ تصوير أو تسجيل المخترِق للشخص دون علمه؛ لأن الهاتف كان موجودًا معه في أثناء فعل المعصية، فهل اختراق الهاتف إرادة من الله لفضح ذلك الشخص بسبب معصيته؟ هل الله يفضح عبده إذا ارتكب معصية في الخلوة، أو أن الله يستر عبده؟ وإن فضحه الله، فكيف سيتعايش مع هذه الفضيحة في حياته على جميع الأصعدة؟ وما الأدعية التي يجب الدعاء بها لمنع الفضيحة وطلب الستر من الله لعبده؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فيبدو من ملامح مشكلتك المستخلص الآتي:

١- يبدو أنك شاب تعاني من شدة الشهوة الجنسية، وأنك من حيث تشعر أو لا تشعر تؤجج هذه الشهوة، وتلهب سعيرها بالدخول للمواقع الإباحية.

٢- ويبدو أن معصيتك معصية جنسية؛ كالعادة السرية أو غيرها.

٣- ويبدو أنه برغم ارتكابك لهذه المحرمات، فإن عندك حسًّا إيمانيًّا يجعلك تتألم وتخشى عواقب المعصية الأخروية والدنيوية.

٤- ويبدو أنك أيضًا تعاني من حالة نفسية تجعلك تخاف خوفًا زائدًا إلى درجة الوسوسة والقلق.

٥- يلحظ أنك ركزت على احتمال الفضيحة الدنيوية، وصارت أكبر همك، ولم تكترث كثيرًا لعقوبة المعصية في الآخرة أو قبول التوبة منها.

ولِما سبق أقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: على المؤمن أن يراقب الله سبحانه في خلوته وعلانيته؛ مستحضرًا قوله سبحانه: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقوله عز وجل: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].

ثانيًا: وإن حصل وقوعه في معصية ما، فعليه المبادرة للتوبة والاستغفار، وشروط التوبة المقبولة هي: الندم، والعزم، والإقلاع.

ثالثًا: مما يعين بمشيئة الله على مراقبة الله وترك المعاصي معرفةُ أسماء الله الحسنى، الدالة على عظمته سبحانه، وسعة اطلاعه، ومراقبته لعباده؛ مثل قوله عز وجل: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

رابعًا: ومما يعين على التوبة تذكُّرُ سعة رحمة الله سبحانه، وقبوله توبة التائبين، مهما تكررت ذنوبهم؛ ومما يدل لذلك الأدلة الآتية:

قوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].

وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾ [الزمر: 53، 54].

وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 68 - 71].

ومما ورد في تفسيرها أن الله يبدل السيئات العظيمة لهؤلاء - وهي الشرك والزنا وقتل النفس - يبدلها إلى حسنات بسبب صدق توبتهم.

خامسًا: وإليك الأحاديث النبوية الآتية التي تدفع المذنب دفعًا للتوبة وتؤزه أزًّا لها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى قال: ((أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي؛ فليفعل ما شاء))؛ [متفق عليه].

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم))؛ [رواه مسلم].

وعن أبي أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم))؛ [رواه مسلم].

سادسًا: ذكرت ما يشير إلى وجود اضطرابات نفسية عندك، ولعلها من أسباب خوفك المتوهم من تصوير أحد ما لمعصيتك وفضيحتك بها؛ ولذا أقول لك: إن أصغيت لهذه الوساوس، فلن تسعك الأرض بما رحبت، وستُصاب بمرض الاكتئاب، فاطرحها جانبًا، فهي احتمال فرضيٌّ، وأوهام زرعها الوسواس، وسقاها الخوف غير المحمود، فأثمر ذلك شجرة مرة من التوتر.

سابعًا: بدل الاستسلام للخوف والقلق، أشغل نفسك بما يدفع عنك شر الأشرار؛ ومن ذلك:

١- المحافظة على الصلوات في أوقاتها بالمساجد ومنها صلاة الفجر.

٢- الدعاء.

٣- المحافظة على أذكار الصباح والمساء.

٤- الإكثار من الاستغفار.

٥- الصدقة.

٦- الإكثار من (لا حول ولا قوة إلا بالله) ومن (حسبنا الله ونعم الوكيل).

٧- صدق التوكل على الله سبحانه.

قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً ﴾ [الطلاق: 2، 3].

٨- اليقين الجازم بقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

ثامنًا: أما سؤالك عن فضيحة الله لعبده، فهو في غير محله؛ فالله عز وجل في غنًى عن فضيحة عبده الذي ستره وهو يعمل المعصية، ومن أسماء الله الحسنى (الستير).

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل حَيِيٌّ ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر))؛ [رواه أبو داود في سننه، وصححه النووي؛ (خلاصة الأحكام)، وقال الشوكاني: "رجال إسناده رجال الصحيح"؛ (نيل الأوطار)، وصححه الألباني في (صحيح أبي داود)]، والستير من الستر، يقال: ستر الشيء، أي: غطاه، وحجبه، وأخفاه.

فالله الستير؛ أي: إنه سبحانه كثير الستر على عباده، يسترهم في الدنيا والآخرة، ولا يظهر العيوب والفضائح والقبائح، وهو سبحانه يأمر بالستر، ويحب من عباده أن يستروا أنفسهم.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه))؛ [متفق عليه، واللفظ للبخاري].

تاسعًا: وأوصيك أن تبتعد نهائيًّا عن كل ما قد يسبب الوقوع في المعصية من مواقع إباحية وغيرها؛ لأن الله سبحانه حرم كل وسيلة قد تؤدي للفاحشة، ومنها إطلاق النظر والخلوة بالنساء؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

يقول تعالى ناهيًا عباده عن الزنا وعن مقاربته وهو مخالطة أسبابه ودواعيه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾ [الإسراء: 32]؛ أي: ذنبًا عظيمًا، ﴿ وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾؛ أي: وبئس طريقًا ومسلكًا.

وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].

حفظك الله، وسترك في الدنيا والآخرة، ووفقك لتعظيم حرمات الله تعالى، ووفقك للتوبة النصوح.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.