احتدام المعركة حول مقر القيادة العامة للجيش السوداني

منذ 1 سنة 163

تواصلت معارك الكر والفر بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، لليوم الثاني، أمس، في مناطق استراتيجية متفرقة في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، بينما تشير المصادر إلى أن المعركة الأكثر أهمية واحتداماً تلك التي تدور حول مقر القيادة العامة للجيش في وسط العاصمة، والتي تعني -تاريخياً- السيطرة عليها انتصاراً كبيراً قد يحسم بقية المعارك في المواقع الأخرى.
وفي الأثناء، قتل عشرات وأصيب مئات من المدنيين بعد إصابتهم بالرصاص العشوائي الذي يخترق مخابئهم ومنازلهم في العاصمة الخرطوم، وأطلقت نقابة الأطباء نداء استغاثة حثت فيه الأطباء للالتحاق بالمستشفيات لتقديم الخدمة للجرحى. وعادت أصوات الرصاص تعلو في العاصمة السودانية الخرطوم لليوم الثاني من أيام القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» الذي اندلع صبيحة السبت، بعد صمت قصير خلال الليل لم تسمع فيه سوى طلقات متفرقة؛ لكن الاشتباكات تجددت في عدد من المناطق، ما إن أفاق المتقاتلين من غفوتهم القصيرة التي أعقبت أحد أشد أيام المدينة عسراً منذ سنين.
وفي فجر أمس (الأحد)، تجدد القتال بين القوتين، واشتعلت النيران، وعلت أصوات إطلاق الرصاص ودانات المدافع وانفجارات القنابل، وهسيس الطائرات، لتصم آذان الخرطوم عن أي شيء سوى أصوات الحرب وصيحات الجنود وآهات المصابين، فقد أُجبرت على ما لا ترغب فيه على غفلة من زمانها.


القيادة العامة للجيش
ووجَّهت نقابة أطباء السودان «نداء استغاثة» للأطباء من كافة التخصصات للالتحاق بعدد من المستشفيات، لتقديم الخدمة الطبية الضرورية للمصابين، وقالت: «نرجو من جميع القادرين على تلبية النداء التوجه فوراً للمستشفيات المذكورة، نظراً لوجود أعداد كبيرة من المصابين والحالات الحرجة التي تتطلب تدخلاً جراحياً بصورة عاجلة»، وقد بلغ عدد قتلى الأحداث 56، مع 600 جريح، معظمهم قتلوا وأصيبوا جراء إطلاق النار العشوائي والرصاصات والقذائف الضالة.
وفي محيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، على الرغم من أن أصوات القتال لم تسكت؛ فإنها ازدادت حدة عند الصباح، واستُخدمت فيها الرشاشات الخفيفة والمدفعية الثقيلة والمدرعات؛ بل رجح كثير من المصادر أن بعض أبراج السيطرة والتحكم التي دُمرت استُخدم في تدميرها سلاح الطيران. وقال شهود كثر إنهم سمعوا أزيز الطائرات الحربية وهي تحوم فوق المكان.


سجن «كوبر»
وشهدت المنطقة حول سجن «كوبر» المركزي الشهير؛ حيث يوجد قادة النظام السابق، بمن فيها الرئيس المعزول عمر البشير، معركة صباحية كبيرة، استُخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والثقيلة كافة. وبحكم حظر التجوال القسري، فإن أصوات المعركة هي التي يمكن للشهود سماعها، ولا يعرف أحد ما إن كانت تلك العمليات الغرض منها السيطرة على السجن الذي يضم كبار «قادة نظام الإسلاميين» المقبوض عليهم منذ إسقاط نظامهم في أبريل (نيسان) 2019، والاستيلاء عليه من قوات «الدعم السريع» التي كانت تتولى تأمينه قبل اندلاع الحرب.
وبالقرب من السجن، يقع منزل النائب الأول للرئيس؛ حيث كانت تقيم إحدى أسر قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وكانت هناك محاولة للسيطرة عليه لرمزيته، فاصطدمت القوة المهاجمة بقوات «الدعم السريع» التي كانت تحرس المكان، وبالطبع لم يكن حميدتي داخله ولا أحد أفراد أسرته.
وذكر متابعون أن معركة شرسة دارت بين القوتين حول مقر «جهاز هيئة العمليات» السابق، والذي سيطرت عليه قوات «الدعم السريع»، بعد أن دحرت القوة التابعة لجهاز الأمن وقتها، وقيل إنها تمردت. ونقل الشهود أن القوة المتمركزة من «الدعم السريع» تكبدت خسائر كبيرة، بيد أن المعلومات لم تذكر ما إن كان الجيش قد سيطر على المقر أم لم يسيطر عليه. وقال مواطنون إنهم سمعوا أصوات الطائرات وشاهدوها تحلق في منطقة شرق النيل بالخرطوم بحري، وشارع الستين بشرق الخرطوم، ابتداء من وقت مبكر من صباح أمس، وشوهدت مضادات أرضية تطلق أسلحتها باتجاه تلك الطائرات المغيرة.


مدن متفرقة
ومثلما في الخرطوم، لم تتوقف الاشتباكات في كل من مدن بورتسودان والقضارف شرقاً، واتهمت قوات «الدعم السريع» طيراناً حربياً أجنبياً، لم تسمِّه، بالضلوع في الهجوم على مواقعها في مدينة بورتسودان، وهو ما يعضد رواية متداولة بكثافة في الخرطوم أيضاً، بأن طيراناً أجنبياً شارك في العمليات الحربية لصالح الجيش، وهو الأمر الذي لم ينفه متحدثه الرسمي ولم يؤكده؛ لكنه قال في مقابلة تلفزيونية إن لجيشه علاقات مع كثير من الجيوش الصديقة في الإقليم والعالم، مؤكداً عدم وصول قواته لمرحلة الحاجة للاستنجاد بالأصدقاء.
وقال شاهد تحدث لـ«الشرق الأوسط» من مدينة بورتسودان، إن الاشتباكات توقفت في المدينة، وأن الجيش تسلم مقرات قوات «الدعم السريع» بعد استسلامها في كل من القضارف وبورتسودان، بينما انتشرت معلومات عن معارك ضارية بين القوتين في كل من الفاشر ونيالا وزالنجي في غرب السودان.
وتضاربت المعلومات حول الأوضاع في قاعدة مروي الجوية شمال البلاد، فبعد أن سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» منذ اليوم الأول، تناقلت وسائط تواصل اجتماعي مؤيدة للجيش أنه استردها، بينما تمسكت قوات «الدعم السريع» بمواصلة سيطرته على القاعدة، وأن محاولات استردادها فشلت.


برج القوات البحرية
وفي إطار الحرب الإعلامية، قالت قوات «الدعم السريع» إنها استولت على «برج القوات البحرية» داخل القيادة العامة للجيش السوداني، مشيرة إلى أنها تقاتل في كل المحاور. من جانبه، قال الجيش السوداني على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن قائد قوات «الدعم السريع» الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) هرب من مخبئه، بعد هروب طاقم حراسته والجنود المكلفين بتأمينه، دون أن يذكر معلومات إضافية أو يحدد الجهة التي قصدها الرجل، وما إن كانت القوات قد استولت على المقر الذي كان يختبئ فيه.
وفي المقابل، قال الإعلام الرسمي لقوات «الدعم السريع»، في تصريحات إعلامية، إن أفرادها يقاتلون في كل المحاور، وإن قائدها محمد حمدان دقلو يقود المعارك بنفسه وفق خطة مجازة سلفاً، نافياً بشكل قاطع ما زعمه الجيش، وقال إنهم يقاتلون داخل القيادة العامة، وانضم إليهم كثير من الضباط.
ولم تتوقف المعارك حول القيادة منذ اندلاع النزاع، وظلت أصوات القتال والدانات والقذائف تُسمع في أنحاء واسعة من محيط القيادة العامة والأحياء المجاورة لها، بينما قالت قوات «الدعم السريع» إنها سيطرت على «برج قيادة القوات البحرية» داخل القيادة العامة للجيش السوداني، وهي المنطقة التي تدور حولها المعارك منذ البداية، ولم يتوقف القتال منذ اندلاعه، وتبادل الطرفان مزاعم السيطرة عليها، فبينما قال دقلو إن قواته تسيطر عليها، نفى الجيش مؤكداً أن قيادته تحت سيطرته.


البيانات المتباينة
وتقع القيادة العامة للقوات المسلحة وسط الخرطوم، وتضم عدة إدارات عسكرية على شكل أبراج، ومن بينها برج قيادة القوات البحرية الذي زعمت قوات «الدعم السريع» السيطرة عليه، وقد حصن الجيش القيادة بسور خرساني ضخم من الجهة الشمالية والغربية، يصعب اختراقه بالآليات الثقيلة، ووصفه دقلو بأنه لحماية البرهان؛ لكن المعارك دارت في الجهة الجنوبية والشرقية المقابلة لمطار الخرطوم.
ودرجت القوتان المتقاتلتان على تقديم أخبار لا يمكن التحقق منها، تؤكد سيطرتها على الأوضاع، فمرة يؤكد الجيش أنه يسيطر على الموقف، بينما تعلن قوات «الدعم السريع» السيطرة على عدد كبير من مراكز القيادة والسيطرة والمطارات، ثم يسارع الجيش لينفي ذلك، ثم يعلن استرداده المقر.
وحسب صحافيين، فإن الطرفين يشنان حملات «تضليل» وحرب نفسية واسعة، تهدف لتقديم الدعم النفسي للقوات، وإلحاق الهزيمة النفسية بقوات الخصوم، وتستخدم فيها أعداد كبيرة من مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية. ويعاني الصحافيون صعوبة التقصي حول الأخبار المتداولة. وقالت صحافية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد لدينا ما نفعل سوى أن ننقل تصريحات الطرفين، على الرغم من معرفتنا بأنها قد تكون مضللة، فبسبب الحرب يصبح إيجاد مصدر مستقل يؤكد تلك المعلومات أمراً صعباً».