يرافق عرض مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" ضمن الموسم الرمضاني كثير من الآراء ما بين مؤيد ومعارض ومنتقد للأحداث والسيناريو والإخراج، وغاضب من الصيغة غير المباشرة المتبعة في العمل والتفاوت ما بين حلقة وأخرى، وكل هذا الاختلاف قد يكون جيداً ودافعاً لمتابعة العمل، لكن أسباب المتابعة تختلف ما بين شخص وآخر، بخاصة أن المسلسل يتعرض لمرحلة سياسية حساسة.
وتدور أحداث العمل حول أسرة حاكمة متجبرة استولت على مقاليد الحكم في البلد، وينشأ إثر ذلك صراع بين شقيقين أحدهما ورث الرئاسة عن أبيه، ليتمركز محور الصراع خلال الأحداث حول السلطة والنفوذ في البلد من دون مراعاة مصلحتها أو حقوق مواطنيها.
"ابتسم أيها الجنرال" من ﺇﺧﺮاﺝ عروة محمد وتأليف سامر رضوان وبطولة مكسيم خليل وعبدالحكيم قطيفان وريم علي ومازن الناطور وعزة البحرة وسوسن أرشيد.
العائلة الحاكمة
يظهر بوضوح أن العائلة الحاكمة التي يتطرق إليها العمل هي عائلة الأسد في سوريا، والأحداث تتوالى منذ وفاة حافظ الأسد والصراع الذي دار بين ولديه ماهر وبشار إلى أن اعتلى الأخير سدة الرئاسة وتولى الأول المهمات الأمنية في البلاد.
لكن صناع العمل يقولون إنه من وحي الخيال وأي تشابه مع الواقع هو محض صدفة، وهذه الجملة هي خط الدفاع الأول للصناع في وجه من يريدون التشهير بهم ربما أو ملاحقتهم قانونياً، وهي تستعمل في كثير من الأعمال التي لا تريد تبني قصة أو موقف من الأحداث.
لكن الوضع مختلف في "ابتسم أيها الجنرال"، فكل الايحاءات الموجودة هي اسقاطات سياسية، من حركة يد مكسيم خليل والتركيز عليها في الحلقة الأولى، إلى اللغة واللهجة والملابس والطريقة الديكاتورية التي تحكم بها البلاد، إلى النظام والتوريث والسلطة وقصة العائلة التي استولت على الدولة، مروراً بالمصطلحات مثل "بالروح والدم معك"، وهي الجملة التي استخدمها مؤيدو النظام على نظاق واسع إبان انطلاق الاحتجاجات في مارس (آذار) 2011، وصولا إلى الصور التي سوقت للبطل الرئيس في العمل وهو مكسيم خليل، والتي يظهر فيها بوضعيات مشابهة تماماً لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
خوف
ومن الملاحظات التي تسجل على المسلسل قبل الغوص في الأخطاء التي وقع بها، الاختباء خلف التلميح وعدم الصراحة والمواربة وربما الخوف من رد الفعل (يذكر كثيراً مثلاً ملف الناصرية في العمل، لكن من دون أي إشارة أو تعريف عنه)، علماً أن كاتب المسلسل له تاريخ طويل في انتقاد السلطة السورية منذ ما قبل اندلاع الثورة، ولذلك يبدو المسلسل باهتاً وهو ما يفسر ذلك الخوف مما يقال عنه داخل البلاد "هيداك المسلسل"، وكأنهم يتكلمون عن مرض عضال أو جريمة شرف.
كان الأفضل للكاتب "الجريء" الغوص في تفاصيل الفترة التي لا نزال نعيشها ونعاصرها، وقصف جبهات النظام السوري وتعريته، بخاصة أن الثورة التي اندلعت عام 2011 سمحت بالتحرر من الخوف من النظام ورجاله، وإذ يأتي المسلسل بعد نحو 12 عاماً من خراب سوريا، لكن الوقائع التي عرضت تبقى سطحية ولا تغوص في فساد الدولة من دون أسماء وحقائق موثقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عام 2010 قدم الكاتب سامر رضوان مسلسل "لعنة الطين" الذي يعتبر من الأعمال المثيرة للجدل، ويتحدث عن الفساد في سوريا وبشكل خاص بين رجال الدولة والعسكر، وكيف يوظف رجال الأعمال عيوناً عسكرية لهم تسهل أمورهم، إضافة إلى قضايا الخطف والتعذيب.
ضد النظام
استمر رضوان في تقديم أعمال ضد النظام وكان أبرزها ثلاثية "ولادة من الخاصرة" التي بدأت مع انطلاق الأحداث في سوريا عام 2011، وتناولت الإجراءات القمعية التي يتبعها نظام الأسد، ووُجهت للكاتب آنذاك تهمتان هما "النيل من هيبة الدولة" و"التحريض على العصيان المسلح".
وعلى المنوال ذاته قدم رائعته "دقيقة صمت" عام 2019، والتي صبت النار مجدداً على النظام، وكل تلك الجرأة والواقعية التي قدمها سامر رضوان في أعماله السابقة اختفت في "ابتسم أيها الجنرال"، وتخفى خلف التلميح علماً أن الموضوع الذي يناقشه لو اتبع فيه لغة مباشرة لحقق نجاحاً مدوياً بما أنه معارض للنظام، وكل من شارك في العمل معارض أيضاً.
ومن المثقفين الذين صبوا جام غضبهم على العمل رسام الكاريكاتور السوري الشهير علي فرزات الذي أعرب عبر حسابه على "فيسبوك" عن سخطه من إصرار صناع العمل على أنه من نسج الخيال، وانتقد بشدة الكاتب لأنه سبق له تقديم مسلسلين يعريان النظام وأبرز فيهما بوضوح علم سوريا وصور بشار الأسد، في حين أنه اليوم يصر على عدم ذكر بشار بوضوح على رغم كل ما جرى في سوريا.
فضائح جنسية
والنقطة السلبية الثانية التي برزت في المسلسل هي انطلاق الأحداث بعد الكشف عن فضيحة جنسية وتورط أحد الضباط الكبار في علاقات غرامية مع عدد كبير من زوجات مسؤولين حساسين في الدولة، ونشر كتيب فيه كل الأسماء مع التفاصيل، ومن ضمن الأسماء الموجودة كان هناك اسم شقيقة الرئيس، وهذا ما فاقم المشكلة لتبدأ أجهزة الاستخبارات في طمس الفضيحة، لكنها الضابط يهرب نسخة مصورة عما حدث وتذاع الأحداث ضمن نشرة أخبار لبنانية.
اختصرت حكاية فساد الدولة والتعديات على الحرية المدنية واغتصاب السلطة بفضيحة جنسية، وفي حلقات لاحقة تعود الفضائح الجنسية مجدداً بما أنها سلاح نوعي في يد الاستخبارات، فتسجل الكاميرا أحداث علاقة غرامية لماهر الأسد مع ممثلة شهيرة للمساعدة في الضغط عليه والتراجع عن بعض القرارات.
وقد خلق العمل جواً من التحقيقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبات الجميع يفتش عن شخصيات الممثلين وتقاربها مع الشخصيات الحقيقية، وبحسب ما هو رائج فإن شخصية "فرات" التي يؤديها مكسيم خليل تتطابق مع رئيس النظام بشار الأسد، وشخصية وضاح فضل الله التي يؤديها محمد الأحمد تتطابق مع العماد وزير الدفاع الراحل مصطفى طلاس، وشخصية عاصي التي يؤديها غطفان غنوم تتطابق مع ماهر الأسد قائد "الفرقة الرابعة" بالحرس الجمهوري وشقيق الرئيس الأسد، وشخصية سامية التي تؤديها سوسن أرشيد تتطابق مع بشرى الأسد شقيقة الأسد، وشخصية صوفيا التي تؤديها ريم العلي تتطابق مع أسماء الأسد عقيلة رئيس النظام السوري، وشخصية "الأم" التي تؤديها عزة البحرة تتطابق مع أنيسة مخلوف زوجة الرئيس الراحل حافظ الأسد، وشخصية "أنيس الرومي" التي يؤديها مازن الناطور تتطابق مع رامي مخلوف ابن خال الرئيس.
وفي سياق متصل من المشكلات التي يعانيها العمل، فقد قلة حيلته في أن يكون مسلسلاً شيقاً، فالأحداث تسير ببطء شديد وكان من الممكن اختصار العمل في 10 حلقات مكثفة، في حين أن ثمة تفاوتاً كبيراً في أداء الممثلين، فالشخصية الغاضبة دوماً التي يقدمها بطل العمل مكسيم خليل على أنها شخصية رئيس النظام بشار الأسد لم تكن متنوعة، والانفعالات كانت متشابهة ومصطنعة في معظم المشاهد وثمة مبالغة في الأداء، إذ لا يكفي تغيير ملامح الوجه للتشبه بالشخصية الرئيسة، وحركات الجسد كانت شبه معدومة واقتصر التمثيل على عبوس الوجه والاكتفاء بقليل من الكلام، كما يسجل أيضاً الضعف الدرامي في صناعة الشخصيات الباقية وتفاوتها في الأداء.
إيجابية
وعلى رغم أن العمل نفذ بعيداً من مقص الرقابة إلا أن النتيجة كان يمكن أن تكون أفضل، فالحديث عن مرحلة سياسية لا نزال نتابعها بحاجة إلى عمق وأحياناً إلى توثيق فقط لأن الأحداث موجودة، إلا أن الإيجابية التي قد تظهر بعد العمل فتحت الباب أمام أعمال انتقادية أكثر نضجاً ضد النظام والسلطة والفساد، والاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها المسلسل لتقديم عمل متكامل عن حقبة سياسية رافقت شعباً تعرض لكثير من الديكتاتورية والغبن حتى في مراحل سياسية سابقة.
في المقابل ثمة من يقول إن هناك تشابهاً بين العمل ورواية "خريف البطريرك" للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، والتي تدور أحداثها حول السلطة المطلقة التي يتمتع بها الطغاة. وتنقسم الرواية الصادرة عام 1975 إلى ستة أقسام، يعيد كل منها سرد قصة مماثلة لديكتاتور كاريبي وقبضته الحديد على السلطة، وتعتبر واحدة من أفضل الأعمال الأدبية عن الحكومات القمعية.
ومع بداية كل حلقة تظهر جملة جديدة هي عبارة عن إحدى حكم كتاب "الأمير" لكاتبه الإيطالي نيكولو ميكافيلي (1469-1527) المعروف بنصائحه الأميرية حول كيفية الاحتفاظ بالسلطة، وهو ذاته صاحب الجملة السياسية الأشهر في العالم "الغاية تبرر الوسيلة".