في إجابتها عن سؤالٍ لمحاورتِها من قناة «بي بي سي» العربية بشأن توضيح معنى اعتراضِها، ضمنَ نواب القائمة العربية الموحدة في الكنيست الإسرائيلي، على مشروع قانون يتعلق بتدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية، قالت إيمان الخطيب ياسين، ما مضمونه إن مقتضيات المشاركة في الائتلاف الحكومي السابق، تطلبت هذا الموقف. جواب يستند إلى منطق سياسي يحتمل الصواب، لكنه يبقى، بالطبع، قابلاً للمناقشة. السياسية الفلسطينية لم تضيع الفرصة، خلال حلقة برنامج «بلا قيود» التي تم بثُها مساء يوم الأحد الماضي، فسارعت تمارس ذكاء الساسة، وهو حقٌ لها، أو تذاكيهم، افتراضاً، على بسطاء الناس من مستمعيهم، أو مشاهديهم، فأسهبت في إيضاح مبررات ذلك الموقف، مشيرة إلى أن تقديم مُقترح القانون، إنما كان في الأصل مجرد «مكايدة سياسية» من جانب أحزاب المعارضة حينذاك. أيضاً، يجوز إدراج هكذا افتراض، ضمن السياق المعتاد من مكايدات السياسيين. أما تلويح السيدة ياسين بالقفاز السياسي في وجوه نواب حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، فقد تجلى بوضوح حين تحدت أن تجيز الأحزاب الحاكمة الآن مقترح القانون المرفوض سابقاً. تحد ممتاز، لكن هذا التحدي لن يلغي من وثائق محاضر جلسات برلمان إسرائيل أن نواباً فلسطينيين وقفوا، ذات يوم، ضد مشروع قانون يدعو إلى تدريس لغتهم العربية في المدارس اليهودية.
جانب مهم ثانٍ، بل لعله يستحق أن يُقدم على ما سبق، ورد في سياق حوار «بي بي سي» مع السيدة ياسين، تضمنه تأكيدها أن «القائمة العربية الموحدة» في الكنيست الإسرائيلي «ذراع سياسية للحركة الإسلامية». صحيح أن ذلك الأمر ليس سراً يُزاح الستار عنه لأول مرة، إنما مهم جداً أنه توضيح لمنهج أعضاء القائمة السياسي، وقد أكدته سياسية فلسطينية، عضو في القائمة ذاتها، وتنتسب هي نفسها إلى تيار «الحركة الإسلامية». أما قولها، لاحقاً، ما خلاصته أن القائمة تعمل من أجل المسجد الأقصى، وبهدف دعم أهل القدس، فهو كلام مُتوقع، إنه خطاب يندرج ضمن ما يتردد دائماً على منابر المهرجانات السياسية. جدير أن أبادر هنا للتأكيد أنني لستُ ضد مشاركة فلسطينيي إسرائيل بأي من مجالات العمل السياسي المُشرع من قبل مؤسساتها. على النقيض من التيارات الفلسطينية التي تعارض، وبعضها يخون، تلك المشاركة، تجدني أميل إلى عدها دليلاً يؤكد حيوية الشعب الفلسطيني، ويثبت قدرته على التنوع في العطاء بقصد تحقيق الحد الأدنى من دعم الصمود على أرض فلسطين، وبأمل أن الحق المشروع لكل لاجئ يعاني اليوم، بأي مخيم، وكل أسير في الزنازين كافة، وكل حالم بالعودة مقيم الآن بأي من منافي المشارق والمغارب، سوف يتحقق ذات يوم، مهما طال زمن الانتظار.
المشكل، إذنْ، ليس في أن شخصيات فلسطينية من «الحركة الإسلامية»، التي إليها تنتمي كل من حركة «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي»، وبمنهجها تلتزم الحركتان، تجلس تحت سقف الكنيست الإسرائيلي. كلا، المشكل الحقيقي، والمؤلم حقاً، هو في استعصاء التزام قيادات الحركتين، ومعهم قيادات حركة «فتح»، وضع حد لما آل إليه الوضع الفلسطيني بفعل وضعهم المصالح الفصائلية، بل والذاتية، قبل صالح الفلسطينيين ككل. مثير للحيرة، فعلاً، والعجب أيضاً، أن ساسة فلسطينيين داخل دولة إسرائيل يمكنهم دخول ائتلاف مع ساسة إسرائيليين، فيما تفشل زعامات الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية في التوصل إلى ائتلاف قائم على تآلف القلوب، وصفاء النيات.
أهو قدرُ بسطاء الفلسطينيين المُقدر لهم، والمكتوب عليهم، أن يُبْتَلوا، على مر الأزمان والعصور، بعدو شرس، من جهة، ثم بقيادات أحزاب وحركات تتخذ هواها السياسي، أو العقائدي، منهاجاً لها في التعامل مع متطلبات الدفاع عن أعدل قضايا الشعوب، عندما يتعلق الأمر بانتزاع شعب من جذر أرضه ثم طرده إلى أراضي غيره؟ يبدو أن الحال هو هكذا، إلى أن يقضي خالق البشر أجمعين أمراً كان مفعولاً. في هذه الأثناء، يجب ألا يمل أولئك البسطاء أنفسهم من مواجهة القيادات المراوغة، في التوصل لإنهاء كل تصارع بين التنظيمات الفلسطينية، وليس ما بين حركة «فتح» وحركة «حماس» فحسب، بقصد التوصل إلى ائتلاف فلسطيني بعد طول خلاف. ذلك الائتلاف، لو تحقق، سوف يحول دون مزيد من التمزق، وسوف يُعين على وضع حد أيضاً لكل اختلاف في المواقف قد ينشأ في المستقبل. دعونا نأمل، فـ«ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».