إيلي غولدنغ: أنا فنانة أنثى وما زالت قيمتي تحدد بقرنائي الذكور

منذ 1 سنة 167

تقف إيلي غولدنغ في مطبخها المشرق المفتوح وتحاول طلب وجبة سلطة عبر تطبيق على هاتفها. تقول: "آسفة، كل ما أستطيع التفكير فيه هو الطعام". تبدو وهي ترتدي سروالاً رياضياً ضيقاً وكنزة صوفية كمؤثرة في مجال اللياقة البدنية على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من كونها نجمة بوب حائزة جوائز، وباعت ملايين النسخ من أغنياتها التي تحتل المراكز الأولى وفي رصيدها فائض من جوائز بريت الموسيقية. أخبرتها أنني تناولت طعامي للتو، وكان عبارة بقايا طبق عدس هندي طهته شريكتي في السكن لحفلة عشاء. تقول: "يا إلهي... ألا تقومون في ذلك المنزل بشيء سوى إطلاق الريح طوال الوقت؟"

من الواضح أن غولدنغ محاورة سهلة، بما أن النقاش حول غازات البطن جاء بعد بضع دقائق من وصولي. لم يكد الماء يغلي لإعداد القهوة بعد، حتى وجدنا أنفسنا نتحدث عن صحتنا العقلية والحبوب والخلطات العديدة التي نتناولها في محاولة للوصول إلى شيء من التوازن، هذا ليس مسكن غولدنغ الأساسي – فهي تعيش في غلوستر مع زوجها تاجر الأعمال الفنية جاسبر جوبلنغ وابنهما آرثر الذي يبلغ عمره سنتين – لذلك تبدو العلية الواسعة التي جلسنا فيها على أرائك إسفنجية قبالة جدار بمرايا مصقولة فارغة نوعاً. توحي طاولة طعام طويلة التي يوازي طولها تقريباً طول معظم الشقق في لندن، بخيالات حفلات عشاء أقيمت في الماضي، وهناك رف يغص بكتب وصفات الطبخ، والحليب الموجود في الثلاجة هو حليب اللوز طبعاً.

إنها مهتمة كثيراً بكيفية التعامل مع القلق، فهو أمر تعانيه لسنوات، إذ يعود ذلك حتى إلى ما قبل ألبومها الأول البارع "أضواء" Lights الذي صدر في فبراير (شباط) من عام 2010 عندما كانت في الثالثة والعشرين من العمر. وبعد ثلاثة عشر عاماً من نجاح أوصلها إلى قمة سباقات الأغاني العالمية، لم تتخلص غولدنغ، وهي في السادسة والثلاثين من العمر الآن، من خوفها العام من أن شيئاً سيئاً سيحدث، يجعلها ذلك متوترة باستمرار، ويشعرها وكأنها تخوض في الوحل عندما ترغم نفسها على حضور المناسبات وجلسات التمرين الرياضية. تقول مستندة إلى الوسائد والتعب بادٍ عليها: "إنه منهك... كنت أتحاشاه لسنوات لأنني كنت أتمرن كثيراً حتى إنني لم ألحظ ذلك، كنت أركض كثيراً، من دون توقف تقريباً، لذا حينما توقفت تنفست الصعداء". بسبب نفورها من الأدوية، اختارت بدلاً من ذلك، ومن بين الحلول الشاملة الأخرى، كبسولات الخزامى التي تعمل على تهدئتها، وتجعلها أيضاً تتجشأ رائحة الخزامى مثل أميرة من أفلام الرسوم المتحركة.

تنظر إلى الطعام الآن بطريقة مختلفة مذ تبنت النظام الغذائي الخضري، فهي تمنح جسدها ما يحتاج إليه ليقوم بوظائفه. تقول: "أحاول وأتناول الأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية جداً... أحب فهم ما يقوم به جسدي، وآلية عمله". تخضع بانتظام لاختبارات الدم حتى تعرف ما إذا كانت بعض المواد مرتفعة أو منخفضة عن الحدود الطبيعية في دمها، وتبدو شبه منهمكة في إيجاد التوازن المثالي الذي سيشعرها بأنها بأفضل حالاتها الممكنة".

كانت التمارين الرياضية محور هذا الهوس عندما كانت أصغر سناً، حيث تمرنت تحت إشراف مدربين شجعوها على الحركة المستمرة، وتحدي قدرات جسدها دائماً، والجري المستمر. الآن، بعد وباء كورونا وتجربة الحمل، الذي "دفع بجهازي العصبي إلى... التنبه المفرط" تقدر قيمة الحركات الأبطأ مثل التمطيط والوقوف على رأسها، وأي تمرين "يغير مسار الدم في الجسد". كان الأداء الغنائي – الذي يعتبر تمريناً شاقاً بالأساس – اللحظة الوحيدة التي تحس فيها أن قلقها يتلاشى حقاً، بالتالي كان قضاء أشهر قابعة في المنزل خلال الوباء أمراً مؤلماً للغاية. تقول: "لذا سأستمر في تجربة الأشياء وحسب، فمنذ الوباء، لا يوجد هناك شخص واحد من معارفي لا يعاني القلق فعلياً".

لكن إنجاب آرثر غيرها أيضاً، فهي تحب كونها أماً: بإمكانك إدراك ذلك في كل لحظة تنتهزها للحديث عن طفلها الصغير، حيث تستعرض صوره وتتعجب من مقدار التغير الذي يطرأ عليه كل يوم – تقول "كل ساعة، في الحقيقة!". لقد ورث حب أمه للغناء، ويغريك خداه الكبيران الممتلئان بقرصهما عندما يبتسم. يختار عديد من الفنانين تسجيل أغنية مليئة بالعواطف عن الأبوة عندما يرزقون بطفلهم الأول، لكن ألبوم غولدنغ الخامس الذي صدر حديثاً، "أعلى من الجنة" Higher Than Heaven هو عمل أصيل ورائع يبقي الجماهير تغلي بالحماس.

وصلت غولدنغ، بعد ثلاثة عشرة عاماً، إلى مستوى من النجاح يمنحها حرية القيام بما تشاء – إذا اشتهت تقديم ألبوم جاز ارتجالي حر، لن يتمكن أحد من منعها حقاً – لحسن الحظ، ليس هذا محط شغفها، على رغم أنها كانت تفكر في توجه جديد. تقول: "كان من المفترض أن ألتقي أمس ملحناً أحبه لأنني كنت أحضر بعض القطع الموسيقية الكلاسيكية... أحببت الموسيقى الكلاسيكية منذ كنت في الحادية عشرة أو الثانية عشرة، عندما أعطاني جدي مجموعة تسمى "الاسترخاء الكلاسيكي" أو شيئاً من هذا القبيل، أغرمت بها حينها – لم أكن قد استمعت إلى هذا النمط من قبل، فقد نشأت وأنا أستمع إلى الموسيقى الصاخبة والراقصة، ولذلك لم أعرف بوجود هذه الموسيقى حقاً".

لكن في الوقت الحالي، تستحوذ موسيقى البوب على اهتمامها، ويمكنك رؤية الألق يشع منها وهي تتحدث عن أداء أغنيات من ألبوم "أعلى من الجنة" على المسرح. تقول: "أعتقد أن الألبوم كان رد فعل على حالات الإغلاق اللعينة... لم أرغب في كتابة أي أغانٍ". شرعت في إعداده قبل بدء العالم بإعادة فتح أبوابه مجدداً، وبينما كانت حبلى أيضاً. تقول: "كان كل شيء مفرطاً في الواقعية والغرابة، أردنا الشعور بنوع من الفرح أثناء الكتابة – لم أشأ الخوض في أعمق مخاوفي". يطبع الفرح كل أغاني ألبوم "أعلى من الجنة"، من أغنية الديسكو الأخاذة الراقصة "الحب يستمر" Love Goes On إلى الأغنية الرائعة فوق الوصف عن الفتيات الوحيدات "علاج للحب" Cure for Love بجملتها التي تقول "هذا نخب الوحدة".

كانت غولدنغ على الدوام في مرمى سهام الصحافة الصفراء – وهو عرض جانبي للحياة العاطفية لشخصية مشهورة – الأمر الذي ترى أنه محبط على وجه الخصوص. تقول: "أنا فنانة، ويتم تحديدي من خلال قرنائي الذكور – في بعض الأحيان من خلال رجال خرجت معهم في مواعيد غرامية لا أكثر! من غير المسموح لك الاستمتاع بحياتك من دون قلق! لا يمكنك الاستمتاع من دون خوف، لا، هذا أمر غير مسموح: عليك الدخول في علاقة راسخة، وأن تكوني متزوجة". كان هناك رد فعل عنيف تجاهها أخيراً في شأن قصة عمرها سنوات، تشمل إيد شيران ونيال هوران، مع احتمال وجود خيانة. سيطرت عليها رغبة غامرة في الرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي في يناير (كانون الثاني) الماضي، ولا سيما بعد شرب كأس من النبيذ، حيث ردت بغضب: "كذب!!!!!"

تقول الآن: "ما كان عليَّ أن أستسلم لتلك الرغبة... أن أعتقد أن الفعل الصائب هو الرد على الإشاعات، على رغم معرفتي أنه ببساطة لا يوجد "أبطال" و"أشرار" في العالم الحقيقي كما هو الحال في عالم السوشيال ميديا والصحف الصفراء المزيف... أعتقد أنني، من خلال الرد، أساهم نوعاً ما في جعل ذلك العالم حقيقياً أو أضيف صدقية إلى عالم مصنع خصيصاً لإبقائنا نتصفح، وإبقائنا في حالة من الخوف، والافتتان بالمشاهير. أرى أن أفضل شيء بالنسبة إلي هو البقاء في العالم الحقيقي". تضيف وعيناها تلمعان: "لكن في بعض الأحيان، عليك فقط - بين الفينة والأخرى، كل خمس سنوات أو نحو ذلك – أن تنشري شيئاً ما هناك..."

تحيط هالة من التفاؤل الذي لا يمكن إغفاله بـإيلي غولدنغ، فهي تشير باستمرار إلى الجوانب الإيجابية – حتى للقلق – وتتحدث عن مشكلات العالم وكأنها أمور ستقوم هي شخصياً بحلها. تلوث المحيطات بالبلاستيك، تعنيف المرأة، السوشيال ميديا... تستعرض خططاً إبداعية نصف مدروسة، وتتساءل: "حسناً، ما الذي يمكننا القيام به حيال ذلك؟"، وكأننا، هي وأنا، على وشك اقتحام البرلمان والمطالبة بحل لمشكلة كره النساء في المجتمع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشكل القيام بالأفعال محور اهتمامها، سواء كانت تدافع عن نفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أم تنفق أموالها في المكان المناسب عندما يتعلق الأمر بالتقليل من تأثيرها الشخصي في البيئة. إنها سفيرة للأمم المتحدة للشؤون البيئية العالمية، وتكبدت عناء التأكد من أن يكون ألبوم "أعلى من الجنة" مستداماً بيئياً قدر الإمكان من خلال جعل عناصر نسخته المادية، إما قابلة للتحلل أو إعادة التدوير، الأمر الذي أدى إلى تأجيل إطلاق الألبوم مرات عدة. تشع نوراً عند الحديث عن الأمور التي اكتشفتها في شأن البلاستيك الحيوي، والاتصالات مع "أناس لطيفين حقاً ينتجون مواد متجددة، وعلماء حقيقيين"، لكنها تعود بعد ذلك للاتكاء على الوسائد مرة أخرى، وتنحسر إيجابيتها أمام هول المسألة. تقول: "أحتاج لإنشاء ما يشبه المنتدى للموسيقيين والفنانين، الناجحين منهم وفي مكانة تمكنهم من فعل شيء ذي أهمية". تعدل جلستها فجأة لتقول رسالة واضحة: "أود أن تتأكد شركة (لايف نيشن) للترفيه من أن يكون إصدار كل منتجات الفنانين الذين ترعاهم مسؤولاً".  

أقول إن هناك أموراً أخرى بإمكان صناعة الموسيقى الحديث عنها أيضاً، من قبيل، متى سيحين وقت حركة مي تو#MeToo ؟ تجيب: "أوه، أعتقد أنه حان!". أسأل: حقاً؟ توضح، "عندما انطلقت حركة مي تو، أعتقد أن أشخاصاً معينين في مجال الموسيقى أصابهم الهلع – وشهدنا تغيراً ملموساً". تحدثت غولدنغ سابقاً عن بداياتها غير المريحة في صناعة يحيط بها الرجال – حيث كان هناك شعور، على رغم أن الجميع يتصرفون بود، بأنك تنتقلين بشكل لا يمكن إنكاره إلى وضع الحماية الذاتية. تشبه ذلك الإحساس بشعور امرأة تسير في الشارع ليلاً، وترى رجلاً يسير على الرصيف المقابل: بنفس الطريقة التي تدخلين فيها مرحلة اليقظة المفرطة. تعتقد أن هذا هو ما تغير: ذلك الإحساس بعدم الأمان. قالت حينها: "تجب رعاية الفنانات الشابات، وتوفير العلاج النفسي للفنانين – الأمر الذي من الواضح أنه لم يكن متاحاً حين بدأت مسيرتي".

هناك جملة في الأغنية المنفردة "مثل مخلص" Like a Saviour الرئيسة في ألبومها الجديد، لا تلبث أن تتردد في ذهني: "أنام مع ظلي، محاولة العثور على إيماني بالغد"، هذا ما يبدو أنها تقوم به طوال الوقت – محاولة العثور على إيمانها بالغد، وبكل غد سيأتي بعده. تخطط غولدنغ لأخذ استراحة بعد إطلاق "أعلى من الجنة" – حيث تريد قضاء بعض الوقت في الريف في اللعب مع ابنها وتذكر العالم الحقيقي والأمور الأكثر أهمية. قد لا تحل مشكلات العالم، لكنها تقوم بما في وسعها.

ألبوم "أعلى من الجنة" متوفر حالياً.