إنقوطاطاش
"سيلعب الأهلي مباراته المقبلة ضد سانت جورج الإثيوبي يوم 13 سبتمبر 2016، بعد أيام قليلة من رأس السنة الجديدة".. ربما تشعر أن ثمة خطب ما فيما سبق، لا تقلق، أنت بخير، فهناك حالة واحدة لن تشعر فيها بذلك الخلل الواضح، وهي أن تقرأ تلك السطور في أديس أبابا.
هكذا أعلن نادي سانت جورج عن تاريخ مباراته المقبلة مع الأهلي: 13 سبتمبر 2016. ولسبب ما، فإن تاريخ اليوم هو 5 "باجومي" 2015، ولسبب آخر، فإن عام 2016 سيبدأ بعد يومين، وبالتالي هناك من سيحتفل غدا بنهاية العام، ثم ينهض بعد غد -الثلاثاء- في عام جديد، بينما لا يشغل بقية العالم سوى ذكرى 11 سبتمبر، قبل أن ينهض الجميع ليعيشوا يوم 12 سبتمبر اعتيادي للغاية، في عام مختلف تماما هو 2023.
لست بحاجة لمراجعة معلوماتك، الأهلي سيلعب مباراة الذهاب ضد سانت جورج في 24 سبتمبر 2023 على استاد القاهرة بصورة طبيعية للغاية، وستقام المباراتان في مصر أيضا. لا داعي للقلق، فلن يضطر أي من لاعبي الأهلي للوقوع تحت هذا الارتباك، تماما كما لن يضطر أحدهم للتساؤل عن سبب غروب الشمس في الساعة 12 مساء.. هذا ليس فارق توقيت، بل هو التوقيت المحلي لغروب الشمس في إثيوبيا.. وإن كنت قد بدأت الآن تعاني من بعض الارتباك بدورك، اطمئن، لست وحدك.
ماذا يحدث في إثيوبيا؟
حسنا، بالنسبة للتقويم المصري، وخصوصا للعاملين بمجال الزراعة، فإن "التقويم القبطي" ليس غريبا علينا، 12 شهرا بمدة موحدة (30 يوما)، من توت إلى مسري ليصل المجموع إلى 360 يوما، ثم يأتي دور الشهر الـ 13 (نسيئ) أو "باجومي" باللغة المحلية في إثيوبيا، المتكون من 5 أو 6 أيام، لتصبح السنة بين 365 و366 يوما، تماما كما هي السنة الميلادية، الفارق أن اليوم الأول من العام الجديد يوافق 12 سبتمبر بتقويمنا الميلادي.
ولذلك، اليوم 10 سبتمبر 2023 في القاهرة، هو 5 (نسيئ) 2015 في إثيوبيا، وغدا 11 سبتمبر 2023 هو آخر أيام السنة الإثيوبية (6 نسيئ 2015)، وبعد غد 12 سبتمبر 2023، هو 1 (ماسكارام) 2016.. بكلمات أخرى: 1 توت القبطي، و1 سبتمبر الإثيوبي.
كما اتفقنا -أو ادعينا للتو أننا اتفقنا- على أن 12 سبتمبر 2023 في القاهرة هو 1 سبتمبر 2016 في إثيوبيا، فإن 24 سبتمبر 2024 في القاهرة سيكون 13 سبتمبر 2016 في إثيوبيا، وبالتالي لم تخطئ صفحة نادي سانت جورج كتابة التاريخ، كل ما في الأمر أن النادي ينتمي لبلد يغرد منفردا في تقويمه الخاص.. يبدو الأمر غريبا، ولكن له سبب وجيه للغاية.
إنقوطاطاش
انتهى وقت المرح، فالمسألة لها جذور وطيدة عبر تاريخ الأديان..
بحسب تقرير ENA، يتأخر التقويم الإثيوبي من 7 إلى 8 سنوات عن التقويم العالمي المتبع بسبب إجراء حسابات بديلة في تحديد تاريخ ميلاد المسيح.
وترتبط السنة الإثيوبية الجديدة بلفظة "إنقوطاطاش" Enkutatash والتي تعني "هدية الجواهر"، ويعود تاريخ هذا اليوم إلى الوقت الذي عادت فيه ملكة سبأ "بلقيس" من رحلتها الشهيرة إلى القدس لزيارة النبي/الملك سليمان، الذي يُعتقد أنه رحب بها من خلال تقديم الجواهر كهدايا.
ويعد "إنقوطاطاش" نقطة انطلاق مهرجان الربيع الذي يتم الاحتفال به حتى نهاية موسم الأمطار، ويحتفل في هذا اليوم معظم الإثيوبيين، المسيحيين والمسلمين بذبيحة في رأس السنة الجديدة، كما ينتشر طهو الدجاج، ومن الشائع أن يتوقف الناس عن بعض العادات السيئة مثل التدخين وشرب الخمر، واعتبار العام الجديد نقطة بداية جديدة لوضع خطط وأمنيات واتخاذ قرارات لمستقبل أفضل.
يضيف تقرير الجزيرة أن الأيام الحالية التي تعيشها إثيوبيا في شهر "باجومي" (نسيئ)، الشهر الـ 13 للسنة الإثيوبية أو بالأحرى "شهر العجائب"، لا يُعتبر شهرا من الأساس، ولا تدفع فيه الأجور للموظفين والعمال، ويعتبر شهرا مقدسا في الديانة المسيحية وخصوصا الكنيسة الأرثوذوكسية الشرقية، إذ تُعتبر أيام الغسل من الذنوب.
كم الساعة الآن؟
الغرائب لم تبلغ نهايتها بعد، فهناك ما يسبب ارتباكا للأجانب الزائرين أكثر من اضطرارهم للاعتماد على موقع متخصص في مقارنة التقويم.. تماما كما فعلنا حتى نصل إلى هذا الحد. العقبة التالية هي موعد بداية ونهاية اليوم، إذ لا يوجد فارق توقيت في الوقت الحالي بيننا وبين إثيوبيا تبعا لخطوط الطول والتوقيت الصيفي الحالي، ولكن التوقيت الخاص بإثيوبيا هو المنافس الأقوى للتقويم من حيث صعوبة فهمه.
اليوم يبدأ في الساعة 12:00 منتصف الليل، بصورة طبيعية، ولكن الساعة 12:00 في إثيوبيا ليست الساعة 12:00 لدينا، بل السادسة صباحا بتوقيت شرق إفريقيا، والذي لا يوجد فارق بينه وبين توقيت مصر الحالي، ليبدأ عد اليوم فعليا مع وقت الفجر.
أما نهاية اليوم، تماما كما استنتجت، فإنها توافق غروب الشمس، ما يعني أن 12:00 منتصف الليل في إثيوبيا، تتوافق بدورها مع السادسة مساء بتوقيت شرق إفريقيا، ورغم الضغوط المتكررة للتحرك نحو التوافق مع النظام العالمي سواء في التاريخ أو التوقيت، فإن إثيوبيا تظل ثابتة على مبدأها، ولم تتراجع كما فعل رئيس كوريا الجنوبية حين أنهى فوضى إحصاء أعمار المواليد في بلاده..
هذه قصة أخرى، فلسبب ما كان الطفل الكوري يولد وهو يبلغ من العمر عاما بالفعل بعد احتساب فترة الحمل، ثم يكتسب عامه الثاني مع بداية العام الجديد بصرف النظر عن تاريخ ولادته أصلا، وإذا كنت لا تزال مستعدا -أو راغبا- في اختبار حسابات معقدة أخرى مغايرة للأعراف، يمكنك خوض تلك الرحلة القصيرة من هنا.. حظا موفقا.