إلى أين يفضي أكتوبر الفلسطيني؟

منذ 1 سنة 159

كل حرب مهما كان حجمها، ومهما كان عدد المشاركين فيها من الجيوش والدول والشعوب، لا بد وأن تسفر عن ترتيبات سياسية، تقرّ فيها خرائط جديدة، وتنشأ جرّاءها كيانات متعددة، هذا إذا كنا نتحدث عن حرب عالمية أو إقليمية.

في حالة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، هي حالة حرب دائمة، لم تبدأ صبيحة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بل بدأت منذ أوائل القرن الماضي، وها هي تعبر زمناً طويلاً حتى يمكن وصفها بحرب القرنين.

بقراءة هادئة لوقائع التاريخ، نخلص إلى أن الفلسطينيين أخطأوا وأصابوا، غير أن ما يسجل لصالحهم منذ اليوم الأول لكفاحهم الوطني حتى أيامنا هذه، أنهم قدموا تضحيات جمة ربما تكون الأعلى بالقياس لعددهم، واحتفظوا بقضيتهم وحقوقهم وهويتهم الوطنية رغم ضغط ميزان القوى التقليدي، الذي هو دائماً في غير صالحهم، وكذلك رغم التفوق التحالفي لخصمهم الإسرائيلي الذي ينعم بدعم أوروبي وأمريكي دائم.

مرات كثيرة فُتح الملف الفلسطيني على محاولات حل، ومرات كثيرة وقعت انقلابات عسكرية في الحاضنة العربية كان تحرير فلسطين هو بلاغها رقم واحد. ومرات أكثر وأكثر كان حل القضية يبدو كما لو أنه قاب قوسين أو أدنى، فإذا به سراب كلما اقتربت منه لا تجد ماءً.

من التلقائيات البديهية، أن تقوم ثورة فلسطينية، بدأت بشعار تحرير فلسطين التي أقيمت عليها دولة إسرائيل، وبعد احتلال ما تبقى من أرض فلسطينية في عام 1967، وتكريس منظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب والقضية في القتال والتفاوض على حد سواء، لبَّى الفلسطينيون طلب العالم بالتخلي عن بلاغ الثورة الأول الذي انطلق في عام 1965 لينصرف الخطاب والجهد إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في عام 1967، من دون التخلي عن مطلب حل قضية اللاجئين وفق الشرعية الدولية.

بعد أكتوبر 1973 فُتح الملف من جديد، بمحادثات مصرية - إسرائيلية منفصلة عن المحادثات الأساسية بين الدولة المصرية والدولة العبرية، رفض الفلسطينيون مبدأ المحادثات التي تركزت على الحكم الذاتي، واستكمل المصريون عملهم بما أفضى أخيراً إلى تحرير سيناء بالكامل.

منذ بداية نكبتهم وإلى يومنا هذا، والفلسطينيون ينتقلون من حرب إلى حرب، ومن تشرد إلى تشرد جديد، كانت مسيرتهم مكتظة بالبطولات والإبداعات، إلا أن ما ينشدونه لم يتحقق، بل بدا بعد كل موقعة كما لو أنه يبتعد.

والآن، لنلقِ نظرة على جبهة الخصم (إسرائيل) وكيف أدّت سياساتها إلى إغلاق باب التسويات بما يفضي تلقائياً لفتح أبواب الحرب، ولنؤرّخ للحكاية منذ «مدريد» ثم «أوسلو».

في «مدريد» أفصح شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك عن أنه اقتيد إلى المؤتمر مكرهاً، وسيضيع الجميع في متاهة الزمن دون أن يصلوا إلى شيء.

أمّا في «أوسلو» فقد ابتُليت التجربة التي مرت في إسرائيل بصوت واحد، بثنائي أعلن برنامجه للوصول إلى السلطة والقرار، وأساسه تدمير «أوسلو» وما بُني عليها، ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا بقي الثنائي يحكم ويقرر في إسرائيل، فإن مات شارون فشريكه في الإجهاز على «أوسلو» لم يبق حياً فقط، بل ورئيساً لخمس أو ست دورات متتالية، محتفظاً بالأسس الليكودية المشتركة بينه وبين الراحل شارون، وهي قيد التنفيذ حتى يومنا هذا.

إسرائيل وبعد عملية «طوفان الأقصى»، وإعلانها الحرب تحت عنوان الانتقام، والدخول في مباراة أرقام حول القتلى والجرحى وفق مبدأ إن قتلتم ألفاً فسنقتل أربعة آلاف، وإن دمرتم مائة بيت فسندمر عشرة آلاف، وهكذا تسير الأمور الآن؛ ما يجعل من مجرد الحديث عن تسوية سياسية ضرباً من ضروب الجنون.

حرّكت أميركا حاملة طائرات لتقف على مقربة من شواطئ إسرائيل وغزة، وزايدت الدول الغريبة على بعضها في الحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ذلك في تظاهرة دعم وتبنٍ لخيار إسرائيل العسكري.

المنطق السليم يقول إن ما يُنتظر من أميركا وحلفائها من دول العالم هو باختصار شديد مبادرة سياسية تحيّد الحلول العسكرية جانباً، شرطها الوحيد، أن ترضي الفلسطينيين والعرب، لا أن تتماهى مع أهواء إسرائيل وأجنداتها، بذلك تضع العربة خلف الحصان، ليخرج الجميع من دوامة الاحتلال والحصار والحروب التي بدأت في بلادنا منذ ثلاثة أرباع القرن، ولا تزال ناشطة وباتساع مخيف.

ما يرضي الفلسطينيين والعرب، هو بالضبط ما ورد في المبادرة العربية للسلام، وقرارات الشرعية الدولية. بهذا تستريح إسرائيل وتريح وكذلك أميركا والعالم.