إلى أين وإلى متى؟

منذ 1 سنة 200

تفجّر الوضع في السودان، دماءً ومذابح، في حين كان السودانيون يستعدّون للعيد وبهجته وفرحته وأطفاله وسلامه. تناثرت أشلاء السودانيين على كل بلاد العرب، كالعادة، على أيدي الرجال المكلفين حماية الأوطان والشعوب. وليست هذه هوسات العسكر الأولى، ولا الثانية، ولا الأخيرة. هذه موجة أخرى من موجات العنف وارزاء حياة الناس واحتقار كرامة المدنيين، والتعدي على حقوقهم وأولها وأهمها ممارسة الحكم المدني، فيما يتوقف حق العسكر على طاعة السلطة السياسية وتنفيذ مسؤولياتها.
لم نصدق لحظة واحدة أن العسكر سوف يتقاسمون السلطة، ولا أنهم سوف يسلمونها إلى شرعيتها بعد حين. هذا أمر من علو سوار الذهب، وسوار الذهب ندري لا قاعدة. لكن أحداً لم يكن يتخيل أن طبائع الازدراء للقانون وسلامة الشعوب، سوف تبلغ هذا التهتك الدموي. على الأقل ليس في شهر الرحمة، وفي عز الصوم والابتهال وتجاوز كل شعور صغير لا يليق بصفاء وكِبَر الأيام المباركة.
هل هي «اللعنة» كما خشي عبد الرحمن الراشد، تُطفأ في اليمن فتولع في الخرطوم؟ الحقيقة أنها لم تطفأ أبداً في الخرطوم. في الخرطوم حل جعفر النميري محل محمد أحمد محجوب، رمز من رموز الفكر والأدب والسعة والانفتاح، وفي الخرطوم جعل عمر البشير العصا الراقصة رمزاً لحكمه، وخيَّر الصادق المهدي بين الإقامة الجبرية والمنفى. وفي ظل العسكر وثقافة الدبابة، ضاع الجنوب وتهاوى الشمال، وضاعت الآمال في إقامة حكم يليق بهذا الشعب المكافح وبائس الحظ.
قدم البشير لشعبه العصا وجنجاويد دارفور والاتفاق مع كارلوس راميرز والعقد مع أسامة بن لادن. وعندما خرج خارج الحدود تآمر على مصر وعلى حياة رئيسها. وكان كل ما يريده السودانيون حكومة تعالج التضخم الرهيب، وتقيم طرقاً وشوارع غير رملية في قلب العاصمة المثلثة.
الإنسان إما عسكري أو مدني. الجمع بينهما خيانة للروح العسكرية واعتداء على الروح المدنية. كل التجارب والنماذج واضحة أمامنا وتاريخها ليس بعيداً. ليس هناك من حقيقة أبسط وأسطع من هذه الحقيقة.
في هذا اليوم المبارك، ليس لنا سوى أن نأمل بيوم نهدأ فيه في كل مكان. صنعاء والخرطوم وطرابلس، وأن يعود كل فريق إلى دوره وثيابه. يكفي للعسكريين ما حل ببلدانهم. تهريج العصا وخراطيم الدبابات. كل عام وأنتم بخير.