ملخص
لم تقتصر المشاركة في "إفطار المطرية" على مسلمي المنطقة، إذ عدّ هذا اليوم فرحة وعيداً بالنسبة إلى أقباطها أيضاً
لم يعد رمضان، وتحديداً اليوم الـ 15 منه، اعتيادياً بالنسبة إلى حي المطرية شرق القاهرة، وذلك بعد أن تحولت الحواري الضيقة في "عزبة حمادة"، أحد أحياء الحي الشعبي، إلى وجهة ومزار كرنفالي يقصده المريدون من داخل العاصمة القاهرة وخارجها، حيث "إفطار المطرية" والمائدة الرمضانية الأكبر في مصر لإطعام أكثر من 10 آلاف فرد.
وعلى رغم شهرة مصر بالأجواء الرمضانية حيث انتشار الزينة في الأحياء والشوارع وتدلي الأنوار من المآذن والجوامع وتجمعات الأهالي والجيران وانتشار موائد الرحمن، تمكن "إفطار المطرية" من حجز مساحته الخاصة من الخصوصية والشهرة بعد أن استطاع القائمون عليه الحفاظ على استمراريته للمرة الـ 10 منذ عام 2013 بشكل أكبر في كل مرة عن سابقته، متجاوزين أية أعباء اقتصادية أو اجتماعية.
"بات ذلك اليوم بالنسبة إلينا هو العام بأكمله، ويعتبره المسلمون والمسيحيون عيداً، والأقارب يأتون من كل حدب وصوب ليشاركوا في صناعة الحدث، والجميع يسهمون في صناعته"، ما إن تطأ قدماك "عزبة حمادة" التي تزينت كل شوارعها بزينة رمضان والأنوار والبالونات والرسومات التراثية على جدران بيوتها إلا وتستمع إلى تلك الكلمات مع كل من تتحدث معه من أبناء تلك المنطقة، فيما يستمر العمل كخلية نحل كل في موضوعه حتى لحظة انطلاق المدفع وانطلاق الإفطار، فما هي قصة "إفطار المطرية"؟ وكيف تحولت تلك المائدة الأشهر في مصر إلى كرنفال ومزار رمضاني بعد أن بات بمثابة طقس رمضاني يقام كل عام.
قصة المائدة
"بدأت قصة إفطار حي المطرية منذ عام 2013 بتجمع عائلة الصعايدة بعزبة حمادة للإفطار معاً منتصف شهر رمضان"، يروي فارس شلش (45 سنة) بداية قصة "إفطار المطرية"، موضحاً أن "الأمر تحول بعد تجمع عائلة الصعايدة للإفطار، حيث انضم إليهم أهالي العزبة تدريجاً وبأعداد كبيرة من خارجها حتى أصبح الـ 15 من رمضان بمثابة دعوة لمصر كلها".
ويتذكر شلش مشاركاته الأولى في مائدة إفطار عزبة حمادة قائلاً "خلال الأعوام الأولى بدأت الحكاية بأسر صغيرة تتجمع على ثلاث أو أربع طاولات للأكل، ثم سرعان ما تطور الأمر حتى تجاوز العدد الـ 100 طاولة، إلى أن وصلنا اليوم لأكثر من مئات الطاولات المتراصة في نحو سبعة شوارع كاملة لإطعام أكثر من 10 آلاف فرد".
وبينما حالت جائحة كورنا دون إقامة الإفطار عامي 2020 و2021، يضيف شلش، "أفضل ما في هذه المناسبة أنها مستمرة وتتوسع بفعل حب الناس وتضامنهم ومشاركتهم الحدث"، مشيراً إلى أن الكلف كافة يتحملها أهالي المنطقة من دون غيرهم، "من اليوم التالي لانتهاء الإفطار الرمضاني في الـ15 من الشهر الكريم يبدأ الناس مباشرة في التفكير للتجهيز لإفطار العام المقبل، وعليه يبدأ الناس في الالتزام بدفع مبلغ مالي فيما يشبه الجمعية بشكل شهري لتجهيز المبالغ المطلوبة للعام التالي"، نافياً أن تكون هناك أية مساهمات مالية من خارج أهالي المنطقة.
وعن تفاصيل تلك الاستعدادات يقول الشيف أبو تامر، وهو أحد القائمين عليها، "مع انتهاء إفطار كل عام نواجه مشكلة زيادة الأعداد عن العام الذي سبقه، بمعنى أن العام الماضي جهزنا نحو 4.5 ألف و5 آلاف وجبة، وهو ما أخذناه في الاعتبار العام الحالي وجهزنا 10 آلاف وجبة، إلا أننا ندرك أن أعداد القادمين فاق تلك الأرقام".
ويتابع، "بعد الانتهاء من الإفطار كل عام نعمل جمعية تدفع كل شهر لكل الأهالي، وتبدأ من 200 جنيه (خمسة دولارات أميركية)، وكل بحسب مقدرته، وذلك حتى العام الذي بعده".
خلايا نحل لإنجاز 10 وجبات
ويقسم القائمون على تنظيم الحدث أنفسهم إلى مجموعات من أجل إنجاز المهمة على أكمل وجه وإطعام "10 آلاف شخص"، بحسب التقديرات الأولية لهذا العام.
ويقول الشيف تامر السيد، وهو أحد المسؤولين عن مطبخ الإفطار، "بدأت التجهيزات للمطبخ منذ ثلاثة أيام، فيما بدأت التجهيزات الأخرى المتعلقة بأعمال الزينة والتجميل قبل شهر من رمضان"، مضيفاً "تقسم اللجنة المنظمة المشاركين كافة إلى مجموعات، وتكلف كل مجموعة بمهمات محددة يقع تحت نطاق مسؤوليتها".
من جهته يقول الشيف أبو ردينة، المسؤول عن قسم المشويات في المطبخ، "هذا العام جهزت للطبخ 1100 كيلو من شيش اللحم"، مضيفاً "كان المطلوب مني من السابعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً أن أتبل 1100 كيلو من الشيش، وسلمتها قبل الموعد".
ويتابع، "أنا مسؤول عن المشويات، وهناك شيف آخر مسؤول عن الرز، وهناك أسرة كاملة مسؤولة عن الحلويات، ومجموعة أخرى مسؤولة عن الفاكهة، وأخرى عن المحاشي، وهناك مسؤولون عن فرش الطاولات وآخرين يوزعون الكراسي، وكذلك من يقابل الناس القادمين من الخارج، فلكل شخص مهمة يقوم بها".
من جانبه يقول محسن كمال، "نحن مجموعة تتبع قسم الحلويات، وكل عام يكون في هذا الشارع مطبخ كامل، لكن مع زيادة الأعداد هذا العام أقر المنسقون أن يكون مطبخاً وصالة، مما يعني بالنسبة إلينا أن نعمل منذ الصباح في المطبخ وبعدها في الصالة لتوزيع الوجبات على الصائمين".
ويتابع، "منسقو الحدث أقروا هذا العام أن على المشاركين في كل شارع ارتداء لون موحد من اللباس تجنباً للازدحام وعدم التنسيق، إضافة إلى أنه في كل شارع هناك مجموعات مسؤولة عن تفاصيل اليوم كافة".
وبحسب تقديرات بعض فقد تضمنت مائدة هذا العام والتي امتدت لسبعة شوارع نحو 570 منضدة، رصها الأهالي في الشارع الرئيس والشوارع الجانبية.
التضامن يتحدى الاقتصاد ويقرب الأديان
ومن بين ما أكسب "إفطار المطرية" تلك الشهرة الواسعة، وفق ما يقوله بعض القائمين عليه، حال التضامن والمشاركة الكبيرة التي تضم الأطياف والأفكار والشرائح كافة تحت هدف واحد، وهو "إنجاز اليوم على أكمل وجه".
وتقول السيدة فاتن مصطفى، "أساعد أنا وأسرتي بكل ما نستطيع على الصعيد المادي، وإضافة إلى ذلك أشارك بشخصي في الإعداد للطبخ، وهذا هو الحال على مدى الأعوام السبعة الماضية"، وتتابع "اليوم أصبح هو الفرحة والعيد بالنسبة إلينا".
وعن مشاركته هو الآخر يقول المهندس أحمد جمال، "كنت أنسق في عمليات التصوير ورسم الغرافيت على حوائط المنازل، وأصبح هذا اليوم بالنسبة إلينا الاحتفال الأهم في العام، وكل من يستطيع المساعدة بأمر فسيفعل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك لم تقتصر المشاركة في "إفطار المطرية" على مسلمي المنطقة، إذ عد هذا اليوم فرحة وعيداً بالنسبة إلى أقباطها كما يقول زكريا رمزي أندراوس (50 سنة)، موضحاً "لقد جعل هذا اليوم من المنطقة بأكملها وكأنها بيت واحد، فالجميع يشارك بأقصى مجهود لديه من أجل أن يخرج الحدث بالشكل المأمول".
ويتابع أندراوس، "قبل أن يوجد ’إفطار المطرية‘ لم أكن أعرف سوى من أقابلهم أو أحتك بهم في الحي، لكن بعده عرفت الجميع، وهذا بالنسبة إلي أذاب الفروق والمسافات التي بيني وبين الناس بفعل ظروف الحياة، والمائدة الرمضانية قربت الناس كلهم من بعض".
ويمضي في القول، "الناس يعملون بمنتهى المحبة مما جعل الأمر يتجاوز الفكرة ويصل حد المزار أو الكرنفال الذي يأتي الجميع لمشاهدته"، مشيراً إلى أن "المحبة بين الناس لم تقتصر على المشاركة في هذا اليوم فقط أو الإعداد له، بل تجاوزت إلى العام بأكمله".
والأمر نفسه بالنسبة إلى نجلته إيريني (17 سنة) التي تقول، "أصبح اليوم جزءاً من تقاليدنا ونعيد فيه سوية"، موضحة "هنا الأعياد في المطرية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين". وتتابع، "أصدقائي وزملائي وكذلك الأمر بالنسبة إلى والدتي، فهم يتابعوننا على مدار الساعة شغفاً بمعرفة التطورات التي ننقلها لهم لحظة بلحظة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويأتون للبقاء في منزلنا في هذا اليوم لرؤيته عن قرب".
مزار وكرنفال شعبي
ومن بين الأمور اللافتة وغير المعتادة في موائد الرحمن المصرية الأخرى حجم الإقبال على "المطرية" بين المواطنين والمشاهير ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن وسائل الإعلام المختلفة.
وبخلاف القادمين من الخارج فقد تحول اليوم لدى قاطني "عزبة حمادة" إلى مزار أو كرنفال، حيث قدوم الأقارب والمعارف والأصحاب من كل حدب وصوب للمشاركة ورؤية "إفطار المطرية".
تقول رنا سيد، القادمة من أحد ضواحي محافظة القليوبية في دلتا مصر، "أتيت إلى بيت عمي من أجل رؤية هذا المنظر، وقد رأيته خلال الأعوام الماضية على الشاشات وعبر منصات التواصل الاجتماعي، وهذه المرة قررت القدوم للمشاركة مع أفراد آخرين من أقاربي".
وتقول الحاجة أم عمرو، وهي صاحبة أحد المحال التجارية في المنطقة، "أنتظر هذا اليوم من العام إلى العام، وكل أقاربي من القاهرة وخارجها يأتون للاحتفال معي"، وهو الأمر ذاته بالنسبة إلى الحاجة أم هيثم، حيث تقف في أحدى النوافذ وإلى جوارها أقاربها من محافظتي الشرقية والسويس شرق القاهرة.