إسرائيل تقضم الأراضي السورية بحجج واهية

منذ 16 ساعة 19

دخول القوات الإسرائيلية إلى منطقة الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية على هضبة الجولان السورية غيّر الوضع العسكري والسياسي الذي كان قائماً منذ اتفاق الفصل بين القوات الذي توصل إليه البلدان عام 1974 بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 ودبلوماسية وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر المكوكية. فاجأ احتلال إسرائيل الجديد للمنطقة الفاصلة الرأيَ العام العربي والدولي لأنه لم يصدر أي تهديد لها من الحكم الجديد في دمشق وعدّت الأمم المتحدة خطوة إسرائيل خرقاً لاتفاق فصل القوات.

أرسلت إسرائيل رسالة إلى مجلس الأمن في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2024 اشتكت فيها من دخول «مجموعات مسلحة إلى المنطقة العازلة وقالت إنها استهدفت قوات «الإندوف»، (قوات الأمم المتحدة للفصل والمراقبة). وقالت الرسالة إنه «رداً على هذا الخطر الأمني»، اتخذت إسرائيل «إجراءات محدودة ومؤقتة» لمواجهة «أي خطر على مواطنيها». وأكدت إسرائيل أنها «لا تزال ملتزمة بإطار اتفاق 1974 لفصل القوات بما فيها المبادئ المتعلقة بمنطقة الفصل».

واستغرب دبلوماسيون أميركيون سابقون وآخرون غربيون تحجج إسرائيل بالتهديد من المجموعات المسلحة والقيام بخطوتها هذه بعد انسحاب الإيرانيين و«حزب الله» من سوريا. وقال أحدهم: «كان يمكن أن ترسل إسرائيل رسالة إيجابية لسوريا الجديدة. ووصف ذلك بفرصة ضائعة وغلطة كبيرة».

الإدارة السورية الجديدة أرسلت في 9 ديسمبر الماضي أيضاً رسالة إلى مجلس الأمن «أدانت فيها بأشد العبارات هذا العدوان الإسرائيلي الذي يمثل انتهاكاً جسيماً لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974، ويتعارض مع قرارات مجلس الأمن 242، و338، و497». وطالبت الرسالة مجلس الأمن بـ«تحمل مسؤولياته واتخاذ الإجراءات الحازمة والفورية لإلزام إسرائيل بالوقف الفوري لاعتداءاتها المستمرة على الأراضي السورية وضمان عدم تكرارها وانسحابها الفوري من المناطق التي توغلت فيها على مدى الأيام الماضية والالتزام التام باتفاق فض الاشتباك وولاية الإندوف».

رد الفعل الأميركي أظهر تفهماً لمخاوف إسرائيل الأمنية، ولكنّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال إنه يجب الالتزام بمنطقة الفصل، «ونعتقد أن انتشار إسرائيل يجب أن يكون مؤقتاً كما قالت، ويجب الالتزام باتفاق فصل القوات لعام 1974».

ولكن إسرائيل تصرفت على الأرض بشكل مغاير لرسالتها إلى مجلس الأمن. احتلت إسرائيل منطقة الفصل، وتقوم بتضييق وعرقلة حرية الحركة على القوة الدولية وتمنع قوات «الإندوف» من القيام بمهامها وبالمراقبة والتفتيش لمنطقة الفصل عبر إقامة حواجز وعقبات، وفق دبلوماسيين يتابعون المسألة. وتقوم إسرائيل ببناء مواقع لا يبدو أنها مؤقتة لأنها مواقع صلبة. والتضييق لا يطول قوات الأمم المتحدة فقط وإنما الأهالي السوريين في القرى التي احتُلت، حيث يقولون للصحافيين إن القوات الإسرائيلية تقوم بمنعهم من العودة إلى منازلهم في المنطقة العازلة وإن عمليات تفتيش المنازل والتضييق على الحركة تمنعهم من الحياة الطبيعية ولا يعرفون مصيرهم.

أما سياسياً فقد تحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزيرا خارجيته ودفاعه، ليثبتوا واقعاً جديداً على الجولان. نتنياهو قال إن إسرائيل ستبقى في الجولان «إلى الأبد». وخلال زيارته منطقة الجولان والمنطقة الجديدة المحتلة قال إن القوات الإسرائيلية ستبقى في المنطقة العازلة على الجانب السوري خصوصاً على قمة جبل الشيخ «حتى يتم التوصل إلى ترتيبات أخرى تضمن أمن إسرائيل». ثم وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لتمويل الاستيطان على الجولان ومضاعفة سكانه. والمنطقة منزوعة السلاح مساحتها 400 كلم مربع ستضاف على ما يبدو إلى الأراضي السورية الأخرى المحتلة منذ 1967 وإلى الأراضي الأخرى التي دخلتها إسرائيل مؤخراً ولم يوفر احد بعد رقماً عن مساحتها.

البعض هنا يرى أنه كان على واشنطن أن تتخذ موقفاً حازماً عندما خرقت إسرائيل اتفاقاً أميركياً هو أحد أسس دبلوماسيتها في السلام في المنطقة إلى جانب اتفاقية كامب ديفيد والسلام الأردني - الإسرائيلي.

ويرى دبلوماسي سابق عمل في المنطقة أن «سوريا فقدت الجولان إلى الأبد. على الأقل الجزء الذي احتلته إسرائيل رسمياً». ولكن ماذا عن المنطقة المحتلة حديثاً؟ وهل يمكن العودة إلى ما قبل التحرك الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة؟

هذا وفق الخبراء يعتمد على أمور عدة. ويشير هؤلاء إلى أن إسرائيل لم تطلب من قوات «الإندوف» الانسحاب، كما حاولوا مع «اليونيفيل» في لبنان وفشلوا، كما أن مجلس الأمن وافق في 20 ديسمبر على تمديد قوة فصل القوات على الجولان لمدة 6 أشهر، وهذا جري بموافقة واشنطن، وهذان أمران إيجابيان، ولكن الذي سيحدث من الآن حتى يونيو (حزيران) المقبل سيعتمد على ما سيفعله الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكيف سيتعامل مع هذه المسألة. وكان ترمب خلال ولايته الأولى قد اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، وبايدن لم يغيّر هذا الاعتراف. فهل يقبل ويسمح لإسرائيل بضم أراضٍ أخرى أم يخاف على تأثير ذلك على أجندة السلام التي يَعِد بها في المنطقة؟

نتنياهو تحدّث عن الحاجة إلى ترتيبات جديدة في الجولان ويقول هذا الدبلوماسي إنه «ممكن أن تحاول إدارة ترمب استبدال اتفاق جديد في الأمم المتحدة باتفاق 1974».

ولكنّ الكثير سيعتمد أيضاً على ما تفعله الإدارة السورية الجديدة التي تواجه تحديات كبيرة داخلية وخارجية، ولكنّ تركيزها على ملف الجولان قبل فوات الأوان يمكن أن يوفر عليها الكثير من التحديات مستقبلاً. الوقت ليس في صالح الإدارة الجديدة أو في صالح أهالي الجولان والإسراع في التركيز على هذا الملف عبر التغيير على الأرض على الرغم من الصعوبات التي يواجهونها، وعبر تفعيل الدبلوماسية حول الجولان لمحاولة إنقاذ الاتفاق إذا كان ذلك لا يزال ممكناً. يبدو أنهم قاموا بخطوة إلى الأمام عندما أعادوا المنسق السوري العسكري على الجولان مع الأمم المتحدة حول عمل «الإندوف»، وفصل القوات بعد فراغ، وعاد التنسيق مع «الإندوف»، ولكن ليس بالوتيرة والاستمرارية والقوة السابقة. ويبدو أن هناك حاجة إلى خطوط تواصل منتظمة وفعالة والتنسيق الأفضل مع هذه القوات.

التقارير تقول إن هناك محاولات سورية تجري للحفاظ على الاستقرار الأمني والعسكري على الجانب السوري، وهذا ضرورة ملحّة إذا كانت سوريا تأمل أن تعيد الحياة إلى اتفاق الفصل، وعدم إعطاء إسرائيل الذرائع.

واتخذت الدول التي شاركت في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقد في الرياض، أول من أمس، موقفاً واضحاً من رفض الواقع الذي تفرضه إسرائيل على الأرض عندما عبَّر المجتمعون عن قلقهم «بشأن توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع المجاورة لها في جبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة، مؤكدين أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها». إنَّ ترجمة هذا البيان عبر خطوات دبلوماسية، حيويٌّ لمنع المؤقت من أن يصبح دائماً لإحداث تغيير.

ولا نعرف ما إذا كانت الإدارة السورية الجديدة، المدعومة من المجتمع الدولي، ستفتح حواراً قريباً مع الإدارة الجديدة في واشنطن حول هذا الموضوع لتأكيد أن ما تحتاج إليه المنطقة اليوم هو الحفاظ على الاتفاقات وأسس السلام في وليس فتح فجوة لنزاع جديد.