علي الاعتراف بأنني لم أشاهد فيلم "روضة الأب" Daddy Day Care الكوميدي الصادر عام 2003 من بطولة إدي ميرفي، وهذه حقيقة مثيرة للسخرية نظراً إلى أن نصف الأشخاص تقريباً الذين قابلتهم منذ أن أصبحت أباً يعتقدون أن العمل هو قصة حياتي.
بشكل متكرر يرد ذكر الفيلم الذي يدور حول رجلين غير كفؤين يديران روضة أطفال، وإذا أخبرت شخصاً ما عن خططي لقضاء اليوم التالي مع النسخ المصغرة مني التي تحمل جيناتي، على سبيل المثال، يكون رد الفعل الشائع (ولو أنه عديم الذوق جداً) "أوه، مرحباً روضة الأب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صحيح الآن أن هناك أشياء كثيرة أسوأ يمكن أن يسمعها المرء، لكن على رغم ذلك فإن الفكرة التي تصلني دائماً هي أن كثيراً من الناس لا يزالون غير قادرين على تصور أن الآباء الرجال هم أكثر من مجرد جليسي أطفال، وهذه مشكلة للجميع لأنه إذا استمر المجتمع في الانصياع للأمهات تلقائياً فلن يشغل الرجال أبداً مكانة مسؤولية حقيقية في حياة الطفل، وأتمنى ألا يفهم من كلامي أنني ألوم أي شخص على الاستخفاف بالرجال.
قبل بضع سنوات سمعت النائبة العمالية المخضرمة هارييت هارمان تتحدث في إحدى المناسبات، فجاءت بشكل عابر على ذكر "الرجل المعاصر"، وهي ظاهرة ثقافية في طفولتي في الثمانينيات والتي توقعت موجة جديدة من الرجال الذين يطفئون السجائر ذات التبغ القوي وعديمة الفلتر ويحملون الرضع.
خمنت هارمان بسأم، "كنا جميعاً ننتظر ظهور الرجل المعاصر، وفي النهاية لم يظهر أبداً، أم هل فعل ذلك؟"
أفكر في هذا الكلام كثيراً عندما أشاهد آباء متفاخرين بعض الشيء يحاولون لفت الانتباه ويعبرون عن آرائهم في قضايا الأبوة والأمومة الدقيقة والمثيرة للخلاف في يومنا، أهمية التواصل الجسدي مباشرة بعد الولادة، مساوئ الألعاب البلاستيكية، وكم هو مروع أن ترتدي الفتيات اللون الوردي بينما يرتدي الأولاد اللون الأزرق، وما إلى ذلك.
لكن اسأل معظم الرجال عن مكان الدفتر الطبي لطفلهم وستجد هؤلاء الرجال نفسهم غير قادرين على الإجابة، ويمكنهم الكلام كيفما يشاؤون ولكن في حالات الأبوة بين شريكين ذكر وأنثى تكون الأم دائماً هي من يتحمل أثقل الأعباء وأكثرها تعقيداً.
نحن نعلم أن هناك خللاً في التوازن، لكن كيف تتعامل مع النصف ضعيف الأداء؟ يؤسفني حقاً أن أقول هذا لكن قد يتجاوز الفارق مجرد وصف الأب بأنه حثالة كسولة عديمة النفع.
أتذكر دائماً تقريراً قرأته عندما كان ابني الأكبر في الثانية من عمره، وذكر أن الأطفال يستفيدون أكثر في الحياة من الآباء السعيدين بكونهم آباء، فالأطفال الذين أظهروا علامات أقل على وجود مشكلات سلوكية قبل سن المراهقة كانوا أولئك الذين نشأوا على أيدي رجال كانوا يشعرون بالثقة في وضعهم كآباء ومندمجين مع الأبوة، ومن اللافت للنظر، وفقاً للبحث، أن أثر هذا في حياة الطفل كان أكبر من تأثير أشياء مثل الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، ولذلك فإن الأب الذي يشعر بالرضا عن كونه أباً والذي يشعر بأن وجوده له معنى وبالحماسة وبالدافع، هو الشيء الأكثر فائدة لكل من الأطفال والمجتمع ككل. من النادر بالنسبة إليّ أن أعرف كثيراً عن نظرية الأبوة، وأقول بكل صدق إن كوني أباً، مثل حوالى 95 في المئة من الآباء ذوي النيات الحسنة الذين أعرفهم، هو مثل كوني جورج دبليو بوش، أتصرف بالسليقة وليس على أساس أي ذخيرة مهمة من المعلومات أو المعرفة أو القاعدة الفكرية، وبغض النظر فهناك كثير من الآباء المعاصرين يجدون أنفسهم في تلك المنطقة الغريبة غير الواضحة من الشعور في الوقت نفسه بالفخر لكونهم آباء ولكنهم أيضاً غير متأكدين تماماً من أدوارهم كآباء، وهم قلقون من أنهم لا يفعلون ما يكفي وغير متأكدين ما هي مقومات الأب الجيد، وبالتالي فليسوا قادرين دائماً على بلوغ مستوى الرضا الضروري كما أوضح تقرير عام 2016.
هل نحن رجال جيدون لأننا نقوم بأكثر مما فعله آباؤنا؟ أم سيئون لأننا لسنا تماماً بسوية شريكاتنا الأمهات نفسها؟
إنها قضية أكبر من أن نتجاهلها، وأنا متأكد من أن الآباء لا يريدون شهادة تقدير أو ميدالية، لكنهم يريدون ذلك الإحساس بالهدف والإنجاز، إلا أنني لست متأكداً من أننا كمجتمع مستعدون لذلك، وعندما حاولت الاقتراب من هذا الموضوع مع بعض الآباء الذين قابلتهم والذين هم في أعلى مستوى يمكن تخيله من النشاط والانخراط، وجدت أن مستويات الشك بأنفسهم لا تقاس.
بالطبع فإن آخر ما نريده هو اندلاع حرب تقليدية بين الآباء والأمهات مبنية على أساس الجنس الآن أو في أي وقت من الأوقات، فالأمهات لديهن صراعات يوجد منها حوالى 988 مليوناً، من التهاب الثدي إلى البواسير إلى الغرباء الذين يريدون التحدث معهن عن البواسير، لذا فمن غير العقلانية عدم دعمهن في كل واحدة من تلك الصراعات، لكن في سياق تجربتي الخاصة لكوني أباً يتخذ موقفاً وسطياً بين تعلق الأبوة والأمومة والإرضاع الطبيعي لفترة طويلة، وهما مهمتان ملحميتان شاقتان تتولاهما الأم، كانت لدي بالتأكيد تشكيلة خاصة من الشعور بعدم الثقة تكونت من وجودي على الهامش.
بالنسبة إليّ فإن كوني منفصلاً عن تعلق الأبوة والأمومة، بينما أحاول وضع صغاري في السرير الذين لا يتوقفون عن الصراخ مطالبين بأمهم، هو من دون تحيز أمر مزعج جداً، والأسوأ من ذلك على كل حال كان قلقي المستمر حيال ما إذا كنت سأتجاوز تلك المرحلة وأكوّن رابطة حقيقية مع أطفالي، ويسعدني أن أقول إن الأمور تحسنت وتقوّت علاقتي بأطفالي، لكن عدداً من الآباء الذين قابلتهم خلال هذه الرحلة عاشوا السيناريو نفسه بالضبط، الشعور بأنك غريب في عائلتك، ومع ذلك فقد دفنوا ذلك الشعور في دواخلهم من دون وجود طريقة طبيعية للتخلص منه، مثل مشروب عشبي مهلوس لكنه لا يسبب التقيؤ.
وصل كل هذا إلى ذروته أخيراً عندما أخبرت أباً آخر أنه يقوم بمجهود رائع حقاً، ولقد كان أباً مرحاً يسهل الوصول إليه ويعيش وسط سيل من الويلات في حياته الشخصية، ورداً على تعليقي، حيث كان يبدو عليه ذلك المزيج المثالي من السعادة والارتباك، لم يعرف تماماً كيف يتصرف أو يرد.
كان موقفاً كوميدياً لطيفاً وحلواً وحزيناً ومضحكاً، كل ذلك في آن معاً، لذلك سأكتفي بالقول إنه إذا كان الآباء حولكم يقومون بأكثر من مجرد ما فعله البطلان في "روضة الأب"، وإذا كانوا يقومون بالمهمات المملة ويأخذون زمام المبادرة وقادرون على حجز موعد مع الطبيب من تلقاء أنفسهم، ويقترحون أخذ إجازة أبوية مشتركة، ويعرفون قياس الحفاضات التي يجب شراؤها، وينظمون الدعوات لحفلات أعياد الميلاد، حينها أحثكم على إخبارهم بأنهم يقومون بعمل جيد.
أرغموا أنفسكم على قول ذلك وقولوه حتى لو لم تكونوا مقتنعين به إذا لزم الأمر، وحتى لو كانوا يفعلون عدداً قليلاً من هذه الأشياء فامتدحوهم على أية حال، فمقدار التأييد الذي سيشعرونه به عند سماع ذلك سيكون ضخماً، ولا تخبروا مجتمع الرجال أنني قلت ذلك، لكن بصراحة نحن الرجال شديدو الضحالة لدرجة أنه يمكننا حقاً أن نعيش على قليل من الثناء مثلما يستطيع سنجاب البقاء على قيد الحياة بالاقتيات على حفنة من المكسرات.
الفوائد التي تعود على المجتمع هائلة، ونحن بحاجة إلى جيش من الآباء (وليس مسلسل "جيش الوالد" الكوميدي)، وكلما زاد عدد الرجال الذين يمكننا أن نضعهم على الطريق الصحيح نحو هذا الإحساس الأبوي المقدس بوجود الهدف والرضا الذي يحتاجه الأطفال ويتوقون إليه، كلما كان ذلك أفضل.
ربما يكون شيئاً من العبارات الإعلامية المستهلكة والمثيرة للسخرية أن تتحسر على عدم وجود نماذج أبوية إيجابية في المجتمع، وأن تأمل أن نرى جيمس بوند في فيلمه المقبل وهو يحمل طفلاً على صدره بواسطة حمالة الأطفال، أو التذمر من أن كل شيء يحوي كلمة "أب" هو في الأساس شيء معطوب تماماً (كأن يشير توصيف "جسد أبوي" إلى أنه لا يتمتع باللياقة، و"نكتة أبوية" إلى كونها سمجة" و"رقصة أبوية" إلى كونها سخيفة وما إلى ذلك).
على كل حال فبعد سنوات من التحدث إلى زملائي في الأبوة عندما أصادفهم في أماكن اللعب أو مجموعات اللعب أو الحانات، أعتقد حقاً أن هناك حاجة إلى رفع عامل الشعور بالرضا في الأبوة الذكورية، وجزء كبير من قراري أن أصبح أباً هو أنني كنت أمتلك أجمل وألطف أب يمكن تصوره، وقد شعرت وكأنني سأقصر في أداء واجبي إن لم أنقل طاقة الأبوة الجيدة تلك.
رأيت كيف ظل منخرطاً وراعياً طوال حياتي وليس فقط عندما كنت صغيراً ولطيفاً، فأنا أب منذ ثماني سنوات وأتمنى أن أمتلك ما يلزم لمواصلة المسيرة كما فعل أبي.