♦ الملخص:
فتاة تكره أهلها، وهي منفصلة عنهم، ولا تريد العودة إليهم؛ لأنهم – كما تقول – آذوها كثيرًا، وتريد أن تنساهم، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
أهلي يؤذونني، كرهتهم، ولا أستطيع أن أسامحهم وأن أعود للعيش معهم مثلما كنت، هم لا يشعرون بما أشعر، حتى إنهم يظنون أنني عندما أتركهم وأبقى مع قريبتي يومين سأنسى ما فعلوه بي، لكن ذلك لم يحدث؛ فأنا منفصلة عنهم منذ أربعة أشهر، وفي كل يوم يمر، يزداد كرهي لهم، لأنهم آذوني، وجعلوني أشعر بالكره؛ فأنا لم أكن أعرف معنى الكره، ولم أكره أحدًا في حياتي، وبسببهم ذهبت لطبيب نفسي، وكتب لي علاجًا للاكتئاب، لكني أشعر أنني لا أحتاجه؛ لأنه لن يصلح ما أفسده أهلي، أريد نسيانهم؛ كي أرتاح، وأستطيع إكمال حياتي، ما الحل؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
١- كنتِ تناصحين أهلكِ، ولا يسمعون لنصائحكِ، وكنت تحذرينهم من بعض الأمور غير المناسبة، ولا يستجيبون لتحذيراتكِ، ثم يحصل ما حذرتِهم منه.
2- وتقولين: إنه بسبب عدم استجابتهم ضاع أخوكِ مع أهل المخدرات، وأصبح مدمنًا.
٣- ثم تقولين: إنهم آذوكِ، وأنكِ كرهتِ أهلكِ، وتركتِهم، وعشتِ عند قريبة لكِ.
٤- وراجعتِ طبيبًا نفسيًّا ووصف لكِ دواءً للاكتئاب، رفضتِ تناوله؛ لاعتقادكِ أنه ليس حلًّا لمشكلتكِ، ولن ينسيكِ أخطاء أهلكِ عليكِ.
٥- وتقولين: إنكِ تكرهينهم، وتكرهين كرهكِ لهم.
لذا تتمنين أن تنسيهم، وأن تعيشي وحدك.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو من ملامح مشكلتكِ أن هناكِ أمورًا معرفتها مهمة لمن يريد حل مشكلتكِ؛ مثل:
ما مستوى استقامة أهلكِ الدينية؟
ما مستواهم الثقافي؟
هل أنتِ مثالية تريدين كل شيء كاملًا، وتنزعجين عند حصول أي نقص أو خلل؟
كيف أسلوب تعاملكِ مع أهلكِ في النصائح؟ هل هو أسلوب الود والحكمة، أم أسلوب التعالي والتسفيه لهم؟
هل لديكِ مرض نفسي أو وسواس أدى بكِ للاكتئاب، واستدعى نصح الطبيب لكِ، بتعاطي دواء الاكتئاب؟
ثانيًا: أيًّا كانت إجابتكِ على الاستفسارات السابقة يبدو لي أن هناك أوجه قصور عند أهلكِ وعندكِ؛ منها ضعف مستوى التدين لدى أهلكِ، وضعف ثقافتهم الدينية، وربما ضعف تربيتهم، وأنتِ يبدو أنكِ حساسة جدًّا، ولم تعرفي كيف تتعاملين مع الثغرات الموجودة عند أهلكِ، وربما أنكِ تعاملتِ معهم بشيء من التعالي والتسفيه، أدى لرفضهم لنصائحكِ.
ثالثًا: حقوق الوالدين ليست مجرد مكافأة على معروف يمكن نسيانه بمجرد وقوعهم في بعض الأخطاء، بل هي واجب شرعي متحتم، ومكافأة لهما أيضًا؛ ويدل لذلك أن الله سبحانه أمر ببرِّ الوالدين، وجعله قرين الأمر بإخلاص العبادة له سبحانه؛ فقال عز وجل: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].
بل إن الله سبحانه أمر ببرهما ولو كانا مشركَين، ويأمران أولادهم بالكفر، مع عدم طاعتهم في الكفر؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].
ولما سبق أوصيكِ بالاجتهاد في برهما؛ طاعة لله سبحانه؛ فبرهما سبب لحصول الخيرات ودفع المضرات، وربما أن تفاقم مشكلتكِ بسبب عقوق حصل منكِ تجاههما، أما كرهكِ لهما، فهو غير جائز لكِ، وسبب للعقوق الذي هو من كبائر الذنوب، فلكِ أن تكرهي الأخطاء فقط، وليس كره والديكِ.
رابعًا: لا يستبعد أنكِ تعانين من مرض نفسي لا علاقة له بتعامل أهلكِ معكِ، بل قد يكون سابقًا له، وموتِّرًا لعلاقتكِ معهما، ويبدو أن الطبيب أدرك ذلكِ؛ ولذا وصف لكِ علاج الاكتئاب.
خامسًا: لا تنسي العلاجات الشرعية المهمة جدًّا، بل هي أعظم العلاجات؛ وهي:
١- المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها مع نوافلها وأذكارها.
٢- الإكثار من تلاوة القرآن ورقية نفسكِ به؛ فهو عبادة عظيمة، وثواب جزيل ومطمئن للقلوب؛ قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وأعظم الذكر هو الصلاة والتلاوة.
٣- عليكِ بأعظم شيء؛ وهو صدق اللجوء لله سبحانه بتفريج كربتكِ، وتوفيق أهلكِ لحسن التعامل معكِ، وتوفيقكِ لبرهما والإحسان إليهما؛ قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
سادسًا: لا بد من جلسة محاسبة لنفسكِ، تفقَّدي فيها علاقتكِ بأهلكِ: هل كنتِ ترفعين صوتكِ عليهما وتعاملينهما بالندية أو التسفيه؟ إن كان شيء من ذلك حصل، فاستغفري الله، واندمي عليه، واعتذري عندهما.
سابعًا: تخلصي نهائيًّا من المثاليات الزائدة وتقبلي ما عند أهلكِ من قصور في التعامل، أو اجتهادات خاطئة حصلت بسبب ضعف استقامة، أو ضعف أخلاق، أو ضعف ثقافة دينية.
ثامنًا: كل ما يصيبكِ من أذًى أنتِ مأجورة على الصبر عليه؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
تاسعًا: ولا تنسي علاجًا شرعيًّا آخر مهمًّا جدًّا، وله أثر قوي، ما هو؟! هو الاسترجاع؛ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها))؛ [مسلم].
حفظكِ الله، وفرج كربتكِ، وأعانكِ على بر والديكِ.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.