اعتاد الباحثون في محطة أبحاث الكائنات البحرية "غريتا فيرست نايشنز" في مقاطعة "بريتيش كولومبيا" بكندا على رصد أنثى الحوت الأحدب، التي أطلق عليها اسم "مون" "أي قمر بالعربية"، قرب شواطئ كندا على المحيط الهادئ.
وفي كل خريف منذ 10 أعوام، يتابع الباحثون المهتمون بالحياة البحرية البرية بخاصة الحيتان وهذا النوع منها "الأحدب" لندرته وجود أنثى الحوت هذه في مياه المحيط القريبة من الشاطئ، حيث تتغذى على نوع من القشريات البحرية عالي القيمة الغذائية، هو "الكريل".
وقبل عامين، شاهدها الباحثون في المحطة ومعها وليد صغير، وكما تقول رئيسة مركز "بي سي ويلز" لدراسة الحيتان وكبيرة الباحثين فيه جاني راي فإن الحيتان الحدباء تقطع رحلة سنوية طولها نحو خمسة آلاف كيلومتر في عمق المحيط لتنتقل مع بداية الشتاء من الشمال، حيث المياه الباردة عند شواطئ آلاسكا وشمال كندا إلى المياه الدافئة قرب جزيرة هاواي ناحية السواحل الجنوبية للولايات المتحدة.
وهناك تقوم بالتزاوج والولادة قبل أن تعود مع الربيع قاطعة تلك المسافة في رحلة إياب إلى الشمال، وتقول راي "إن أنثى الحوت الأحدب "قمر" ربما ولدت أصلاً قرب هاواي وجاءت أول مرة مع أمها إلى قرب شواطئ كندا".
يبلغ طول الحوت الأحدب البالغ، 50 قدماً (أكثر من 15 متراً)، ويزن 90 ألف رطل "أكثر من 40 ألف كيلوغرام"، ويقطع مسافة رحلتي الشتاء والصيف البالغة 10 آلاف كيلومتر معتمداً على زعنفة الذيل القوية مع زعانف الصدر الصغيرة للعوم في مياه المحيط التي تتباين طبيعتها ما بين جليد هنا وتيارات هناك.
إصابة الظهر
في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي التقطت كاميرا مثبتة في طائرة مسيرة (درون) صورة لحوت أحدب مصاب إصابة بالغة في أسفل الظهر، وبدا الجزء الأسفل ملتوياً في شكل حرف "S" ما يشير إلى أنها إصابة ناتجة من اصطدام قوي بسفينة أو قارب، وتعرف الباحثون على الحيوان بأنه أنثى الحوت الأحدب "قمر".
وهذا الشهر التقطت صورة أخرى لها قرب هاواي وهي في حالة مزرية من الضعف والوهن، وتغطي الحشرات جلدها، ويتوقع الباحثون ألا تعيش طويلاً بعدما قطعت كل تلك المسافة على مدى أشهر وهي تعوم بظهر مكسور، وهذا ما جعلهم يطلقون تحذيراً قوياً بشأن سلامة الحيتان النادرة في تلك المنطقة المزدحمة بحركة القوارب والسفن، وأيضاً الكائنات البحرية الضخمة مثل الحيتان. وتنقل صحيفة "الغارديان" عن جاني راي قولها عن رحلة الأشهر الثلاثة لأنثى الحوت الأحدب المصابة، "من دون استخدام زعنفة الذيل، بالتأكيد استخمدت زعانف الصدر الصغيرة لتقوم برحلة الهجرة، إنه جهد رائع، لكنه يفطر القلب في الوقت نفسه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع زيادة السكان في مقاطعة "بريتيش كورومبيا" الكندية، زادت حركة السفن والقوارب في المنطقة وهو ما أصبح يشكل خطراً على الحياة البحرية، وتقول راي عن إصابة الحوت، "ليس الأمر كإصابتها بمرض جلدي أو أي عارض صحي، لا بد أنها تعرضت لحادث اصطدام كبير، لم أر شيئاً مثل هذا في كل عمري كباحثة".
ومع أن المثل الشائع يقول إن "الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه"، لكن الواضح أن تلك الضربة قصمت ظهر "قمر" مما جعلها على وشك الموت، لكن لماذا غامرت أنثى الحوت الأحدب المصابة برحلة الخمسة آلاف كيلومتر عائدة من شواطئ كندا وآلاسكا إلى شواطئ الولايات المتحدة والمكسيك؟
تقول راي، "رحلة الهجرة السنوية هذه جزء من ثقافتها ونوع من التقاليد، فهي ربما ولدت أصلاً في هاواي لذا هي تعود إليها كل عام لأن هذا ما علمتها أمها أن تفعله.. إنه أمر ينتقل من الأم إلى الوليد، وهذا ما جعلها تعوم كل هذه المسافة إلى هناك على رغم إصابتها".
حالة ميئوس منها
ونتيجة فقدانها قوة الدفع الأساسية التي توفرها زعنفة الذيل نتيجة كسر أسفل ظهرها، استنفدت أنثى الحوت كل ما في جسمها من مخزون الدهن لتعوم بصدرها. وهذا ما يجعلها على وشك الموت لاستنفاد كل ما لديها من غذاء في جسمها في مياه المحيط جنوباً.
وما يثير غضب وحزن الباحثين في محطة الأبحاث الكندية أن حالة أنثى الحوت الأحدب "قمر" ميئوس منها تماماً لأنه لا يمكنهم فعل أي شيء لمساعدتها.
تقول جاني راي، "إنها تعاني بشدة، لكنها ما زالت حية، ونعرف أنها لن تعود إلينا هنا ثانية، فهي ستموت قريباً وكلنا نقول ليت ذلك يحدث بسرعة فهو أفضل لتتخلص من معاناتها".
فمحاولة تخدير الحوت الأحدب سيتطلب مزيجاً كبيراً من المواد السامة، وهوما يشكل خطراً على الأحياء البحرية التي ستتغذى عليها بعد ذلك، وتضيف راي، "لو أنها كانت على اليابسة كان يمكننا التدخل، لكن لأنها في المحيط وبسبب حجمها الهائل ليس هناك ما يمكننا فعله لها، وهذا ما يفطر قلبك أكثر".
تأمل جاني راي والباحثون في محطة الأحياء البحرية في "بريتش كولومبيا" أن تكون قصة أنثى الحوت الأحدب "قمر" صرخة تحذير من أخطار حركة الملاحة على الحيتان، ففي الأشهر الأخيرة تمدد عدد من الحيتان الحدباء نافقة على شواطئ المقاطعة، كلها نتيجة الاصطدام بالقوارب والسفن.
ويطالب الباحثون أصحاب القوارب بشكل خاص بالتزام الحيطة والحذر، وذلك بإبطاء السير في مناطق وجود الحيتان، فمهما كانت مهارة قبطان المركب، لن يمكنه تفادي حوت ضخم يظهر أمامه فجأة، فالأسلم هنا هو إبطاء السرعة، أوكما تقول راي "كما أن هناك مناطق بسرعات منخفضة للسيارات حول المدارس، نريد مناطق سرعات منخفضة للقوارب حيث توجد الحيتان".