أميركا وأوكرانيا خارج الأطلسي تجنباً لحرب عالمية ثالثة!

منذ 1 سنة 146

بعد عشرين شهراً على اندلاعها، تستمر الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا بلا حسم أو أفق للحل، وقد غرق الطرفان في مستنقع وحل عميق ويتمسك كل منهما بحلفاء يمدّونه بالسلاح والمال ويدعمونه في المحافل الدولية، ولو كانوا يتوجسون الانزلاق في المستنقع. في منتصف الأسبوع الماضي سقطت صواريخ أوكرانية متوسطة المدى في محيط مدينة سمفيروبول في شبه جزيرة القرم فدمرت منصات دفاع جوي روسية، كما أُصيبت فرقاطتان بحريتان في هجوم آخر، وقد ردت روسيا بقصف مدينه أوديسا وهي آخر مرافئ أوكرانيا البحرية التي يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جاهداً الوصول إليها ليحوِّل أوكرانيا بلداً مقفلاً أمام الملاحة البحرية.

في تقرير لمجلة «ميليتري واتش ماغازين» المتخصصة في القضايا العسكرية والدفاعية، أفاد بأن هناك نقصاً حاداً في ذخيرة الجيش الروسي وأن المسيّرات التي حصل عليها من مصادر متعددة أُبطل مفعولها بعد تزويد أوكرانيا بصواريخ ذكية مضادة. وتقول مصادر إعلامية قريبة من الروس أن بوتين ينتابه مزيج من مشاعر الغضب واليأس والانتقام يجعل التحدث معه بمنطق وعقلانية أمراً صعباً بخاصة إذا كان الأمر يتعلق بتسوية سلمية لإنهاء الحرب، فهو يريدها فقط باستسلام الأوكرانيين بعد هزيمة ساحقة ماحقه يلحقها بهم. من هنا كان اجتماعه المفاجئ مع كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية، الذي حسب بعض التقارير طلب خلاله الرئيس الروسي الحصول على صواريخ بعيدة المدى لقاء عقود غاز ونفط منخفضة الأسعار، وهو يعتقد أنه إذا تم هذا فإن قواعد اللعبة ستتغير لصالحه. إلا أن هناك اعتقاداً غربياً بأن الصين ستضغط على كوريا الشمالية لعدم تزويد روسيا بالصواريخ لأن في هذا تصعيداً خطيراً قد يؤدي إلى انفجار عسكري عالمي لا مصلحة للصين بحصوله.

وكان للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جولات مكثفة على وفود دول الناتو في أثناء وجودهم في اجتماع الحلف الأخير في شهر يوليو (تموز) الماضي، والتي طالبهم فيها بضرورة القبول الفوري بانضمام أوكرانيا للحلف لما يشكل هذا رادعاً لبوتين فيما يمكن أن يُقْدم عليه من مغامرة عسكرية كارثية. إلا أن طلب زيلينسكي لم تتم تلبيته لأن دول الحلف الكبرى لا تريد التصعيد والدفع نحو الهاوية رغم اختلاف الأسباب بين الدول الأعضاء لهذا الطلب.

بغضّ النظر عن نهجهم المتباين، يتفق الأعضاء على جانب واحد: إن انتماء كييف إلى حلف شمال الأطلسي سيفَعّل المادة 5 ويصّعد احتمال حدوث صدام مباشر بين الحلف وروسيا ما دامت الحرب. وبالتالي، لا ينبغي لأوكرانيا الانضمام إلى هذه المنظمة خلال الحرب. ومع ذلك، هذا مجرد مبرر واحد لتأجيل انضمام أوكرانيا إلى الحلف حتى وقت غير محدد في المستقبل. إن مأزق ما بعد الحرب الذي ستجد أوكرانيا نفسها فيه، إلى جانب التكاليف الباهظة للحرب وعدم جدوى عضويتها في ضوء الوهن الشديد لروسيا، هي عوامل أخرى تثبت أن عضوية أوكرانيا في هذا التحالف غير عملية، على الأقل على المدى المتوسط.

قد يؤدي انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي بعد انتهاء الحرب إلى مشكلتين للحلف: الأولى هي أن الولايات المتحدة قد تضطر إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا بسبب الضمان الأمني المنصوص عليه في المادة 5، ولأنه من المرجح أن تكون هناك قضايا حدودية لم تُحل بين أوكرانيا وروسيا بعد الحرب.

وإذا كانت أوكرانيا عضواً في حلف شمال الأطلسي وتعقدت حالة الحدود، فقد تدعم واشنطن كييف من خلال نشر قوات أو حتى أسلحة نووية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى السيناريو المروع للحرب العالمية الثالثة.

ثانياً، قد يُعرّض تطبيق المادة 5 على أوكرانيا شرعيتها للخطر.

كانت حكومة الولايات المتحدة قد أشارت من خلال خطابها وسلوكها إلى أنها لا تعد أوكرانيا كياناً حيوياً يستحق الصدام المباشر مع روسيا.

على العكس من ذلك، فإن روسيا مستعدة للقتال من أجل أوكرانيا، حتى بثمن باهظ. وهذا يلقي بظلال من الشك على استعداد الولايات المتحدة للذهاب إلى الحرب من أجل أوكرانيا، وهو شك قد تستغله روسيا. لكن إذا سمحت المادة 5 للولايات المتحدة وحلفائها باختيار عدم الدفاع عن عضو، فسيصبح حلف شمال الأطلسي تحالفاً غير جدير بالثقة وغير مستقر. وفي كل الحالات يجب ألا ننسى تكاليف الحرب.

إن مسألة كم سيكلف الدفاع عن أوكرانيا مهمة أيضاً. لقد أوضحت الحرب في أوكرانيا أن الحرب الحديثة والتقليدية تتطلب موارد هائلة. وفي هذا الصدد، لن تؤدي دعوة أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي إلا إلى تفاقم الفجوة بين التزامات الناتو وقدراته.

ومع ذلك، فإن الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي لديهم الكثير من التأخر في هذا المجال، لأنهم لم يستثمروا الكثير في القوة العسكرية التقليدية منذ نهاية الحرب الباردة. ويعزى الأداء العسكري الرائع لأوكرانيا إلى حد كبير إلى الكمية والجودة الاستثنائيتين للمساعدة العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة. وإذا أصبحت أوكرانيا عضواً في التحالف، فإن عبء توفير الموارد للدفاع عنها في حالة نشوب حرب تقليدية أو نووية سينصبّ في المقام الأول على واشنطن.

على عكس الغرب، أظهرت روسيا أنها مستعدة للقتال للتأثير على الاتجاه الاستراتيجي المستقبلي لأوكرانيا. ومن المرجح أن يعطي عرض أوكرانيا للانضمام إلى الحلف الأطلسي روسيا سبباً لمواصلة الحرب. وإذا بدأت أوكرانيا عملية الانضمام عند انتهاء الحرب، فستعمل موسكو على منعها قبل اكتمال العملية. وبهذا المعنى، فإن الدعوة للانضمام إلى التحالف هي بمثابة استمرار الحرب أو استئنافها، مما يقلل من إمكانية التوصل إلى أي اتفاق دبلوماسي، وبالتالي يزيد من تكاليف الدفاع عن أوكرانيا.

ومع ذلك، اليوم، حتى لو تغلبت روسيا بطريقة ما على كييف، فإنها غير قادرة على السيطرة على أوروبا. وبالتالي، لن يكون لضم بوتين لأوكرانيا أي تأثير حيوي أو فوري على الأمن القومي الأميركي، حتى لو كان مثل هذا الشيء ممكناً خصوصاً أن الاعتقاد بأن روسيا تشكّل تهديداً عسكرياً كبيراً لأوروبا بدأ يتلاشى.

إن أوكرانيا اليوم مضطرة إلى مواجهة روسيا بسبب موقعها الجغرافي، بغضّ النظر عن وضعها في حلف شمال الأطلسي. وتُظهر الأحداث منذ فبراير (شباط) 2022 أن الولايات المتحدة وحلفاءها قادرون على مساعدة أوكرانيا بفاعلية في مقاومة القوات الروسية من دون مطالبة أوكرانيا بأن تكون جزءاً من حلف شمال الأطلسي، خصوصاً بعد فشل مؤيدي مشاركة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشكل أكبر في الصراع الأوكراني في توضيح كيفية وضع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة على المحكّ.

في الملخص المفيد، سوف يستمر حمّام الدم في أوكرانيا لسنوات من دون حسم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

[email protected]