الآن ليس الوقت المناسب لقيام هيئة الإذاعة البريطانية بإلغاء برنامج "توب غير" Top Gear. لا أعرف تماماً متى كان الوقت ملائماً. في عام 2019، عندما شهد البرنامج تغييراً في فريق التقديم، مما أدى إلى انسحاب مات لوبلان، نجم مسلسل "فريندز" Friends من العرض؟ ربما. أو في عام 2015، عندما اعتدى جيريمي كلاركسون على أحد المنتجين، فكانت النتيجة رحيل ثلاثي التقديم المكون من كلاركسون نفسه وجيمس ماي وريتشارد هاموند، الذي كان يقدم البرنامج منذ إعادة إطلاقه عام 2002؟ على الأرجح. لكن مهلاً، أعتقد أن ذلك كان يجب أن يحدث قبل وقت أطول بكثير. عندما صور كلاركسون في عام 2014، وهو يهمهم "زنجي" أثناء دندنة أغنية عنصرية للصغار في مقطع لم يعرض في "توب غير"؟ أو في وقت سابق من العام نفسه، لما استخدم مصطلح "ذي العيون المبطنة" أمام الكاميرا في إشارة ضمنية إلى شخص آسيوي؟ أو إثر إحدى تلك اللحظات المسيئة الأخرى التي لا حصر لها من ماضي البرنامج المتقلب؟ لا تنفع هنا بطاقات الإنذار البيضاء والصفراء والحمراء قبل الطرد، إذ ارتكب "توب غير" كثيراً من الأخطاء مثل هداف محترف لم يتم إخراجه من المباراة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، ليس أي مما سلف السبب في الشكوك التي تحيط الآن ببقاء "توب غير". بدلاً من ذلك، يتعرض البرنامج لصدمة بسبب مخاوف متعلقة بالصحة والسلامة، بعد حادثة سيارة شبه مميتة تعرض لها المقدم فريدي فلينتوف في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. للمرة الأولى هذا الأسبوع التقطت صور في أماكن عامة للاعب الكريكت السابق، الذي انضم إلى فريق البرنامج في عام 2019، وما زالت إصاباته واضحة بشكل مؤلم بعد تسعة أشهر من الحادثة. الاصطدام الذي تعرض له فلينتوف لم يكن الأول الذي يقع أثناء إعداد حلقات "توب غير"، كما أنها لم تكن المرة الأولى التي يكون فيها فلينتوف جزءاً من حادثة، إذ يقال إنه نجا بأعجوبة من أذى جسيم في حادثة سيارة عام 2019. كذلك دخل هاموند في غيبوبة عام 2006 بعد حادثة خطرة، كما أن كلاً من كلاركسون والمقدم الحالي بادي مكغينيس تعرضا لحوادث أيضاً.
لا ينبغي أن تكون إجراءات السلامة في البرنامج موضوعاً لاستنتاجات غير مستندة إلى معلومات صحيحة: لقد أمرت شبكة "بي بي سي" بإجراء تحقيق لتقييم حقائق القضية. ولكن بالنسبة إلى سلسلة مغرمة بشكل متكلف بالمتعة بالسيارات، يقدم "توب غير" نموذجاً مقنعاً تماماً لأخطار القيادة. لم تتخذ الهيئة الإعلامية بعد قراراً بشأن موعد استئناف تصوير "توب غير"، إن كان سيستأنف أصلاً، لكن يجب بالتأكيد أن يكون هناك تقدير للأخطار والأخلاقيات المتعلقة بمواصلة البرنامج بعد حوادث متعددة.
الحقيقة هي أن حادثة فلينتوف ربما قدمت ذريعة مثالية لإنهاء برنامج طالما تجاوز تاريخ انتهاء صلاحيته في جدول البرامج التلفزيونية لدينا منذ فترة طويلة. بدءاً بمرحلة انطلاق العرض الأصلي (من 1977 إلى 2001)، كانت القناة تعرض نسخاً مختلفة من "توب غير" لحوالى نصف قرن. حتى لو تجاهلنا مخالفات كلاركسون وزملائه، فإن السلسلة تكافح من أجل تبرير وجودها لفترة طويلة. التغيير المتكرر في المقدمين منذ عام 2015 - انضم إليه وغادره كل من لوبلان وكريس إيفانز وسابين شميتز وإدي جوردان وروري ريد خلال السنوات السبع الماضية، بينما يتكون فريق التقديم الحالي من فلينتوف ومكغينيس وكريس هاريس – يعد شاهداً ضد الإبداع المتجدد في السلسلة أكثر من فشل أي مقدم في ترك بصمة حقيقية. بات محتوى البرنامج باهتاً وقالبه مستهلكاً.
يمكن القول أيضاً إن فكرة السلسلة نفسها باتت قديمة في عصرنا الحديث، إذ جعلت أزمة المناخ المدمرة السيارات لا تبدو وسيلة مريحة رائعة بل أقرب إلى كونها عاملاً خبيثاً في هلاكنا الجماعي. صحيح أن مكغينيس وشركاءه لم يشاركوا كلاركسون في ازدرائه المقزز للنشاط البيئي، لكنهم ما زالوا يكنون حباً عظيماً للسيارات. أتفهم أن "توب غير" لا يستطيع من دون مقدمات أن يوصينا بأن نقوم جميعاً بركن سيارات تويوتا الخاصة بنا والسير على الأقدام في نزهة جميلة إلى العمل بدلاً من ذلك. ولكن هل ينبغي عليه القيام بذلك؟ إنه يستهتر بالتلوث والتغير المناخي بطريقة ما عادت مقبولة في عام 2023. من الصعب تخيل معظم المراهقين في العصر الحديث وهم يشاهدون حلقة من "توب غير" من دون أن يخطر ببالهم سؤال غير "من هؤلاء غريبو الأطوار المهووسون بالسيارات"؟
بالطبع، أدرك أن هناك كثيراً من المهووسين بالسيارات في العالم الذين يعتمدون على "توب غير" للحصول على متعتهم التي تحفزها تلك الآليات رباعية العجلات. ومن غير الممكن أنهم جميعاً لحقوا بـ كلاركسون لمشاهدته في برنامج "غراند تور" Grand Tour الذي تعرضه منصة "أمازون". بعد انخفاض حاد استمر لسنوات ابتداء من عام 2016 - عندما انخفض عدد المشاهدين إلى النصف تقريباً - استعاد "توب غير" مكانة جيدة من حيث أرقام المشاهدين. (جذبت الحلقة الأولى من الموسم الثالث 4.86 مليون مشاهد). لا يوجد سبب للتوقف الآن بسبب مؤشرات أدائه، ومع ذلك، نادراً ما كانت شعبية "توب غير" مشكلته الرئيسة.
إذا قرر "توب غير" التوقف الآن، فستكون هذه نهاية غير لائقة لما هو، بشكل موضوعي، مشروع تلفزيوني بريطاني. لكن ما البديل؟ في هذه المرحلة، الحل الأمثل هو أن يستمر في مسيرته لمدة خمس أو 10 سنوات أخرى، متجنباً كلاً من الحوادث الكارثية والجدل العنصري. لكن هل يستحق ذلك حقاً المخاطرة البشرية؟ قد لا يكون الآن الوقت المناسب لإلغاء "توب غير" لكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي القيام بذلك على أية حال.