♦ الملخص:
فتًى غير موفَّق في حياته، كرهه الأقربون والأبعدون، يتعرض للتنمر في مدرسته؛ ما أصابه بالرهاب الاجتماعي، والاكتئاب الحاد، وهو يسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
أنا في الثالثة عشرة من عمري، لم أكن موفقًا في الأشهر السبعة الأخيرة من حياتي؛ فقد كرِهني أعز إخواني، الذي قضيتُ طفولتي معه وعشتُ معه سنين من المرح، أصبح لا يطيقني، ولا يحب أن يتكلم معي دون سببٍ، ولديَّ اكتئابٌ ورهابٌ اجتماعي حادٌّ، وثقتي بنفسي في الحضيض، ولست موفقًا في مدرستي؛ بسبب تنمر الأولاد على رأسي، وتجنُّب الكثيرين لي، أشعر بالخوف إذا رأيت وجهي في المرآة، وقد ظهرت تجاعيد شيخوخة خفيفة على وجهي؛ بسبب ذلك الألم النفسي، وتلك النظرة للحياة، مع أنني محافظ على الصلاة وأخشع وأبكي فيها، فبمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمشكلتك - يا أخي - مؤلمة جدًّا، وعلاجها مكون من قسمين؛ قسم شرعي، وقسم طبي، فأنا سأتحدث عن الجانب الشرعي، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو من أسلوب كتابتك أنك ذكي وصاحب قدرات فائقة، وأنك لست مريضًا نفسيًّا، ولا مصابًا باكتئاب.
ثانيًا: إذًا ما الذي أصابك؟
لعلك كنت متفوقًا وذكيًّا، ولديك ميزات أخرى تُحسد عليها، والتنمر عليك هو من آثار الحسد.
ثالثًا: أما احتقارك لنفسك وخوفك من صورتك في المرآة، فلعلها من الثمرات السيئة للحسد وللتنمر عليك، واحتقارك وتحطيم معنوياتك.
رابعًا: وإذا علمت بما سبق ذكره، فما علاجك الشرعي؟
1- أقوى وأعظم علاج لك هو الإكثار من الدعاء بصرف الأوهام عنك، وبصرف شر شياطين الإنس والجن؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
2- الإكثار من الاستغفار علاج عظيم؛ قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، فجعل الله الاستغفار سببًا للرزق.
3- الاسترجاع؛ قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
4- الصدقة ولو بالقليل.
5- ارقِ نفسك بنفسك بالرقية الشرعية؛ بسورة الفاتحة، وآية الكرسي، وآخر سورة البقرة، وآيات الحسد، وآيات الشفاء، وسورة الإخلاص والمعوذتين.
6- حافِظ على أذكار الصباح والمساء، فهي سياج قوي يحميك بإذن الله من كيد الكائدين، وكذلك أذكار الخروج من المنزل.
7- جاهد نفسك على ألَّا تهتم أبدًا بكلام الناس عنك، واطرُد ما قيل لك من عبارات السخرية والاحتقار.
8- إن تيسر لك تغيير مقر سكنك أو مدرستك، فلعل في ذلك خيرًا لك.
9- تفقَّد تعاملك مع الغير، فإن كنت وقعت سابقًا في أخطاء سلوكية مع زملائك، فابتعد عنها نهائيًّا.
خامسًا: اعتقادك الجازم بأنك مصاب باكتئاب وتنمر عليك، وأن الناس يكرهونك... كثير منه قد يكون أوهامًا أو مبالغًا فيه جدًّا، وهذه الأوهام أو المبالغات تُمرض الإنسان وتمنعه من الهمة ومن بلوغ القمة، وتجعله أسير الاحتقار والانتقاص لنفسه، ولتصديق كل ما يُقال عنه.
سادسًا: ومع ما سبق أقول: بعد سعيك في العلاجات الشرعية السابقة، ستجد بإذن الله تحسنًا كبيرًا، وإن حصل عندك نقص في التحسن، فلا مانع من عرض نفسك على طبيب نفسي حاذق وموثوق؛ لتشخيص حالتك تشخيصًا صحيحًا؛ لأن البعض يُدخِلون الأوهام في قلوب مرضاهم، ويزيدونهم مرضًا.
حفِظك الله، وجمع لك بين الأجر والعافية، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.