♦ الملخص:
شاب كان في علاقة بفتاة مدة ثلاث سنوات؛ لأنه لم يكن يستطيع خطبتها؛ إذ لا عمل له، وبعد الخطبة تغيرت معه، وكثُرت شروطها، وتصيُّدها لأخطائه، حتى فسخت خطبتها معه، وهو لا يستطيع تحمل فراقها، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
كنت في علاقة مع امرأة في مثل سني، دامت علاقتنا ثلاث سنوات، حصلت بيننا مشاكل عدة خطبتها على إثرها؛ لأثبت لها أني لا أتلاعب بها، بل أريد الزواج فعلًا، مشكلتي التي أدخلتني في تلك العلاقة أنني كنت عاطلًا عن العمل، وقد أحببت تلك الفتاة بجنون، وكنت أفكر فيها ليل نهار، ووجدت فيها كل مقومات الصلاح؛ من تربية وأخلاق وحشمة، وثقافة دينية وعلمية؛ فقد كنا زملاء جامعة، وكنا نتواصل ونتحدث في كل ما هو علمي وديني، وكانت متفوقة على جميع الأصعدة، المشكلة أنها تغيرت بعد الخِطبة كثيرًا، فلم تعد تكترث لي، وأملت عليَّ شروطًا كثيرة منها الوظيفة، وقبِلتُ بها، وتسمع لأمها في كل شيء، ثم تطور الأمر حتى أصبحت تهددني بالرحيل مع أقل خطأ أفعله، مهما يكن الخطأ صغيرًا، فكنت أعيش حياة تمتلئ بالصدمات؛ فالمرأة التي كانت تحبني، أصبحت الآن لا تطيقني، وبالفعل جاء اليوم الموعود، الذي أخبرتني فيه بأنها لا تريد الزواج بي، وكان ذلك قبل خمسة أشهر، لا أستطيع استيعاب الأمر حتى الآن، أعيش حزنًا عظيمًا، فكل ما أردته كان الزواج بتلك المرأة، لا أستطيع النوم دون أن أفكر فيها، أراها فيما يرى النائم، فأستفيق مفزوعًا، ويجفوني النوم بعدها، قلبي يتوجع لهذ الفراق، دعوت الله أن يغفر لي ويسامحني على التعلق بغيره، وأدعوه أن يربط على قلبي، لكني أضعف وأنهار من الألم، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
أولًا: فيبدو أن حبك لها من طرف واحد فقط، وهو أنت، أما هي، فلم تكن تحبك حقيقة، وإنما هي عواطف مراهقة، أو تسلية لها فقط؛ بدليل سرعة تقلبها عليك واللامبالاة بك، وربما أن حُبك لها أيضًا مدخولٌ.
ثانيًا: وأيضًا يبدو أنكما وقعتكما في محاذير شرعية من بعض الكلام وربما الخلوات وغيرها.
والحياة الزوجية التي تُسبق بالمخالفات الشرعية، الغالب أن مصيرها إلى عدم الثقة والتباغض والتباعد.
ثالثًا: ويبدو أن من مجمل رسالتك، ومن تقلباتها عليك أنها غير صالحة لك كزوجة تُسعدك، وأنه لو تم الزواج فستعاني منها المُرَّ تلو المر، ثم ستطلقها.
رابعًا: وعمومًا أنصحك بدلًا من الحزن عليها أن تنساها تمامًا، وتفرح بصرفها عنك، وتعتبره نعمة من الله تعالى وتحمد ربك سبحانه وتشكره، ثم تبدأ بجدٍّ في البحث عن غيرها.
خامسًا: ولماذا الحزن على ذهاب امرأة قالت لك بالخط العريض: (لا أريدك زوجًا)؟ أين كرامتك وعزتك كرجل عاقل؟ أإلى هذه الدرجة تلعب العواطف الهوجاء في عقول الرجال، وتحط من كرامتهم؟!
سادسًا: ومما يُسليك أن تعلم وتؤمن يقينًا بأن الزوجة التي كتبها الله لك لن يمنعك منها أحد، مهما كان؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وأن تتذكر قوله سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
سابعًا: يبدو فِعلًا أنك أسرفت في حب عاطفي مع من لا تستحقه، وأن هذا الحب شغلك وشتت قلبك عن حب أعظم منه؛ وهو محبة الله سبحانه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن تحقيق عبادة الله على الوجه الصحيح؛ ولذا امتلأ قلبك حزنًا من أجل لعاعة دنيوية، لن يأتيك منها إلا ما قسم الله لك.
ثامنًا: فحاسب نفسك على هذه الأخطاء، وعُدْ إلى ربك سبحانه راشدًا، ترجو ثوابه، وتخشى عقابه.
تاسعًا: المحبة التي تستحق السعي لها بكل قوة وعزيمة هي محبة الله عز وجل، ومحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتحقيقهما قولًا وعملًا؛ بالحرص على أداء الواجبات والمستحبات الشرعية، وبالبعد عن المحرمات والمكروهات الشرعية، والإكثار من تلاوة كتاب الله سبحانه وتدبره، وبهذه العبادات مجتمعة تحصل السعادة الحقيقية، والطمأنينة، والسكينة، والرضا بما قسم الله؛ قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وذكر الله المذكور هنا يشمل الصلاة والتلاوة وعموم الذكر، وقال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].
حفظك الله، ورزقك زوجة صالحة، تملأ حياتك سرورًا وسكنًا، ومودة ورحمة، واستعفافًا.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.