ألعاب الألم... كيف وصل الرعب إلى عوالم الترفيه؟

منذ 1 سنة 173

مثلت أفلام الرعب ومشاهد التوحش جزءاً من عالم التسلية والترفيه قديماً وحديثاً، لكن فيلم الحركة والسيرة التاريخية "المجالد" للفنان راسل كرو، الذي عرض عام 2000، يبين لنا كيف انتقلت هذه الفكرة المرعبة إلى هذه العوالم.

"المجالد" يرصد بعض التحولات المهمة التي أدت إلى اعتبار الفرجة على مأساة إنسان أو مخلوق حي آخر يتعذب أثناء قتله ملهاة لإنسان آخر، إذ لا يمكن اعتبار هذا الشعور الشاذ والمؤلم شعوراً إنسانياً طبيعياً، ثم التعايش معه وصولاً إلى عرضه على الشاشات تحت غطاء التسلية والترفيه إلا بوجود مبرر قوي لذلك. فالمعلوم أن التسلية تحدث من خلال أي شيء يثير الضحك، ومع ذلك شكلت التراجيديا مبحثاً ترفيهياً يمكن وصفه بالمستقل بذاته، والذي حقق شعبية لا يستهان بها على مر العقود السابقة، وحتى قبل ذلك الوقت بقرون من الزمان.

في روما القديمة وفقاً لقصة "المجالد" كان هناك وريث لعرش الإمبراطور ماركوس أوريلوس هو ابنه، لكن الإمبراطور رأى أن روما تحتاج إلى من هو أفضل من ولده، وحين صارحه بذلك قتله، ثم انتقل الوريث المخلوع إلى تصفية منافسه وهو الجنرال ماكسيموس فقتل زوجته وولده ثم استعبده وجره إلى ساحة "الكولسيوم" الشهيرة ليصفى هناك تحت غطاء تسلية الغوغاء وعامة الناس. وهكذا أنجزت السياسة في روما القديمة أول تحول مهم في إقحام ثقافة الرعب ضمن عالم الترفيه، واستمر هذا التقليد بعد روما القديمة ليصل إلينا عبر شاشة السينما التي حملته إلى آفاق أوسع من ذلك بكثير.

مفارقة الرعب والترفيه

على رغم أن عالم الترفيه واسع ومتنوع، فإنه تحول في بعض الأحيان إلى سلاح له أكثر من حد واحد، وقد أساء الناس قديماً التحكم في شعورهم بالمتعة ولم يوجهوا رغبتهم في الترفيه عن أنفسهم والتسلية ضمن مسارها الصحيح، فخلطوا بين المتعة التي تأتي بسبب السعادة بوصفها شعوراً طبيعياً، والتي تأتي تحت تأثير الوحشية والهمجية أحياناً بسبب أطماع شخصية أو انحراف سلوكي مستهجن، وتجلى ذلك في روما القديمة على شكل صراع وصل إلى كونه صراعاً دموياً. مع ذلك لا تقارن طرق وصولنا إلى التسلية حديثاً، والتي تأتي معظمها من خلال الألعاب الافتراضية والتكنولوجيا، بما حدث سابقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"هل ما زلتم متعطشين للدماء؟"، بهذه الصرخة الشهيرة التي رددها الممثل راسل كرو في فيلم "المجالد" أعلن ماكسيموس ميريديوس، الجنرال الذي كان مرشحاً للحكم عقب قتل عائلته واستعباده ليصير آلة للقتل بهدف تسلية العوام، عن استهجانه لهتاف الغوغاء له في حلبة الموت الشهيرة "الكولوسيوم" وتشجيعه هو وخصمه لكي يجهز أحدهما على الآخر. هذه الصرخة امتدت لقرون من الزمن حتى وصلت إلينا من خلال الفيلم الذي وثق لبعض الأحداث التي جرت في القرن الأول للميلاد وحتى العصور الوسطى، لتؤكد الرواية السينمائية في هوليوود أن مبدأ التعطش للدماء عند بعض البشر تسرب إلى عالم الترفيه وفق هذه الأحداث المتتابعة عبر محطات تاريخية عدة، على رأسها استغلال النخب السياسية الرومانية القديمة فكرة الترفيه كطريقة لتصفية الحسابات السياسية والتخلص من أخطر خصومهم.

ألعاب مؤلمة وحزينة

بسبب قلة انتشار وسائل الترفيه كما هي الحال في وقتنا هذا، بحث القدماء قبل عقود قليلة عن الترفيه في كل ما كان يدور حولهم من أحداث حتى ولو كانت حزينة ومؤلمة، وكان أهم مظهر على ذلك هو تحويل الحكايات التراجيدية الصرفة إلى أعمال ضاحكة وساخرة. لدرجة أنه يمكن القول إن الانطباع السائد عن أن وسائل الترفيه قديماً كانت في غاية البساطة والسذاجة ما هو إلا تبرير سطحي لما كان يدور في الواقع أحياناً، فقصة ماكسيموس الذي كان جنرالاً عسكرياً كبيراً وقائداً فذاً ثم جرى استعباده وإدخاله إلى حلبة الموت للتخلص منه خير شاهد على ذلك، فيما مثلت هذه القصة التي تناولتها السينما والدراما الحديثة مجرد عنوان رئيس ضمن قصة طويلة ذات تفاصيل كثيرة لم يتناولها الإعلام، إذ امتد السلوك الذي دمج بين التسلية والعنف غير المبرر أو الدموي المقصود والممنهج حتى قرون متأخرة، فشهد القرن الـ17 في فرنسا أحداثاً عزفت على الوتر ذاته من خلال إثارة مشاعر المتعة للناس عبر العنف بشكل تراجيدي ومن خلال لعبة كانت تسمى "لعبة حرق القطط" والرقص حولها كشكل من أشكال الترفيه ضمن احتفالات سنوية حضرها حشود من البشر والغوغاء الذين استمتعوا بمشاهدة قطط تحترق حتى الموت.

مواقع_التواصل.png

البحث عن التسلية والترفيه هو سلوك إنساني قديم جداً. ويقول مؤرخون إنه بدأ مع إنسان الكهف حول النار من خلال سرد قصص ممتعة وتداول بعض الأساطير المخيفة. وقد تطور عالم التسلية والترفيه ليمر عبر تحولات كبرى لكنه دخل في طورين رئيسين هما الشعبي والنخبوي، فامتاز الشعبوي بالبساطة والسهولة بهدف البحث عن أي شيء يثير الضحك والسعادة، فيما تجلى النخبوي في الواقع من خلال تطبيقات أكثر تعقيداً، وتحديداً من خلال السياسة التي صاغته ضمن طقوس دموية بهدف إشباع رغبة بعض البشر المتعطشين للدماء لزيادة شعبية الأنظمة الحاكمة وترسيخ سلطتها في الواقع والمجتمع.

مع الوقت تحول هذا السلوك الفطري إلى سلوك همجي مقزز ليبدأ التأريخ له منذ ما يزيد على خمسة آلاف عام بدءاً من حضارة السومريين في زمن الملك جلجامش (3000 ق م) الذي ابتدع حكايات الزومبي ودراكولا والمستذئبين ليكرس أسطورته الشخصية، وليثير الرعب في قلوب الضعفاء، مروراً بروما القديمة في القرن الأول قبل الميلاد وحتى العصور الوسطى، في حين وصلت إلينا بعض آثاره عبر فيديوهات الـ"سوشيال ميديا" التي وثقت لبعض جرائم الحروب وبثت مشاهد قتل مقززة تابعها ملايين الناس حتى في وقتنا الراهن والمتحضر.