في الوقت الذي تزداد فيه الصراعات الدينية في العالم، يحاول الملك تشارلز تقريب لجماعات الدينية التي تشكل المجتمع البريطاني المتنوع بشكل متزايد.
يتوّج الملك تشارلز الثالث في السادس من أيار/ مايو الجاري في كاتدرائية وستمنستر في لندن، إلى جانب زوجته كاميلا، بعدما خلف والدته الراحلة الملكة إليزابيث الثانية.
وهذه المناسبة الخاصة التي تشهدها المملكة المتحدة، لن تنحصر أهميتها في تولي الملك منصبه الجديد، بل ستتجاوز ذلك لتكون انعكاسًا لصورة النسيج الاجتماعي البريطاني الذي سيُشارك في هذا الحفل.
صلاة اليهود من أجل الملك
لن يحضر الحاخام نيكي ليس تتويج الملك تشارلز الثالث، إلا أنه يشير إلى أنه "سيقوم بشيء أكثر أهمية: الصلاة من أجل الملك في يوم السبت اليهودي".
ويوم السبت، سيجتمع الحاخامات في جميع أنحاء بريطانيا لتلاوة صلاة باللغتين الإنجليزية والعبرية تقدم الشكر للملك الجديد باسم "الإله الواحد الذي خلقنا جميعًا".
وأشار ليس، وهو حاخام كنيس هايغيت في شمال لندن، إلى أن اليهود البريطانيين يقدرون تعهد تشارلز بتعزيز التعايش بين جميع الأديان وسجله في دعم مجتمع متعدد الأديان عندما كان وريثًا للعرش.
وقال: "عندما يقول إنه يريد أن يكون مدافعًا عن الأديان، فهذا مهم لنا، لأن تاريخنا لم يكن دائمًا بهذه البساطة ولم نعش دائمًا بحرية؛ لم نتمكن من ممارسة ديننا على مر التاريخ".
تغيّر ديمغرافي
وفي الوقت الذي تزداد فيه الصراعات الدينية في العالم، يحاول الملك تشارلز تجسير الاختلافات بين الجماعات الدينية التي تشكل المجتمع البريطاني المتنوع بشكل متزايد.
لكن تحقيق هذا الهدف أمر بالغ الأهمية لجهود الملك الجديد لإظهار أن النظام الملكي، وهو مؤسسة عمرها 1000 عام ولها جذور مسيحية، لا يزال بإمكانه تمثيل شعب بريطانيا الحديثة متعدد الثقافات.
لكن تشارلز، الحاكم الأعلى لكنيسة إنكلترا، يواجه بلدًا مختلفًا تمامًا عن البلد الذي احتفل بتتويج والدته في عام 1953.
فقبل سبعين عامًا، كان أكثر من 80% من سكان إنكلترا مسيحيين، وفي تلك الفترة، بدأت موجات الهجرة الجماعية التي غيّرت الوجه الديمغرافي للمملكة.
ومع مرور الوقت، انخفض هذا الرقم ليصل اليوم إلى أقل من النصف، حيث أظهرت الأرقام أن 37% من البريطانيين هم لا دينيين، و6.5% منهم مسلمين، و1.7% من الهندوس.
وكان التغيير أكثر وضوحًا في لندن، حيث أكثر من ربع السكان لديهم ديانة غير مسيحية.
مقترحات سابقة للملك تشارلز
أدرك تشارلز هذا التغيير قبل فترة طويلة من توليه العرش في أيلول/ سبتمبر الماضي.
وبالعودة إلى التسعينيات، أعلن تشارلز، حينما كان وليًا للعهد، عن رغبته بأن يكون "المدافع عن الأديان"، وهو تغيير صغير ولكنه رمزي للغاية من اللقب التقليدي للملك "المدافع عن الإيمان"، أي المسيحية.
إنه موقف مهم للرجل الذي يؤمن بقوة الشفاء لليوغا، وكان زصف ذات مرة الإسلام بأنه "أحد أعظم كنوز الحكمة والمعرفة الروحية المتراكمة المتاحة للبشرية."
وسيظهر التزام الملك بالتنوع عند تتويجه، عندما يلعب الزعماء الدينيون الذين يمثلون التقاليد البوذية والهندوسية واليهودية والمسلمة والسيخية دورًا نشطًا لأول مرة في الاحتفالات.
وقال تشارلز للقادة الدينيين في أيلول/ سبتمبر: "لطالما فكرت في بريطانيا على أنها مجتمع مكون من المجتمعات ".
لكن هذه المهمة ليست سهلة؛ ففي الصيف الماضي، اشتبك شبان مسلمون وسيخ في مدينة ليستر.
كما كافح حزب العمال المعارض لتخليص نفسه من معاداة السامية، وتعرضت استراتيجية الحكومة لمكافحة الإرهاب لانتقادات لتركيزها على المسلمين.
ويترافق ذلك مع الاختلافات الطائفية التي لا تزال تفصل بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا الشمالية.
"ملك ملتزم"
في السياق عينه، أوضح مدير مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية فرحان نظامي أن "مثل هذه التوترات تؤكد الحاجة الماسة لبريطانيا لأن يكون لها ملك يعمل شخصيًا على تعزيز الشمولية".
وكان تشارلز راعيًا للمركز لمدة 30 عامًا، مما أضفى مكانته على جهود بناء مركز أكاديمي لدراسة جميع جوانب العالم الإسلامي، بما في ذلك التاريخ والعلوم والأدب، بالإضافة إلى الدين.
وخلال تلك السنوات، انتقل المركز من هيكل هامشي إلى مجمع به مكتبته الخاصة ومرافق المؤتمرات ومسجد كامل بقبة ومئذنة.
وقال نظامي: "من المهم جدًا أن يكون لدينا ملك ملتزم على الدوام بهذا الأمر".
"شخص محترم"
هذه الاستراتيجية المتبعة من قبل الملك تشارلز، تظهر أيضًا عند السيخ في بريطانيا. وقال غورش راندهاوا، الذي كان قد التقى بالملك عند افتتاح معبد غورو ناناك غوردوارا للسيخ شمالي لندن: "لقد كان محترمًا بشكل لا يصدق ومهتمًا بعقيدتنا. ولكن الأهم من ذلك أنه كان مهتمًا بكيفية دعمنا كمجتمع خاص".
وأضاف: "إنني أتطلع إلى مشاهدة التتويج. وأعتقد أنه من المحتمل أن يشير بشكل واضح إلى الطبيعة الشاملة للمجتمع البريطاني."
ويعد التزام تشارلز بمجتمع متعدد الأديان أيضًا رمزًا للتقدم الذي تم إحرازه في إنهاء الخلاف في التقاليد المسيحية التي بدأت عام 1534، عندما انفصل هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية وأعلن نفسه رئيسًا لكنيسة إنكلترا.
وقال الكاردينال فينسينت نيكولز، أكبر رجال الدين الكاثوليك في إنكلترا: إن هذا الانقسام أدى إلى مئات السنين من التوترات بين الكاثوليك والبروتستانت، والتي تلاشت أخيرًا في عهد الملكة إليزابيث.