> لم يثِر إعلان داود عبد السيد، قبل نحو عام، بالتقاعد عن صنع الأفلام إلا تلك العناوين السريعة في المواقع والصحف. في زمن السرعة يمر الخبر والتعليق عليه كما تمر السيارات فوق طريق سريع. بعد لحظات لا يذكر المرء شيئاً منها.
> قبله مر ابتعاد إبراهيم البطوط عن السينما كما لم يكن هناك لا إبراهيم بطوط ولا أفلامه مثل «عين شمس» و«الشتا اللي فات». ومن يكترث لو أعاد تامر السعيد «آخر أيام المدينة»، أو كريم حنفي «باب الوداع» أو هالة خليل «أحلى الأوقات» وغيرهم إلى العمل أم لا؟
> وهل لاحظتم أن الجميع تحدّث عن «شباك تذاكر» ضعيف في عيد الأضحى، لكن أحداً لم يتكلّف معرفة السبب ولا تقييم الأفلام ولا البحث عن «جماهيرية» هذه الأفلام «الجماهيرية» عندما يتخلّى عن متابعتها الجمهور في غالبه؟
> لن ينصلح شأن السينما المفكّرة والهادفة والنبيلة في أي دولة سوى باعتماد النموذج السعودي عربياً والفنلندي والدنماركي وباقي الدول الأوروبية التي تضع في حسبانها أن السينما لها وجهان: واحد يموّل نفسه ومسؤول عن مصيره، والثاني لا بد لصناديق الدعم أو للمؤسسات الرسمية من توفيرها وعرضها محلياً وعالمياً.
> وإذ تبدأ دورات المهرجانات العربية (الجونة، قرطاج، القاهرة) فإن المنوال هو على حاله لا يتغير: سجادة حمراء. كاميرات تلفزيونية. جمهور حاشد في حفلتي الافتتاح والختام. «تكريمات» فنية. والأخيرة بدورها باتت مشكلة.
> كيف تكرّم من جرى تكريمه مرّات ومرّات؟ ولماذا على المحتفى به أن يكون نجماً سينمائياً أو مخرجاً نشطاً؟ ماذا عن أولئك المغيّبين من أبناء المهنة؟ أين الموسيقار وأين مدير التصوير وأين المونتير وأين كاتب السيناريو؟ أين الممثلون والممثلات الذين أمضوا العمر بلا تقدير كونهم من الذين بقوا في خانة التمثيل المساند؟ أين المنتجون الذين امتنعوا عن صنع السائد فانقطعت عنهم كهرباء الأضواء اللافتة.
> يقولون لك إن «مهرجانات الدنيا تفعل ذلك». لا. هذا ليس صحيحاً. يحتفون بالمشاهير ويحتفون بمن لم يصبح مشهوراً بعد. يوازون بين القيمة التاريخية للفرد وبين ضرورة دفع وتشجيع القيمة الحالية للفنان.
> لكن قبل ذلك وبعده، أليس هناك. حتى من بين منتجي «الأفلام الجماهيرية التي لا جماهيرية لها» التفكير بمنوال يستفيد منه الوطن؟ حل واحد فقط أمام السينما التجارية لكي تستمر في عالم متغيّر. أن تغيّر حوافزها وأهدافها لتشمل كل شيء: التجارة والفن.