أطفال العراق يعيدون بمسدساتهم والضحية أعينهم وأفكارهم

منذ 1 سنة 143

مع حلول عيد الأضحى تتصاعد التحذيرات من استخدام الألعاب النارية والبلاستكية التي يستخدمها الأطفال على نطاق واسع خلال أيام العيد، إذ تشهد بعض شوارع مناطق بغداد لعباً بين الأطفال كأنها "حرب شوارع"، حيث ينقسم الأطفال إلى مجموعتين ويتواجهون بالمسدسات والرشاشات البلاستكية المصممة لتبدو وكأنها حقيقية، ولكن هذه "المعارك" تسببت في عشرات الإصابات لأعين الأطفال، ووصل الأمر ببعضهم إلى خسارة إحدى عينيه نتيجة ذلك.

تحذيرات مسبقة

وعلى رغم أن وزارة الصحة لم تعلن بعد عن أي حصيلة للإصابات في هذا العيد، فإنها أصدرت تحذيراً من استخدام الألعاب النارية وما يسمى "الصجم" (رصاصة صغير تستعمل في بنادق الصيد) في عيد الأضحى. وقال المتحدث باسم الوزارة سيف البدر، إن "مسألة الألعاب النارية وإطلاق العيارات النارية مشكلة متجددة في كل مناسبة، سواء كانت عيداً أو احتفالات عامة أو مجالس العزاء". وأضاف أن "الوزارة تسجل مئات الإصابات مختلفة الشدة في كل المحافظات، وبعض منها يصل إلى حدوث تلف دائم في كرة العين أو إصابات في الأنف أو الأذن، فضلاً عن حدوث حروق مختلفة الشدة بفعل الألعاب النارية، وأحياناً تؤدي إلى حرائق في المنازل".
وأوصت وزارة الصحة بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد وتداول الألعاب النارية و(الصجم) وعدم استيرادها"، محذرة من "استخدام هذه الألعاب خلال العيد".

تهديد حقيقي على الصحة

في هذا السياق، جددت مستشفى ابن الهيثم التعليمي للعيون في بغداد تحذيراتها للمواطنين تزامناً مع قرب حلول عيد الأضحى بضرورة إبعاد الأطفال عن خطر الألعاب ذات الإطلاقات البلاستيكية (الصجم) والمصابيح الليزرية حفاظاً على سلامتهم. وشدد مدير المستشفى وليد حميد جاسم على "ضرورة تعاون العائلات ومنع أطفالهم من شراء تلك الألعاب الخطرة لما تشكله من تهديد حقيقي على صحتهم"، داعياً الجهات المعنية ذات العلاقة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة للحد من انتشار تلك الألعاب وتداولها في الأسواق المحلية.

45 إصابة خلال عيد الفطر الماضي

وأشار جاسم إلى "أهمية تعزيز الجهد الحكومي ومنظمات المجتمع المدني والدور المهم لوسائل الإعلام المختلفة للعمل المشترك في سبيل القضاء على هذه الظاهرة السلبية التي تستهدف صحة أطفالنا وسلامتهم"، لافتاً إلى أن "المستشفى استقبل أكثر من 45 إصابة خلال أيام عيد الفطر الماضي"، مشيراً إلى أن "بعض تلك الإصابات خطرة، وتم إدخالهم إلى صالات العمليات الجراحية لتقليل حجم الضرر الحاصل على العين فيما اكتفى القسم الآخر بأخذ العلاجات الدوائية"، مبيناً أن "قسماً من تلك الإصابات يكون خطراً بشكل كبير، ما يهدد بفقدان النظر بشكل نهائي".
واستدرك جاسم أن "تأثير استخدام تلك الألعاب الخطرة لا يقتصر فقط على سلامة العين، فهو يؤثر سلباً على الجانب النفسي للطفل أيضاً من خلال تعزيز ثقافة العنف، ما يشكل تهديداً على سلامة المجتمع، وهذا أمر خطر ستكون له انعكاسات سلبية مستقبلاً"، منوهاً بأن "هناك عشرات الأطفال الأبرياء في كل مناسبة يقعون ضحية لرواج الألعاب المحرضة على العنف جراء إصابتهم بعاهات مستديمة"، مشدداً على "ضرورة العمل الجاد على وقف استيراد هذه الألعاب لما تشكله من خطر كبير على سلامة الأطفال والمجتمع بشكل عام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تشجيع على العنف المسلح

ويشير الباحث الاجتماعي العراقي علاء وليد إلى أن "الألعاب البلاستيكية تشكل خطراً دائماً على الأطفال لما لها من تداعيات خطرة على صحتهم ومستقبلهم بدلاً من اللعب واللهو في الحدائق والمتنزهات والمولات والأماكن الترفيهية الأخرى"، مبيناً أن "الطفل خلال المراحل الأولى لديه سرعة في التعلم، وهذه الألعاب على رغم ما تشكله من خطر على أعينهم، فإن لها أبعاداً سلبية أخرى على مستوى أفكارهم كتشجيعهم على العنف المسلح الذي يلوث أفكارهم في المستقبل". وأضاف أن "العراق عانى سياسات العنف خلال العقود الماضية. واستهداف الأجيال عبر زراعة الأفكار الملوثة يولد جيلاً عنيفاً غير محب للسلام"، مشدداً على ضرورة "منع السلطات العراقية من استيراد تلك الألعاب التي تلقى رواجاً في أوقات العيد في الأسواق والمراكز التجارية ومتوفرة بمختلف الأسعار". وتابع أن "بعض الأسر منعت أطفالها من شراء تلك المنتجات، إلا أن هذا الإجراء غير كافٍ في ظل غياب الرقابة الحكومية على مثل هكذا أفعال".

أضرار بالغة 

في هذا السياق، قال الباحث مجاشع التميمي، إن "بعض ألعاب الأطفال بات اليوم يشكل خطورة بالغة عليهم خاصة تلك التي تحتوي على مواد خطرة تصيبهم كالأسلحة البلاستيكية، فضلاً عن الألعاب التي تحتوي على قطع صغيرة سهلة البلع مما ينتج منها حالات اختناق، وهذه تعد خطرة جداً بسبب الأضرار البالغة التي تسببها للأمعاء والجهاز الهضمي، إذ إنها مصنعة من مواد رخيصة ومعادة صناعياً، كما أن وسائل اللعب غير المناسبة للأطفال في سن مبكرة تشكل أحد أكبر مصادر الخطورة على صحتهم وسلامته لذا يجب تجنب اقتناء هذه الألعاب في المنزل لحماية الأطفال من أضرارها، خصوصاً أنه في كثير من الأحيان قد يغفل الأهل عن وجود بعض المخاطر الخفية في منازلهم". وأضاف التميمي أن "وزارة الصحة العراقية في كل عيد أو مناسبة تشير إلى أن الحالات التي تصل إلى المستشفى بسبب الإصابات بالألعاب النارية أو المسدسات القاذفة للأسهم عديدة، وبخاصة في المناطق الشعبية، وتصل إلى نحو 10 حالات يومياً"، مبيناً أن "خطورتها متفاوتة، فهناك الحالات البسيطة، وهناك الأكثر خطورة، وصولاً إلى تلك التي تفوق خطورتها التصور، وقد تم تسجيل إصابات عدة وصلت إحداها أخيراً إلى فقدان أحد الأطفال بصره".
وتابع أن "على الجميع تحمل المسؤولية في منع الاستيراد لألعاب كهذه، إضافة إلى التوجيه المستمر للعائلات العراقية بمنع جلب هذه الألعاب لأن اقتناءها يشكل خطراً كبيراً، وربما يصيب الأطفال بعاهات مستدامة".

انتهاج العنف 

من جهته رأى الباحث لفتة العراقي أن "المسؤولية تقع على الدولة التي تسمح بدخول ألعاب تحرض على العنف وتزرع في نفوس الأطفال حب الأسلحة وانتهاج العنف، وتتسبب في الإصابات التي يتعرض لها كثير من الأطفال". ولفت إلى أن "التاجر لا يهمه غير الربح، وما دام هناك تساهل مع من يستورد فهو لن يمانع باستيراد أي شيء"، مبيناً أن "العراق الذي سئم حصد الدمار والذبح والتفجيرات والعنف والحروب بسبب عسكرة المجتمع وتعليم حتى الأطفال على الأسلحة، عليه أن يعرف كيف يغادر تلك الحالة".
وختم بالقول إنه "في تلك المرحلة من الحروب والأفكار التي تدعو إلى الحروب، يجب أن تكون بداية التغيير من مرحلة الطفولة عبر زرع حب الحياة والأفكار التي تمقت العنف والحروب، سواء بالألعاب أو الأناشيد، أو حتى بإعادة كتابة التاريخ ليكون ضد كل ما يدعو إلى العنف".