يقبع الشاب نور الدين (30 سنة) وحيداً في بيته طوال يوم نحر الأضحى، يتأمل في صحن "سلطة الخضراوات" بينما أفراد أسرته يشمرون سواعد الجد لنحر كبش أملح أقرن، وبعدها يلتهمون أحشاءه بعد طهيها لتأتي مرحلة الشواء في أجواء عائلية سعيدة.
نور الدين ليس شاباً انطوائياً يهرب من الناس ويغلق عليه باب بيته، بل هو شخص نباتي انتهج هذا النظام الغذائي منذ سنوات، ولهذا يختار كل سنة الابتعاد من طقوس الذبح وأكل اللحوم مادام له موقف معارض لهذه الطريقة في التغذية.
لهذا نحن نباتيون
وليس نور الدين وحده من يقضي أيام أكل اللحوم خلال عيد الأضحى بهذه الطريقة، فهناك نباتيون كثر في أكثر من بلد عربي يعثرون على 1000 سبب وسبب حتى لا يحضروا الأيام الأولى بعد النحر، وهي أيام يغلب عليها الأكل وتحضير أطباق اللحوم والشواء بأنواعه.
لمياء بنجدي شابة أخرى تتبع النظام النباتي في التغذية. وتقول إن أكثر فترات "العزلة النفسية" التي تشعر بها هي أيام عيد الأضحى تحديداً لكون أفراد أسرتها كلهم "لاحمون"، وهي لا تجد بالتالي مكاناً في مائدة جميع أطباقها "لحوم في لحوم" وفق تعبيرها.
واستطردت الشابة النباتية بأن الأمر يتعلق بمبدأ وقناعة تؤمن بها، وهي أن تكون نباتية تبتعد من تناول اللحوم بالمرة، وذلك لأسباب صحية بالدرجة الأولى، وليس تأثراً بأي موقف أيديولوجي أو فكري آخر، مثل عدد من النباتيين الذين يرفضون فكرة ذبح حيوان وأكل أجزاء منه.
واستدركت المتحدثة ذاتها بأنه على رغم كونها نباتية ولا تقترب من أكل اللحوم، إلا أنها تحاول جبر الخواطر من خلال الحضور في وقت النحر إلى جانب أفراد أسرتها وأيضاً مساعدة أمها في المطبخ.
عبدالبديع شاب ينتمي إلى هذه الفئة ويقول في هذا الصدد إنه نباتي بامتياز، يرفض أكل اللحوم ليس لأسباب صحية لكن خصوصاً لأنه لا يستوعب كيف يلتهم بأسنانه قطعا من لحم حيوان كيفما كان، كبشاً أو دجاجة أو إوزة.
ولا يخفي هذا الشاب أنه يشعر بالكآبة والضيق النفسي كلما رأى مشاهد أكل اللحوم خلال عيد الأضحى، مردفاً أنه يجد أيضاً صعوبة في إيجاد الأكل الخاص به في خضم إغلاق المطاعم والمحال لأبوابها خلال عطلة العيد، كما أنه في البيت لا يجد من يتولى إعداد طبقه النباتي.
حرج اجتماعي ونفسي
ويعلق الباحث والمعالج النفسي محمد قجدار على هذا الموضوع بالقول إنه لا توجد إحصاءات رسمية في شأن عدد النباتيين في البلاد العربية، لكن المؤكد أنهم ليسوا أكثرية على رغم أن أعدادهم تتزايد بلا شك، كما أن صوتهم صار مسموعاً نسبياً أكثر من ذي قبل.
وأفاد الباحث النفسي عينه بأن الحديث عن وجود مشكلات نفسية للنباتيين قد يكون منطوياً على مبالغة معرفية واجتماعية، باعتبار أن الشخص النباتي هو من اختار بنفسه هذه الطريقة في الحياة والتغذية، إما عن سماع أو عن تجربة من الآخرين أو عن مطالعة ونصائح طبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكمل قجدار بأنه أيضاً "لا يمكن الحديث عن وجود متاعب نفسية للشخص النباتي لأنه بكل بساطة يمكنه التراجع عن نظامه النباتي في أي وقت وحين، فهو ليس مجبراً على اتباع هذا النمط من الحياة والتغذية، كما يمكنه المزاوجة بين ما هو نباتي وما هو لحمي، بحسب المتاح وبحسب الظروف والإمكانات".
واسترسل بأن النباتي قد يشعر خلال أيام العيد بأنه بعيد عن الانتماء إلى جماعة "آكلي اللحوم"، لكن ذلك الشعور النفسي هو لحظي وموقت لأن أيام الاستمتاع بلحوم الكبش تنتهي سريعاً، ويعود بعدها النمط الروتيني لكل شخص إلى ما كان عليه قبل العيد.
ووضع المعالج النفسي السلوك الصحيح لتفادي الحجر الاجتماعي خلال الأضحى بالنسبة إلى الأشخاص النباتيين، متمثلاً في الاحتفاظ بعاداتهم الغذائية إذا بدا لهم ذلك ضرورياً، فهي حريتهم الشخصية أولاً وأخيراً، لكن مع احترام أنماط عيش واختيارات الآخرين الذين يحبون تناول اللحوم، وأن يتقاسموا معهم متعة نحر الأضحية وأجواء اللمة العائلية، لأنها لحظات نفسية إيجابية لا تقدر بثمن".
رفض المجتمع وتحذيرات صحية
وبعيداً من المشاعر النفسية بعدم الانتماء إلى "مجتمع لاحم" يثير عدد من النباتيين أشكالاً أخرى تتعلق برفض أفراد الأسرة أو المحيطين بهم من أصدقاء أو زملاء نمط حياتهم القائم على كل ما هو نباتي.
ويجد هؤلاء النباتيون أحياناً صعوبة في إقناع أسرهم باختيارهم الغذائي والصحي في الابتعاد من تناول اللحوم غير أن آخرين استطاعوا تجاوز هذا العائق بالتدريج بمحاولة إفهام الآخرين بجدوى النظام النباتي وفق وجهة نظر مؤيدي هذا النمط.
مشكلة أخرى يتم طرحها بالنسبة إلى النباتيين في عيد الأضحى وفي غير العيد، وهي التحذيرات الطبية من كون الامتناع النهائي من أكل اللحوم قد يفضي إلى مشكلات صحية، باعتبار أن اللحوم مصدر غني وضروري من البروتين الذي يحتاج إليه الجسم.
ويرد النباتيون على هذه النقطة أيضاً بإيراد أمثلة على وجود البروتينات الضرورية لبناء عضلات الجسم انطلاقاً من مصادر نباتية بديلة، وبالتالي يتفادى الجسم الوقوع في مطبات صحية بسبب الإضراب الكامل عن تناول اللحوم الحمراء.
ويستدل نباتيون لدعم وجهة نظرهم في صوابية اختيارهم الغذائي بتقارير اختصاصيين وآراء شخصيات معروفة جربت هذا النمط في الأكل، لكن الاختصاصية المغربية في التغذية فاطمة بلحاج ترى أنه لا يمكن الجزم بصوابية اختيار النباتيين، ولا بعدم صوابية الذين اختاروا النمط المغاير.
ووفق الاختصاصية فإن الجسم يحتاج إلى نسب معينة من البروتينات والدهنيات والفيتامينات والمعادن في تركيبة متجانسة تفيد الجسد وتقيه العلل والأمراض وتمنحه الطاقة والقوة"، موردة أن "الأهم ليس الانتصار لهؤلاء أو أولئك بقدر ما يهم صحة الجسم ومده بما يلزم ليعيش مرتاحاً من دون منغصات".