أسواق السودان المتنقلة... دورة الحياة والاقتصاد

منذ 8 أشهر 93

ملخص

"نظراً إلى شهرة هذه الأسواق نجد أنها بدأت تنتقل إلى العاصمة وبعض المدن الكبرى، حيث في كل مدينة سودانية تجد ما يعرف بسوق الجمعة التي تقام أسبوعياً"

عرف السودان الأسواق المتنقلة أو المترحلة منذ أمد بعيد، فهي تنتشر بصورة رئيسة في أريافه وقراه المختلفة خاصة النائية بأقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق ووسط البلاد، إذ يخصص لكل قرية يوم محدد من الأسبوع لإقامة السوق فيها، حيث تعرض المنتجات المحلية التي تشتهر بها كل منطقة، بخاصة المحاصيل الزراعية كالذرة والدخن والسمسم والصمغ العربي والتوابل، ومختلف الخضراوات واللحوم ومنتجات الألبان، إضافة إلى السلع الضرورية مثل السكر والزيت والشاي وغيرها من البضائع التي يصعب على سكان هذه القرى الحصول عليها إلا من المدن الكبرى.

الاسواق المتنقلة.jpg

"هذه الأسواق قائمة حتى يومنا هذا ومن الصعوبة اندثارها" (اندبندنت عربية - حسن حامد)

وتعد هذه الأسواق بمثابة تظاهرة اجتماعية وملتقى وتجمع تجاري، حيث يتوافد إليها سكان القرى والمناطق المجاورة والبعيدة بصورة دورية ومنتظمة، فيقضي الجميع ساعات طويلة في المؤانسة والتسوق، كما يتم في هذه الأسواق حل كثير من المشكلات الفردية والقبلية بواسطة المشايخ الذين يحرصون على الوجود في كل يوم سوق.

سلع ضرورية

وقال خالد عبدالله من سكان إقليم كردفان "كنت أرافق والدي، وأنا في سن العاشرة، كل يوم خميس إلى سوق عديد التي تبعد عن قريتنا نحو سبعة كيلومترات، حيث يتجمع عدد من الأهالي والتجار في مكان محدد، ونظراً لوعورة الطرق تستغرق الرحلة زمناً طويلاً، في حين يأتي آخرون من مناطق مختلفة بواسطة الدواب والسير على الأقدام، ونقوم بشراء حاجاتنا الأسبوعية من سلع ضرورية ولحوم وخضراوات وأوانٍ منزلية وملابس وغيرها، فنقضي ما بين ست إلى ثماني ساعات في التسوق والتلاقي مع الأصدقاء والأقارب الذين يحرصون على الحضور أسبوعياً إلى هذا المكان".

الاسواق المتنقلة 2.jpg

"معظم الريف السوداني بخاصة في إقليمي دارفور وكردفان تنتشر فيه ظاهرة الأسواق المتنقلة" (اندبندنت عربية - حسن حامد)

أضاف عبدالله "هذه الأسواق قائمة حتى يومنا هذا، ومن الصعوبة اندثارها لأنها تقع في مناطق نائية، وتجمعات قروية تعتمد على الزراعة والرعي، ولم تتبدل حياتها طوال هذه السنوات، ففي كردفان، عديد من الأسواق المشهورة كسوق الحاجز، وسوق الحمادي، وسوق أم القرى، وسوق أم عش، وسوق أولاد مكي، وسوق الديبيبات، وكلها أسواق شعبية، وهناك تنظيم لهذه الأسواق، إذ يخصص لكل سوق يوم في الأسبوع ويعرف بهذا الاسم كسوق الجمعة والسبت وهكذا دواليك".

وأوضح الطيب الخير أحد التجار في سوق "الهيلة" في منطقة النيل الأبيض، وسط السودان، أن "الأسواق القروية المتنقلة تمثل عصب الحياة لسكان القرى النائية والبعيدة من المدن نظراً لمحدودية دخلهم وعدم استطاعتهم توفير حاجاتهم من مناطق ومدن بعيدة، لذلك يقوم التجار بجلب البضائع والسلع من مصادرها وبيعها بأسعار مناسبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع الخير "سوق الهيلة من الأسواق القديمة وتحمل اسم أحد زعماء القبائل، فهو يخدم 22 قرية، وتقام كل يوم إثنين وخميس من الأسبوع، وغالباً ما يحرص كل أهالي تلك القرى على الحضور في يومي السوق للبيع أو الشراء، بخاصة أن المسافة بين تلك القرى ليست بعيدة، إذ لا تتعدى الأربعة كيلومترات"، ولفت إلى أن تلك الأسواق ما زالت منتشرة على رغم توفر وسائل المواصلات والطرق المعبدة.

العرب الرحل

في السياق قال الباحث الاقتصادي محمد الناير "معظم الريف السوداني، بخاصة في إقليمي دارفور وكردفان، تنتشر فيه ظاهرة الأسواق المتنقلة منذ القدم ويطلق عليها (أم دورور) لأنها تعتمد على حركة تجارية متنقلة، فجميع التجار الذين يعرضون بضائعهم، في هذه الأسواق، يتنقلون بها من سوق لأخرى بواسطة مركبات تتناسب مع طبيعة المناطق، وتقام السوق أسبوعياً بمعدل يوم لكل قرية وبلدة من مناطق البلاد، مما يجعل هؤلاء التجار موجودين يومياً في كل سوق من تلك الأسواق المتنقلة".

وتابع الناير "نظراً لشهرة هذه الأسواق، نجد أنها بدأت تنتقل إلى العاصمة وبعض المدن الكبرى، حيث في كل مدينة سودانية تجد ما يعرف بسوق الجمعة التي تقام أسبوعياً، وتعرض فيها كل ما يخطر ببالنا من سلع، ويحرص كثر من الناس على ارتياد هذه الأسواق لتوفر كل ما يحتاجون إليه من سلع بأسعار أقل من الأسواق الأخرى".

وواصل الباحث الاقتصادي "هذه الأسواق تخدم العرب الرحل الذين يتنقلون من مكان لآخر بحثاً عن المراعي والمياه، حيث يقومون بشراء حاجاتهم الأسبوعية أو الشهرية من السلع الضرورية من خلال زياراتهم تلك الأسواق التي توجد قرب إقامتهم الموقتة"، وقال أيضاً "في اعتقادي، هذه الأسواق مرتبطة في الأساس بمناطق محددة ذات طبيعة جغرافية مختلفة لخدمة جماعات متنقلة، بصورة كبيرة، أكثر ممن يعيشون في مناطق مستقرة، بالتالي، تعتمد، بصورة كبيرة، على قطاعات ومجموعات بعينها تتصل بالريف لجهة مصدر رزقهم وتنقلهم وتتبعهم العملية الزراعية والثروة الحيوانية، لذلك لم تكن هذه الظاهرة ناجحة في المدن من خلال تجربتين سابقتين، ولا سيما تجربة (مراكز البيع المخفض) في عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير، وتجربة (سلعتي) في فترة حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، مما يجعل تطوير فكرة الأسواق المتنقلة أمراً غير مجدٍ".

وبين الناير أن "نجاح مثل هذه التجارب في مدن ومناطق أخرى يتطلب، بالدرجة الأولى، توفر شروط محددة من أهمها رأس المال الكافي لتوفر السلع الضرورية التي يحتاج إليها المواطن حتى تكون هذه الأسواق مستمرة ومستدامة ومتعارفاً عليها في اليوم المحدد أسبوعياً، إضافة إلى أن تكون أسعارها أقل من السوق بنسبة تصل إلى 20 في المئة باعتبارها تأتي من المصانع مباشرة من دون وجود سماسرة ووسطاء، فضلاً عن ضرورة انتشارها في كل المناطق حتى لا يضطر المواطن إلى التنقل بوسائل مواصلات تزيد عليه عبء الكلفة".