أسماء الشوارع في المغرب محل سجال مستمر

منذ 1 سنة 161

تحمل الشوارع في المدن المغربية أسماء ملوك وأمراء وشخصيات سياسية وثقافية وتاريخية، كما أنها تحمل أحياناً أسماء وديان وأنهار وسهول وجبال، وأسماء أشجار ومدن وربما دول، وأسماء نساء شهيرات ورجال، وتكتب هذه الأسماء باللغات العربية والفرنسية وأحياناً بالأمازيغية.

وتندلع أحياناً سجالات ومعارك سياسية بين الأحزاب في موضوع تسمية الشوارع والأزقة والفضاءات العمومية بسبب رمزية الأسماء، كما تظهر بين الفينة والأخرى مطالب هيئات لتسمية شوارع بأسماء معينة، أو بتغيير تسميات لأسباب سياسية أو أخرى تتعلق بـ"النوع".

جغرافيا وتاريخ

في العاصمة الرباط على سبيل المثال، تحمل الشوارع الكبرى أسماء سلاطين وملوك من قبيل شارع محمد الخامس الذي يتوسط العاصمة، وشارع الحسن الثاني الشريان الرئيس للرباط، وشارع مولاي يوسف، وغيرها.

وأما حي حسان الشهير وسط الرباط، فهو يحمل أسماء المدن المغربية، مثل شارع فاس وشارع تازة وغيرهما، بينما حي أكدال فاختار له المسؤولون عن التهيئة المحلية أسماء الأنهار والوديان، من قبيل شارع أم الربيع وشارع سبو وشارع ملوية... إلخ.

وفي حي الرياض المعروف بكونه حي الطبقة الثرية والمخملية، فيضم شوارع تحمل أسماء الأشجار على وجه الخصوص، من قبيل شارع العرعر وشارع الصنوبر وشارع الكاليتوس، وغير ذلك، بينما أزقة حي المحيط فتحمل أسماء الدول، من قبيل شارع كوبا وشارع فلسطين وشارع مدغشقر.

وعدا الأسماء التي تتعلق بالأعلام والشخصيات السياسية أو الجغرافيا، تتخذ شوارع أخرى أسماء أحداث تاريخية أو أسماء معارك بطولية تعود إلى مرحلة مقاومة الاستعمار، من قبيل شارع أنوال، نسبة إلى معركة أنوال التي وقعت في 1921 في منطقة الريف بن مقاومين مغاربة والجيش الإسباني، أو شارع الحنصالي، نسبة إلى المقاوم أحمد الحنصالي، أو شارع عبد الكريم الخطابي، وهو مقاوم مغربي شهير.

وفي العاصمة الاقتصادية للمملكة، الدار البيضاء، يحتفي عديد من الشوارع بأسماء شخصيات بارزة في مجالات السياسة والفن والثقافة والفكر والرياضة، حيث توجد شوارع بأسماء عالم المستقبليات الراحل المهدي المنجرة، والفنانة الراحلة ثريا جبران، ولاعب الكرة الراحل عبد المجيد ظلمي وآخرين.

سجالات أيديولوجية وهوياتية

وتظهر دعوات هيئات وفاعلين في المغرب يطالبون السلطات المحلية المعنية بالموافقة على إدراج أسماء بعينها أو حذف أسماء واستبدالها بأخرى، لاعتبارات مختلفة تتراوح بين السياسي والأيديولوجي والاجتماعي.

في صيف عام 2018 على سبيل المثال، احتج عديد من النشطاء في مدينة أغادير جنوب المغرب، على أسماء شوارع وأزقة تحمل أسماء مدن فلسطينية، من قبيل غزة وجنين وخان يونس وغيرها، مطالبين بتعويضها بأخرى مغربية وأمازيغية بالخصوص، بالنظر إلى الهوية الأمازيغية لمدينة أغادير.

وتوزعت المواقف حينها حيال تسمية شوارع وأزقة في مدينة أغادير بأسماء مدن وحارات فلسطينية، بين من وجد هذه المبادرة إيجابية تبقي القضية الفلسطينية حية في الذاكرة، وبين من وجدها استهدافاً للهوية الأمازيغية اللصيقة بالمدينة، بينما اختار المسيرون للشأن المحلي الإمساك بالعصا من الوسط بكتابة أسماء الشوارع بالحرف الأمازيغي "تيفيناغ".

في مدينة تمارة حصل قبل أشهر مضت، شيء مماثل تقريباً، عندما صادق المجلس المحلي لهذه المدينة المحاذية للعاصمة الرباط على تسمية شوارع معينة بأسماء شيوخ وعلماء متطرفين معروفين من المشرق العربي، الشيء الذي أفضى إلى موجة من الانتقادات والاحتجاجات.

وطالب نشطاء وبرلمانيون من وزارة الداخلية حينها بإزالة اليافطات المعلقة التي تشير إلى أسماء عدد من شوارع مدينة تمارة، وتعويضها بأسماء علماء مغاربة، واعتبروا تلك الأسماء المختارة "دخيلة تتناقض مع قيم وثقافة المغاربة المبنية على التعددية والتسامح"، وهو ما حصل بالفعل إذ تم التراجع عن تلك التسميات المثيرة للجدل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واندلعت أيضاً سجالات قبل مدة بخصوص رفض ناشطات ينتسبن إلى "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية – مالي" التركيز على الأسماء الذكورية في تسميات الشوارع المهمة، و"إقصاء" الأسماء الأنثوية، واعتبرن أن ذلك "نوع من طغيان العقلية الذكورية في المجتمع".

واستكمالاً لحملتهن، قامت الناشطات بتعليق يافطات تحمل أسماء شخصيات نسائية تاريخية وسياسية عوض الأسماء الموجودة، فثبتن عند مدخل أحد شوارع الرباط لافتة باسم ثورية الشاوي (أول مغربية تقود الطائرة) بدل اسم مولاي إسماعيل، واسم زينب النفزاوية عوض اسم يوسف بن تاشفين، القائد الإسلامي التاريخي.

تنافس سياسي

ويعلق الباحث في التاريخ السياسي محمد شقير، على الموضوع بالقول إن تسمية الشوارع العمومية في المدن المغربية تعد رهان تنافس سياسي بين القوى للتحكم في جزء من مجالها السياسي الذي يتمثل في الشوارع العمومية.

وأفاد شقير بأن سلطات الحماية الفرنسية عملت على ترسيخ تواجدها السياسي والرمزي من خلال إطلاق تسميات تهم تراثها الثقافي، حيث أطلقت أسماء مثل شارع فرنسا، أو تسميات تعود لشخصيات عسكرية وسياسية وتاريخية وثقافية فرنسية على عديد من الشوارع التي أنشأتها لترسيخ سيطرتها السياسية والإدارية على هذه المدن في أذهان الأهالي. الأمر نفسه بالنسبة إلى السلطات الاستعمارية الإسبانية في شأن إنجاز الشوارع في المدن التي كانت احتلتها سواء في شمال المغرب أوجنوبه.

وتابع المحلل عينه "بمجرد استعادة المغرب سيادته السياسية، بادرت السلطات ممثلة بالخصوص في المؤسسة الملكية ومكونات الحركة الوطنية، إلى استبدال هذه التسميات الاستعمارية بأسماء من قبيل الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، حتى باتت أغلبية الشوارع الرئيسة في المدن المغربية تحمل اسمي هذين الملكين قبل أن يضاف اسم الملك محمد السادس بعد توليه الحكم.

واستطرد شقير "إضافة إلى هذه التسميات الملكية وبعض أسماء بعض الأمراء والأميرات، هناك شوارع عمومية عدة تحمل أسماء عديد من الزعماء الوطنيين، من قبيل شارع علال الفاسي في مدينة الرباط وغيره، وشارع محمد بن الحسن الوزاني أو محج المهدي بنبركة في مدينة الدار البيضاء".

وأردف "مدينة الدار البيضاء باعتبارها (مدينة مناضلة) تضم شوارع بأسماء (مقاومين)، مثل شارع الزرقطوني ومصطفى المعاني والظاهر السبتي وحمان الفطواكي".

ولفت شقير إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني لعب دوراً توجيهياً في تسمية بعض الشوارع بأسماء رؤساء دول أجنبية، من قبيل شارع جون كينيدي، أو شارع بورقيبة في العاصمة الإدارية، أو شارع هوفيت بوانيي في مدينة الدار البيضاء.

وتابع "إلى جانب هذه التسميات توجد شوارع بأسماء ترتبط بالتاريخ المغربي، كشارع الموحدين أو شارع أنفا، أو أسماء مرتبطة بالمجال البحري مثل شارع المحيط الأطلسي بالدار البيضاء، بينما ظهرت تسميات تهم الجانب الطبيعي البيئي أطلقت على شوارع في أحياء عصرية جديدة في العاصمة المغربية".