"أسعار جنونية".. النازحون اللبنانيون يدفعون ضريبة بحثهم عن الأمان مع استمرار القصف الإسرائيلي العنيف

منذ 1 شهر 39

بقلم:  Clara Nabaaيورونيوز

في بيتٍ لا يتّسع لأكثر من عائلة، يبيتُ أحمد منصور، مع خمس عائلات أخرى بمنطقة خلدة اللبنانية. ورغم أنه نجا بروحه، إلاّ أن حاله كحال معظم الذين نزحوا من جنون القصف الإسرائيلي في لبنان، لم ينجُ من جشع أصحاب الشقق السكنية الذين استغلوا معاناته.

وهذا ليس النزوح الأول للرجل الثمانيني، كما قال لـ "يورونيوز"، فقد غادر بلدته الحدودية عيترون التي تعرضت لقصف إسرائيلي عنيف منذ بداية المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، إلى بلدة الخرايب.

كان منصور يأمل أن يجد بيتاً آخر لا يعجّ بالنازحين، لا سيّما أنه رجل مسنّ ويحتاج إلى رعاية خاصة، لكن كل مالكي العقارات الذين تواصل معهم طلبوا أسعاراً خيالية، بالإضافة إلى شروط قاسية كدفع إيجار أشهر أو سنة سلفاً.

الاستغلال الذي تعرّض له النازح المسنّ تكرّر مع الكثير من العائلات، وذلك بعد حركة النزوح الكثيفة التي شهدها لبنان في اليومين السابقين مع التصعيد الإسرائيلي على قرى جنوب وشرق لبنان بشكل خاص، إذ تخطى عدد النازحين الـ 150 ألف شخص، بحسب منسّق خطة الطوارئ لمواجهة الأزمة الوزير اللبناني ناصر ياسين.

وهذا الوضع ينطبق على سكان الضاحية الجنوبية لبيروت أيضاَ. تقول مهى فرحات (30 سنة) لـ "يورونيوز" إنها حاولت وعائلتها مغادرة منزلهم المجاور للمبنى الذي استُهدف في الاغتيال الإسرائيلي للقيادي بحزب الله فؤاد شكر، لكنهم لم يتمكنوا بسبب أسعار الإيجارات "الجنونية"، وعدم قدرتهم على تأمين المبلغ المطلوب.

ومع الاستهدافات الاسرائيلية الأخيرة للضاحية الجنوبية، اضطرت العائلة إلى المكوث عند أقاربها في بلدة بشامون، حيث يعيش 15 شخصاً في بيت واحد مؤلف من 4 غرف فقط.

النازحون بين الاستغلال والمبادرات الإنسانية

يُعدّ استغلال الحروب والأزمات لتحقيق المكاسب المالية أمراً مجرداً من الإنسانية، إلاّ أن القانون اللبناني يكفل حقّ المالك بتحديد السعر الذي يراه مناسباً، بحسب نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى.

يُشير موسى لـ "يورونيوز" إلى أنه يوجد سيناريوهات عديدة واجهها اللبنانيون هذين اليومين، فهناك من امتنعوا كلياَ عن تأجير بيوتهم إما لمخاوف مستقبلية متعلقة بإمكانية قدرة المستأجرين على الدفع في حال طال أمد الحرب، أو خوفاً من أن يكون الأشخاص الذين يرغبون باستئجار الشقق مستهدفون من قبل الجيش الإسرائيلي.

أما السيناريوهات الأخرى فهي المطالبة بالدفع المسبق أو التأجير الشهري مقابل أسعار مرتفعة جداً، وهو ما يصفه موسى بـ "استغلال غير منطقي". ويُطالب النقيب بوضع تشريع ينطبق على الحالات الاستثنائية مثل الحروب، لمنع المؤجر من طلب أسعار إيجارات مرتفعة.  

ينطبق ارتفاع أسعار الشقق السكنية على غيرها من المسلتزمات التي زاد عليها الطلب مع ارتفاع أعداد النازحين، كالفرش والوسادات، اذ استغل التجار الظروف القاسية ليرفعوا أسعارها.

كل هذه الأسباب دفعت النازحين للجوء إلى مراكز الإيواء التي باتت مزدحمة بدلاً من استئجار البيوت، فقد وصل عدد النازحين في المراكز إلى حوالى ٥٣ ألفاً وفقاً للوزير ناصر ياسين. إلاّ أن العديد من المناطق اللبنانية شهدت مبادرات إنسانية لإيوائهم، ففضلاً عن المدارس والجامعات التي استقبلت النازحين، فتحت أيضاً الكنائس والجوامع أبوابها في مشهد تضامن وطني وإنساني عابر للطوائف والاصطفافات السياسية.

وسارع الكثير من اللبنانيين إلى جمع التبرعات وتوزيعها على المراكز المختلفة، ومن ضمنها حليب الأطفال والحفاضات والأدوية والطعام والثياب ومستلزمات النظافة والفوط النسائية وغيرها...

وكان يوم الاثنين 23 أيلول/ سبتمبر 2024 هو الأعنف والأكثر دموية من حيث تكثيف الغارات الجوية الإسرائيلية، ومن حيث الحصيلة الدموية التي لم يسبق لها مثيل منذ حرب تموز 2006، ما أدى إلى مقتل أكثر من 600 شخصاً وإصابة أكثر من 1600 آخرين، بينهم نساء وأطفال ومسعفون.