هذا الوصف الجميل الوارد في عنوان هذا المقال ليس لي، بل لباحث أميركي هو (أندرو سايمون) المحاضر في كلّية (دارتموث) في الولايات المتحدة الأميركية.
هو باحث ومؤرخ اهتمّ منذ سنوات بدراسة الثقافة الشعبية بالشرق الأوسط، وكما جاء في مقابلة جميلة بهذه الجريدة معه، فهو يعتبر هذا المجال محورياً لفهم التحوّلات التاريخية والسياسية والاجتماعية. وكانت دراسته للغة العربية في القاهرة من أسلحته الأساسية للوقوف على تراث تلك الثقافة.
سايمون، حول هذا الأمر، أنجز كتاباً بعنوان «إعلام الجماهير: ثقافة الكاسيت في مصر الحديثة» صدر عن مطبعة جامعة «ستانفورد»، ومن المُنتظر أن تصدر ترجمته إلى العربية قريباً.
أمضى الباحث الأميركي سنوات في تحصيل ودراسة أشرطة الكاسيت المصرية، خاصة من مرحلتي أواخر السبعينات وعقد الثمانينات، ومن نجوم تلك المرحلة شيخ الكاسيت الأول في العالم العربي، عبد الحميد كشك، والمقرئ المصري المثير الشيخ عنتر، وطبعا أغاني الثنائي الشيخ إمام وشاعره أحمد فؤاد نجم.
من أين استقى سايمون موادّه؟ هل فقط من تجميع أشرطة الكاسيت، وقد جمع منها مجموعة كبيرة، أم من مصادر أخرى أيضاً؟
يقول الباحث إنه بدأ بالبحث في الصحافة المصرية؛ لا سيما المجلات الأسبوعية العريقة، مثل «روزاليوسف»، و«آخر ساعة»، التي تُغطي مجموعة واسعة من الشؤون السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، من منتصف القرن العشرين إلى آخره.
حين ظهرت أغاني الكاسيت وقتها، ومن نجومها عدوية شعبياً، والشيخ إمام سياسياً ثورياً يسارياً، ورد بتقارير استقصائية في تلك الصحف والمجلات حديث حول «تلوث» الذوق العام، وتقارير حول العمالة المصرية في الخارج، و«الكاسيت» بوصفه أحد تمظهراتها الاجتماعية.
معنى ذلك، وهنا أخاطب أرباب المجلات والصحف السعودية، أنهم يملكون «ثروات» لا يعرفون كيف يستثمرونها استراتيجياً، ومثال هذا الباحث الأميركي الأكاديمي مجرد مثال صغير عن الإمكانات الكامنة في هذه الأراشيف العظيمة.
لكن... دع ذلك، وعُد للموضوع الرئيسي: هل لدى دول الخليج دراسات شبيهة بهذه الدراسة!؟ أعني العودة إلى أرشيف هائل من أشرطة الكاسيت والمنشورات والمطويات والكتيّبات والخطب والكتب التي صبغت حياة المجتمعات الخليجية منذ منتصف السبعينات إلى بداية الألفية الجديدة، حين تسلمت «منتديات» الإنترنت الراية من الكاسيت الصحوي.
هل جُمعت كل هذه الموادّ التي تؤرشف وتؤرخ لتلك الثروة وتجعل الحصول عليها ميسوراً للباحثين؟
بل ذهبتُ لأكثر من ذلك، وطالبت مراراً بإنشاء «متحف» خاص: متحف معنوي غير مادي، وأيضاً مادي، للصحوة يكشف للأجيال الجديدة عن ماذا جرى خلال 40 عاماً، يعني ليس فقط توفير المواد للباحثين الجادّين، بل حتى توفير مزار للعامّة، مثلما صار مع متاحف شبيهة في دول الغرب عن مراحل معينة من تاريخهم.
ليس موضوع الصحوة فقط، بل متحف للعامّة أيضاً عن: الجيش، والنفط... إلخ. المهم أيها السادة أصحاب المؤسسات الصحافية، لديكم ثروة تحت أرجلكم... ولكنكم عنها غافلون.