أخطار ومحاذير استخدام "واتساب" مع زملاء العمل

منذ 1 سنة 119

باعتباره التطبيق الأكثر انتشاراً لغايات المراسلة بين البالغين في المملكة المتحدة، يتشعب "واتساب" إلى خانات كثيرة. حياتنا العاطفية وأصدقاؤنا وحمواتنا ووكلاء العقارات الذين نتعامل معهم وبصورة متزايدة زملاء العمل. كما أنه مكان يسهل ارتكاب الأخطاء فيه بشكل مفزع.

إن اجتماع سرعة التراسل في "واتساب" بوظائف تشارك المعلومات الفورية في البرنامج يخلق حقل ألغام للتواصل سواء بالنسبة إلى العمل أو الدوائر الاجتماعية. لا يزال صديقي الحميم يخجل من تلك المرة التي ترك فيها رسالة صوتية مدتها 30 ثانية على مجموعة "واتساب" الخاصة بأصدقائه يخبرهم فيها عن خشيته من اقتراب الموعد الغرامي الذي يتوجه إليه، وشعوره بآثار الثمالة واستعداده للتقيؤ - وأرفق الرسالة بأصوات التنفس العالية لكي يحدث وقعاً درامياً. عندما لم يرد عليه أحد، انتبه إلى أنه أرسلها إلى السيدة التي يوشك أن يقابلها - وسمعتها بسرعة.  

طبعاً، ينطوي مجال العمل على أخطار أكبر - كما يكتشف وزراء الحكومة ومستشاروها السابقون والحاليون هذا الأسبوع، مع ظهور الرسائل المتبادلة على "واتساب" في أوج فترة انتشار الجائحة، في إطار نقل أخبار لجنة التحقيق في "كوفيد". قد تكون أكثر هذه الرسائل إثارة للصدمة تلك التي كتبها كبير المستشارين دومينيك كامينغز، إذ دعا في بعضها الموظفة الحكومية الرفيعة المستوى هيلين ماكنامارا بـ"العاهرة" فيما انتقد في بعضها الآخر الحكومة معتبراً أعضاءها "خنازير لا فائدة منهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الثلاثاء في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اعترف مارتن رينولدز، أحد كبار مساعدي بوريس جونسون، بأنه استخدم خاصية الرسائل التي تختفي بعد فترة كي يرسل المعلومات إلى رئيس الوزراء، وقال للجنة التحقيق إنه لا يتذكر سبب ذلك. لكن رينولدز أصر على أن رسائل "واتساب" المنشورة "هي عبارة عن تواصل كان من الممكن أن يحدث بين الأشخاص قبلاً عبر الهاتف أو في الأروقة". ومع ذلك، فإن الفارق الواضح بين تبادل أطراف الحديث حول المسؤولين في الحكم أثناء استراحة التدخين من جهة، والإسهاب في الكلام المكتوب على "واتساب" من جهة أخرى هو أنه من السهل حفظ الرسائل الأخيرة ونشرها - وقد تصبح جزءاً من السجلات التاريخية.

لكن ما يشير إليه عدد المرات التي ناقشت فيها هذه القنوات السياسات المتعلقة بـ"كوفيد"، وشككت فيها بكفاءة الوزراء أنها كانت قنوات لصناعة القرار وليس للثرثرة الاجتماعية فحسب. وشدد المستشار السابق في داونينغ ستريت صامويل كاسومو على أنه "لا يمكن لمارتن أبداً أن يقول بنزاهة إن القرارات الكبرى لم تُتخذ عبر ’واتساب‘ - فذلك كذب".

فيما نقلب الصفحات لقراءة نفي رئيس وزرائنا السابق [بوريس جونسون] بأن زوجته تدير البلاد، وشكوى كامينغز من الحكومة "الخرقاء بصورة مرعبة"، وتصريح رئيس جهاز الخدمة المدنية سايمون كايس بأننا "نبدو كمهزلة رهيبة ومأسوية"، نجد أنفسنا نفكر في سلوكنا الخاص في قنوات "واتساب" الخاصة بالعمل. حتى إن المرء قد يتعاطف معهم، ويتفق على أن الحدود لا تعود واضحة بين العمل والثرثرة الشخصية لحظة انتقال المواضيع إلى "واتساب".

وتقول كلير ورنر التي أسست شركة "ليفت" Lift المختصة بالاستشارات حول ثقافة مكان العمل "قد يكون ’واتساب‘ و’سلاك‘ Slack [منصة مراسلة مصممة للشركات الكبرى] أداتين عظيمتين، إنما على المنظمات أن تحدد الغرض منهما والسلوك المتوقع للمستخدمين عليهما. هل الغرض من هذه القناة تشارك الأفكار؟ أم هو وضع خطط اجتماعية وتبادل نكات؟" وتقول إنه عليك المطالبة بهذه التوجيهات، في حال لم توفرها شركتك مسبقاً.

لا يزال مفهوم "واتساب للعمل" غير متين، إن أخذت رقم هاتف أحد زملائك بهدف التخطيط لتناول كأس بعد ساعات الدوام، ثم بدأت بالحديث عن العمل، فهل تُعتبر تلك قناة تواصل رسمي في مجال العمل؟

ويقول الخبير في شؤون الموارد البشرية ديفيد رايس، من مؤسسة "أشخاص يديرون أشخاصاً" People Managing People "عادة، يكون ’واتساب‘ للاستخدام الخاص، وعلى حد علمي، لا يوجد أي عقد عمل رسمي معهم" وهذا يعني إجمالاً أن المرء محميٌ بصورة عامة من طلب الإدارة الاطلاع على رسائله على التطبيق، فقد يكون الموظفون محميين بموجب قوانين حماية البيانات العامة، "لكن إن كانت الشركة تدفع مقابل البرنامج - مثل ’سلاك‘ أو ’تيمز‘ Teams [نظيره من مايكروسوفت] - أقول للناس دائماً إنه عليكم الافتراض بأنهم يقرأون رسائلكم".

لكن احتمالية أن يأخذ أحدهم صورة ثابتة (سكرين شوت) عن تعليقاتكم الخاصة تصبح أمراً وارداً فور دخول أي من معارفكم في العمل على ’واتساب‘. ويقول رايس "يُسمح لكم بتكوين صداقات في مكان العمل. لكن إن شعر أحدهم بعدم الارتياح وقصد المدير لهذا الموضوع، فسيصبح موضوعاً خاصاً بالعمل. فالمراسلة الفورية هي تماماً المكان الذي قد يحدث فيه التنمر والمضايقات الجنسية في مكان العمل".

ولا قانون يمنع الثرثرة مع أحد الزملاء وتناول زميل آخر بالحديث، لكن حفظ ومشاركة هذه التعليقات خطر قائم. وتسأل ورنر "إلى أي درجة تعرفون هذا الشخص جيداً؟ من الآمن أكثر بكثير أن تكتبوا في الرسالة ’هل لديك وقت لتلقي اتصال هاتفي؟‘ قبل أن تتصلوا وتعبروا عن مكنونات نفسكم بصورة غير رسمية ومسجلة".

طبعاً، الأخطاء واردة وغالباً من السهل تقديم اعتذار سريع إن كان في الموضوع خطأ غير مقصود. ويقول ويل، 40 سنة "إحدى عميلاتي أضافتني عن غير قصد إلى مجموعة محادثة مع صديقة لها فبدأت بمراجعة وتقييم آخر موعد غرامي لها. ويبدو أن الرجل لم يكن ’شخصاً مذهلاً‘ وانتعل حذاء سيئاً (’وهذا من المحاذير‘) لكنه تمتع ببعض الإمكانات". تمكن ويل في الأقل من النظر إلى الجانب المضحك في الموضوع. 

لكن بينما يُحتمل أن الجميع، من التجار إلى المستأجرين، أصبحوا ضمن قائمة المتراسلين في "واتساب"، ازدادت أهمية أن يتمهل المرء قليلاً قبل أن يرسل صوراً فيها إيحاءات. غضبت جورجينا*، 32 سنة، جداً عندما طلب مالك المنزل الذي تستأجره مع مجموعة من الناس أن يتخلصوا من أغراض موجودة في قبو المنزل قبل أن ينتقلوا منه (وهي تزعم أنها ليست أغراضهم). دخلت إلى مجموعة الدردشة بينهم على ’واتساب‘ وانطلقت في تقريعها له "لماذا يتصرف نيل بهذه الطريقة الخرقاء دائماً؟". طبعاً، لم تكن الدردشة الجماعية للمستأجرين، بل تلك التي أسسها صاحب الملك وهو أحد أعضائها. 

فإذاً، متى يصبح هذا الخطأ في التقدير مسألة تستدعي التأديب؟ عندما تراسلون الزملاء "تفادوا كل ما يمكن أن يُعتبر إقصاء لفئة معينة من ناحية التنوع والثقافة والمعتقدات" كما تقول ورنر. وتحاجج بأن الشتائم والإهانات ممنوعة قطعاً كذلك "ربما أشتم في اجتماع مباشر وفي أوساط زملاء قدامى لكنني لن أفعل ذلك على ’واتساب‘ على الأرجح". (راجعوا تأكيد دومينيك كامينغز أننا ندخل فصل الخريف فيما "ذلك الحقير يمسك بزمام هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، في إشارة إلى وزير الصحة آنذاك مات هانكوك).

وتضيف ورنر أن إعادة إرسال ما وصلك من رسائل من طرف إلى آخر فيه كثير من الأخطار. "حدث في بعض الحالات الجدية أن جرت مناقشة تغيير هيكلية مكان العمل في إحدى القنوات، ثم تُرسل هذه المعلومات برمتها إلى الفريق، بما في ذلك التعليقات حول مستقبل أحد الموظفين في العمل ضمن ذلك الفريق".

حتى استثناء زميل أو زميلة من مجموعة على "واتساب" قد يضر بك. الشهر الماضي، أمرت المحكمة بإعطاء السباك مارك بروسنان 130 ألف جنيه استرليني (162 ألف دولار) بعدما حكم قاضٍ بأن استثناء زملائه له من غرفة الدردشة المخصصة للعمل يعتبر تمييزاً ضده. زعم السيد بروسنان بأن "معلومات مهمة تتعلق بالسلامة" فاتته بسبب استثنائه من المجموعة بعد أن تغيب عن بعض الأعمال بسبب إصابة في ظهره. 

وربما لإدراكه بوجود هذا اللغط، أضاف "واتساب" العام الماضي وظيفة "إلغاء" لخيار "الحذف" فيها - أي إن قصدت أن تضغط على "حذف لدى الجميع" وأخطأت بالضغط على "حذف لدي"، يمكنك التراجع عن ذلك في أسفل يمين الشاشة. كذلك أضيفت عام 2020 خاصية الرسائل الموقتة التي تختفي بعد حين، لكن من السهل استخدامها بالخطأ للأسف بما أن الرمز الذي يدل عليها "1" موضوع إلى جانب زر "إرسال" تماماً.

لكن خيار الحكومة باستخدام "واتساب" للمراسلات يجعل رايس يشك في الموضوع فوراً. فهذا ليس بديلاً عن الرسائل الإلكترونية اختارته على عجل وخوف. ويقول "لدي إحساس أنهم شعروا بأن التشفير وإجراءات الأمان والسلامة في ’واتساب‘ ستحميهم من عيون الغير". كما أن استخدام الرسائل ذاتية الاختفاء يضيف من شعور إدانة المراسلات. "ما حاجتك إلى اختفاء المعلومات؟ لو حصل ظرف اضطر فيه أحدهم إلى الاطلاع على المراسلات السابقة ليفهم الأحداث، فهذا الوضع مماثل لتمزيق الوثائق".

حتى إن لم يكن لديك ما تخفيه، فمن الأفضل أن تفصل الخاص والعام. تخبرني ورنر بأنها تجمع في ملف واحد كل تطبيقات الاتصالات مثل البريد الإلكتروني و"سلاك" "وفي نهاية أسبوع العمل، أبعده عن شاشتي الرئيسة طوال عطلة نهاية الأسبوع، فلا ألحظه حتى".

باختصار: من يجمع بين "واتساب" والعمل كمن يفتح على نفسه باب المصائب. وينصح الخبيران بمطالبة مكان العمل باستخدام منصة أكثر رسمية لشؤون العمل. ويقول رايس "لو وضعنا كل شيء على جنب، لا أريد تلقي رسائل من زملائي في وقت أقضي عطلتي. لكن من السهل جداً أيضاً أن نخلط بين الدردشات ونواجه مشكلات بسبب مكتبة صور بنمط ’جيف‘ gif أو حتى نضيع معلومات أو وثائق مهمة".

عندما تكوّن صداقات مع زملائك، قد يبدو "واتساب" مكاناً غير رسمي وسري. لكن، كما يقول رايس "اعتبرها حانة رقمية"، ما زال بالإمكان أن تواجه قسم الموارد البشرية بسببها. في كل حالات التواصل مع الزملاء، سواء المباشرة أو الافتراضية، من الحكمة أن تصون لسانك.

لا شك في أن الجميل والمريع في "واتساب" هو أننا نستخدم التطبيق لكل شيء آخر أيضاً. لا يمكن إطفاؤه خلال عطلة نهاية الأسبوع. فهذا هو الوقت الذي يبدأ استخدامنا له. سلاماً وأماناً للجميع! 

*استخدمت أسماء مستعارة