أخشى كل شيء.. فما النصيحة؟

منذ 11 أشهر 169

أخشى كل شيء.. فما النصيحة؟


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/5/2023 ميلادي - 9/11/1444 هجري

الزيارات: 18



السؤال:

الملخص:

شابة في الثلاثين من عمرها، عاشت طفولة قاسية، لديها وساوس كثيرة، تؤذيها كلمة، وتخشى أن تؤذي غيرها ولو بكلمة؛ ما جعلها مستباحة للآخرين، ورغم التزامها بالصلاة والنقاب، فإنها تظن نفسها أحيانًا منافقة أو كافرة، ترفض الزواج لقلة جمالها، وهي لا ترى أن لها نفعًا أو فائدة في الحياة، وهي تخشى كل شيء في المستقبل، وتسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة تناهز الثلاثين من عمرها، لديَّ وساوس في كل شيء؛ في العقيدة، والطهارة، والصلاة، والإخلاص، وعدم الثقة بنفسي، أحلل كل شيء، وأعطي الأمور أكبر من حجمها الطبيعي، فكلمة واحدة أو نظرة قد تصيبني بالحزن أيامًا وأعوامًا، أُحْسِن معاملة الناس، وأخشى أن أؤذيهم ولو بكلمة؛ ما جعلني مستباحة، أحمِّل الضرر على نفسي، حتى لا يتضرر الطرف الآخر، أو يُسيء فَهمي، أحاول أن أضع حدودًا في علاقاتي مع الناس، لكن المظاهر تخدعني، وأثق كثيرًا بأشخاص ليسوا أهلًا للثقة؛ وهذا وقع لي في كثير من صديقاتي.

أنا فتاة ملتزمة بالنقاب، وأصلِّي، وأحاول حفظ القرآن، ولا أتلفظ بكلام بذيء، أو أغتاب أحدًا، لكن توكُّلي على الله ليس قويًّا؛ فأفشل دائمًا، وأشعر أنني غير صالحة، ولا دَورَ لي في الحياة، وجودي كعدمي، حتى علاقتي مع ربي التي أحافظ عليها نقية، أحيانًا تأتيني وساوس أنني منافقة أو كافرة، وهو شعور أتغلب عليه أحيانًا، لكنه سرعان ما يعود.

أما الزواج، فأنا أرفضه رفضًا باتًّا، لا لأني لا أريد تكوين أسرة، لكني لا أمتلك أيسر مقومات الجمال عند المرأة، فلا أجد في نفسي القدرة على إعفاف من سيكون زوجي، وبقائي بغير زواج أحب إليَّ من أن أسمع كلمة إهانة من أحد، أو مقارنة بأحد، أبي - رحمه الله - كان قاسيًا معنا؛ لذا تراني أتعلق بأي أحد يتكلم معي بلطف ورِقَّة، أخشى المستقبل، أخشى أن أموت على الكفر، أخشى المرض، أخشى أن أصبح عالة على أهلي أو على الناس، أخشى كل شيء، أحيانًا أتمنى الموت، لكني بلا زاد للآخرة، قرأت عما أعانيه كثيرًا، لكن بلا جدوى، أرجو مساعدتكم.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فنشكركِ على تواصلكِ معنا وثقتكِ بنا، بداية يظهر من رسالتكِ تشابكات عديدة؛ لذا وجب تقسيمها إلى نقاط:

1- قسوة الأب وجفاؤه العاطفي في الصغر سبَّب لكِ حرمانًا عاطفيًّا؛ ما جعلكِ تبحثين وبشكل فطريٍّ إلى إشباع الحاجة للحبِّ والأمان، فأوقعكِ فريسةً للمتلاعبين وأصحاب المصالح، في الحقيقة لسنا نحن من نختار أسرنا، ولا طرق تعاملهم معنا، ولا يمكننا تغيير الماضي، إنما نحتاج إلى التصالح معه، وفهم أسباب قسوة الأب؛ فذلك كفيل أن يخفف الجرح النفسي الذي ما زال لديكِ، واعلمي أن الوالدين عندما يربُّون أبناءهم، فإنهم يقدمون أفضل معارفهم، إما بالحق، أو بالباطل، فهم يعتقدون أنها الطريقة الأنسب، بعد التصالح والتسامح مع الماضي، يأتي الدور لترميم تبعاته على شخصيتكِ التي أصبحت عاطفية حسَّاسة، وهذا ليس عيبًا، ولكن عدم التحكم فيها هو الخطأ، ويكون ذلك من خلال تقوية شخصيتكِ باكتساب المعارف والمهارات حول العلاقات، والثقة بالنفس وتفعيلها، وأنصحكِ بسلسلة محاضرات ياسر الحزيمي في دورة قوة الشخصية.

إن الطِّيبة أمر جيد، ونفتقدها في وقتنا الحالي، لكن حذارِ أن نكون شمعة محترقة من أجل الآخرين؛ لأننا بذلك نعطيهم الفرصة للتحكم بنا واستغلالنا، والحل يكمن في وضوح قِيَمِكِ ومبادئكِ الشخصية، ووضوح أولوياتكِ، فحينما تتصارع قيمة مع أخرى، تجدين نفسكِ حكمًا يعتمد على الأولويات؛ مثلًا إن طلب منكِ زميلكِ إكمال العمل عنه، وأنتِ لديكِ من الأعمال ما يكفيكِ، إلا أنكِ أردتِ جذب انتباه هذا الزميل لكِ، هنا يوجد قيمة الالتزام بعملكِ أمام قيمة الاهتمام، فإن كنتِ مهتمة أكثر بالأولى، فستجدين نفسكِ ترفضين بكل أدب والعكس، إذًا وجب عليكِ معرفة ذاتكِ، وتحديد قيمكِ الشخصية، ويمكن المختص النفسي مساعدتكِ في ذلك.

2- إن الأفكار المتكررة والمزعجة التي تأتيكِ هي وسواس، مصدرها عقلكِ بكيميائه وسيالاته العصبية، ومراكز الذاكرة، التي نشأت جراء الخبرات والوراثة والتَّنشئة، ولستِ أنتِ صاحبتها؛ بمعنى: إذا كانت لديكِ فكرة متطرفة عن الذات الإلهية – مثلًا - بدل أن تَصِفِي نفسكِ بالكفر، تذكري هذه العبارة: ألاحظ أن عقلي يفكر بـ...، ثم قومي بعمل مفيد، مهما كان؛ كأن تغسلي الأواني أو غيره، هنا الفصل بينكِ وبين عقلكِ يجعل لديكِ قدرة على التعامل مع هذه الأفكار بشكل أفضل، ويقلل من درجة المشاعر المصاحبة لها، ثم الانشغال بعمل مفيد يُحدِث نوعًا من التشتت الفكري، والانغماس في الحياة بدل اجترار الأفكار، كما يمكنكِ العودة إلى استشاراتنا حول الوسواس القهري.

3- فكرة عدم الزواج ناتجة من تدنِّي تقديركِ لذاتك، فكم من امرأة تزوجت وأنشأت أسرة سعيدة، وهي لا تمتلك من مقومات الجمال إلا القليل، بل قد نجد لديها إعاقة بشكل ما، ورغم ذلك لم يمنعها هذا من احتواء أسرتها والعيش بسعادة؛ كما أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن اختيار الزوجة: ((تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين، ترِبت يداك))، فلنفترض أنكِ كما وصفتِ نفسكِ، فأنتِ بهذا تكونين قد تركتِ ثلاثة من الشروط، وتجاهلتِ أهمَّها؛ وهو الدين، الذي نرى أنكِ عليه قائمة، بغض النظر عن الأفكار التي يقولها عقلكِ.

لذا فلا مانع من خوض التجربة، خاصة أن الجمال نسبي، فقد يرى شخص الوردة جميلة، ويراها غيره عكس ذلك، وهكذا، ونحن أرواح تأنس وتتآلف، فعسى أن يكون من نصيبكِ من تسكنين إليه، ويسكن إليكِ.

ملاحظة: هذه إرشادات قُدِّمت حسب ما جاء في نص الرسالة، ولا تغني عن زيارة المختص النفسي لطلب المساعدة، وتشخيص الحالة بشكل مكثف وأدق.