أخشى أن يفتضح أمري

منذ 1 سنة 445

أخشى أن يفتضح أمري


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/1/2023 ميلادي - 8/6/1444 هجري

الزيارات: 23



السؤال:

الملخص:

فتاة وقعت في الكذب، وتمادت في الكذب تجنبًا للمشاكل، وتخشى أن يفتضح أمرها، وتسأل: ما الحل؟

التفاصيل:

السلام عليكم.

كذبت بسبب غبائي، ثم ندمت، لكني لم أستطع التراجع عن كذبي، وتماديتُ، وطلبت من ربي أن يعفو عني، وأن يستر عليَّ كذبي، وبعد مدة كذبت تارة أخرى تجنبًا للمشاكل، أبكي من داخلي فأنا لا أريد الكذب، وأخشى أن يفتضح أمري، وألَّا تُقبل توبتي، فما الحل؛ فأنا في ضيق شديد؟

الجواب:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

مرحبًا بكِ ابنتي الكريمة، بارك الله فيكِ، وأصلح لكِ شأنكِ كله، ورزقكِ صدق القول والفعل، وجعلكِ من التوابين والمتطهرين.

جميل أن تكون النفس اللوَّامة لدى المسلم يقظة؛ فإذا به يحاسب نفسه باستمرار ليرى موضع قدمه على الطريق المستقيم، فيصحح مساره إذا وجد نفسه قد انحرفت عن جادة الطريق.

وجميل أن يدرك الإنسان خطورة الذنب الذي يقترفه، ويدرك أثره عليه في الدنيا والآخرة، والأجمل أن يكون كل ذلك مصحوبًا بالعمل، فإذا به بعد هذه المحاسبة يتوقف عن الذنب فورًا.

أسأل الله أن يجعلكِ ممن يحاسبون أنفسهم حسابًا صادقًا، ثم يحسنون التوبة والعودة إلى الله عز وجل.

ابنتي، تذكري ما حدث مع كعب بن مالك رضي الله عنه حينما تخلف عن الخروج في غزوة تبوك، وكيف أن الصدق هو الذي نجاه؛ فقد كان بإمكان كعب بن مالك الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتخلص من الحرج الشديد الذي سيتعرض له وهو بين يديه، ولكنه قرر أن يقول الصدق مهما كانت النتائج، وقد كانت نتيجة الصدق في بدايتها تبدو صعبة، ولكنها كُللت بتوبة الله عز وجل على كعب، حتى صار من أصدق الصادقين؛ وقد قال كعب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد توبة الله عز وجل عليه: ((إنَّ اللَّهَ إنَّما نَجَّانِي بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبَتي ألَّا أُحَدِّثَ إلَّا صِدْقًا ما بَقِيتُ)).

وبالفعل وفَّى كعب بالعهد حتى إنه يقول عن نفسه: ((فَوَاللَّهِ ما أعْلَمُ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أبْلَاهُ اللَّهُ في صِدْقِ الحَديثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلك لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أحْسَنَ ممَّا أبْلَانِي)).

تذكري - يا بنتي - هذه القصة لتكون خير معين لكِ على السير بقوة في طريق الصدق والتمسك به، وتذكري كذلك أن يوم القيامة سيأتي لا محالة، وأننا سنُسأل عما نطقت به ألسنتنا، فكيف سيكون حالنا حين نقف بين يدي الله عز وجل، ويسألنا: لِم جعلناه أهون الناظرين إلينا؟!

لِم خفنا من البشر ولم نخف من رب البشر؟!

يا بنتي، انتبهي؛ فالكذبة ستجر كذبة أخرى وراءها، وسيعتاد اللسان ذلك حتى يُكتب من اعتاد الكذب عند الله كذابًا، فهل ترضين أن يكون ذلك اسمكِ عند الله عز وجل؟

استعيني بالله وتوبي إليه توبة نصوحًا، وخذي قرارًا بأنكِ ستقدرين الله حق قدره، وأنكِ مهما حدث، فلن تكذبي، واحرصي على ألَّا تضعي نفسكِ في مواقف تضطرين فيها للكذب، وأكثري من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ كطلب للعون من الله على أن يعينكِ على التخلص من الكذب والثبات على الصدق، وكلما خِفتِ من تبعات ما حدث سابقًا، رددي بتضرع: حسبنا الله ونعم الوكيل، وأكثري من الدعاء بأن يستركِ الله، وينجيكِ من كل سوء، واجعلي الله عز وجل يرى منكِ خيرًا، ولا تبوحي بأمر كذبتكِ لأي شخص إلا إن كان فيها مظلمة لغيركِ؛ فمن أساس التوبة هنا أن تردي المظالم لأهلها.

ولا تيأسي أبدًا من رحمة الله عز وجل؛ فالله يقبل التوبة من عباده، بل لقد دعا الله عز وجل من كفروا به للتوبة، ووعدهم بالجزاء الحسن إن تابوا وحسنت توبتهم، فكيف بنا - نحن المسلمين - الذين نوحِّد الله ونخافه ونتألم نفسيًّا حين نعصيه؟!

الله فتح لنا باب التوبة، بل ومن جميل كرمه أنه يبدل سيئاتنا حسنات، فأبشري فأنت حين تتوبين تكونين ممن يحبهم الله؛ يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].

وحين تتوبين يبدل الله سيئاتكِ حسنات؛ وذلك مصداقًا لقوله عز وجل: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].

أبشري برحمة الله وتوبته عليكِ حين تتوبين، وهيا أعلنيها الآن توبة كما يحب الله ويرضى.

أسأل الله لكِ الهداية والصلاح والتوفيق.