♦ الملخص:
شاب طلَّق ثم تزوَّج، كان يتحرش قديمًا بمحارمه، لكنه تاب، ويشكو أخته التي تشهِّر به وتفضَحه أمام العائلة، ويسأل: كيف يتصرف معها؟
♦ التفاصيل:
شاب في الثلاثينيات، كانت له تجارب تحرش بمحارمه في مرحلة المراهقة، ورغم توبته من ذلك الذنب، ومرور أكثر من عشر سنوات عليه، فإن أخته تعمل الآن على التشهير به وفضحه أمام كل العائلة صغارًا وكبارًا، حتى أصبحت فضيحته على لسان الكل، وهذا ما كان له تأثيرات نفسية سلبية عليه، خاصة أن هذه الأخت سبق لها القيام بالتجسس على هاتفه وأشيائه الخاصة، ولما علمت حديثه مع الفتيات وأخذِهِ قرضًا ربويًّا، قامت بفضحه أيضًا، المهم أنها تبذل قصارى جهدها حتى تستفزه وتدمره وتراه مهزوزًا في نفسيته، خاصة أنه أصبح الآن مرتاحًا في علاقته الزوجية بعد طلاقه الأول؛ ربما ذلك رغبة منها في الانتقام، وربما أيضًا حسدًا منها، المهم أنه لم يعد يتحمل تصرفاتها واستفزازاتها المستمرة، كلما كانوا في مكان معًا، مع العلم أنه الآن مستقل في مسكنه مع زوجته، وهي ما زالت تعيش مع الوالدين بحكم أنها لم تتزوج بعد، سؤالي هو: هل ما قامت به الأخت من تشهير وفضح سلوك أخيها صحيحٌ؟ وكيف يمكن لهذا الشاب أن يتجاوز هذه المحنة، ويعيد علاقته مع العائلة ككل إلى موضعها الصحيح؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فقد قرأت مشكلتك وتعجبت جدًّا من مواقف أختك، لكن السؤال المهم هنا: ما أسباب هذه المواقف العجيبة المشينة؟ هل هي مثلًا الغيرة منك، أم أنك سبق أن أسأت لها ولو قديمًا، وحملت هذه الإساءة في قلبها وألهبت فيها حب الانتقام منك، أم لأنها عانس لا تجد السكن ولا المودة، ولا الرحمة ولا الاستعفاف، فتُعاني من ضيق واكتئاب، فلا تتحمل أن ترى غيرها ينعم بما حرمت منه، أم هو مجرد الحسد الذي أشرت إليه؟ كل هذه الأسباب محتملة جدًّا، ويبقى السؤال المهم: ما العلاج؟ فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: ينبغي أن تُحسن الظن بأختك، وأن تنظر لها على أنها مسكينة محرومة ومريضة؛ لأن تصرفاتها - مهما كانت مبرراتها - تبقى مؤشرًا على وجود مرض معنوي عضال، يحتاج إلى علاج جذري يستأصله من جذوره.
وأعظم علاج لها هو الدعاء لها بأن يرزقها الله حسن الخلق وسلامة الصدر، وأن يمنع عنك شرها، وأن يرزقها زوجًا صالحًا تسعد به، وتنسى معه همومها وأحقادها، وكذلك بذل كل سبب يؤدي لتزويجها.
ثانيًا: أنصحك ألَّا تلتفت كثيرًا لتحريضاتها للناس عليك، ولا تحزن؛ للأسباب الآتية:
١- لأنك إذا ألقيت بالًا لكلامها تكدر خاطرك، وربما بادلتها السباب بالسباب، ولم تستفد شيئًا، بل أثِمتَ، فالذي يستمع لكل ما يُقال عنه – ولو كان باطلًا – لن يرتاح له بالٌ أبدًا، بل ويجعل من الحبة قُبة.
٢- ولأن الحق لا بد أن يتضح للناس وإن طال الزمن، وكذلك الباطل سيتضح.
٣- ولأن الذي يدافع عن المؤمن حقيقة هو الله سبحانه بسبب إخلاص الإنسان وصدقه؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]؛ يقول ابن كثير رحمه الله: "إن الله تعالى يخبر أنه يدفع عن عباده الذين توكَّلُوا عليه، وأنابوا إليه، شرَّ الأشرار، وكيْدَ الفُجَّار، ويحفظهم، ويكلؤهم، وينصرهم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]؛ أي: لا يحب من عباده مَن اتَّصف بهذا، وهي الخيانة في العهود والمواثيق".
ويقول السعدي رحمه الله: "إن هذه الآية فيها إخبار من الله ووعد وبشارة للذين آمنوا بأن الله يدفع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم بسبب إيمانهم كل شرٍّ من شرور الكُفَّار، وشرور وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحمَّلُون، فيُخفِّف عنهم غاية التخفيف، وكل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر".
ثالثًا: يجب نصح أختك من قبل عقلاء العائلة فيما وقع منها من غِيبة لك وتجسس عليك، ومن حسد وتشويه لسمعتك، وتحريض عليك، فكلها معاصٍ خطيرة، وظلم عظيم، وتُوجِب سخط الرب سبحانه عليها إن لم تَتُبْ؛ قال سبحانه مبينًا خطر هذه المعاصي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾[الحجرات: 11، 12].
رابعًا: وجوابًا لسؤالك عن كيف يمكن لهذا الشاب أن يتجاوز هذه المحنة ويعيد علاقته بالعائلة، فأقول: يُمكن كل ذلك إن شاء الله بالأسباب الآتية:
١- الصدق والإخلاص.
٢- الدعاء.
٣- إصلاح النفس بالإقبال على طاعة الله سبحانه، بالمحافظة على الواجبات الشرعية، خاصة الصلاة، وترك المحرمات، وصدق التوبة والندم.
خامسًا: لك الحق الشرعي في الدفاع عن نفسك ببيان بطلان ما يقال عنك، دون أن تتعداه للسب في أختك.
سادسًا: أنت على خير وتكسب خيرًا؛ لأنه كلما تعرض لك أحد بسوء، أخذت من حسناته، فإن فنيت حسناته، أُخذ من سيئاتك، فطُرحت عليه؛ كما في الحديث الآتي: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار))؛ [أخرجه مسلم]، وينبغي أن توعظ أختك بهذا الحديث.
سابعًا: اسعوا للصلح مع أختك ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا عن طريق الناصحين؛ فهي أختك لها حق النصح، وأن تحب لها ما تحب لنفسك.
ثامنًا: قدِّر ظرفها النفسي فهي على ما يبدو إما متأخرة في الزواج أو مطلقة، وبعض اللاتي مثلها تبقى الواحدة منهن متوترة ومضطربة السلوك، وقد تحسد غيرها، وقد تنتقم.
تاسعًا: اجتهد ألَّا تُعْلِمَ أختك بأخبارك الأسرية الخاصة، ولا بأي نعمة يسوقها الله لك، وحافظ على أذكار الصباح والمساء، فهي سياج قوي ضد شر الحساد.
حفظك الله، وهدى الله أختك، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.